284: فيما يشبه البيت، زرعتُ نبتة..

أردتُ فقط أن أُكمل لكم هذا الحديث. بعد أن كتبت ( مُفتتح ) وهي تدوينتي ال 282، كنتُ أشعر أنني لم أنتهِ منها بعد، كأن بي كلامًا عنها لم أكتبه، أو شعورًا مُعلقًا لم يجد الأرض، لا أعلم تمامًا، لكن هذا ما شعرتُ به.

يقولون يجب عليك الكتابة عندما تكتمل الفكرة في رأسك، ثم يناقضون الأمر ويقولون، اكتب دون أن تكتمل الفكرة، ستُكمل الفكرة نفسها أثناء الكتابة، وأنا -حتمًا- لا أؤطّر الكتابة في شيء سوى أنّها أداة للصدق، اكتب ما شئت وفكّر فيها كيفما شئت، أعني هذا ما قلته لنفسي عندما أصابتني الحيرة.

اليوم، في لحظة نادرة من مراجعتي لقائمة الـ ( saved ) عندي على فيسبوك، تذكّرت عناوين وروابط لطالما رغبتُ في قرائتها لاحقًا فعلًا. ففعلتُ ذلك. ضغطت على الرابط الذي لفتني الأكثر، كان بعنوان ( The Plants That Make Refugee Camps Feel More Like Home ) أي ( النباتات التي جعلت خيم اللاجئين تبدو كالبيوت ). يا لسوئي في الترجمة! المهم، كان المقال يتضمّن صورًا من مخيّمات مختلفة ولسنين متباعدة بعضها من عام 2006!


لطالما حافظ أبي على الزرع في شقّتنا في بلاد الخليج، زرعها، وشذّبها وسقاها بكل ما أوتي من اهتمام ومحبة. أبي الذي فقد اليوم طاقته حتى للكلام عن الأشياء التي يحبّها تحت مطرقة الحياة الثقيلة، حاول حينها أن يحفظ لنا شعورنا بالبيت، هذا الأمان الذي تُوجده هذه النباتات والأوراق الخضراء الزاهية. عندما تموت زرعة، كان يصيبنا حزن غريب، أتذكّر أنّه كان يُعلنه كحالة عزاء على سفرة الغداء، وكنّا نتشارك الـ " أووه، ماتت بجد! " كأنّها فرد من عائلتنا. اليوم أفهم لمَ تتشابك الأفكار والحيوات والمشاعر التي لم نجد لها تفسير كأنّها غزل من بكرة قطن واحدة، البشر يتشاركون أكثر مما قد يتخيّل أحدهم يومًا.

“When you put a seed in the ground and it grows, you made that piece of soil a little bit yours,” أي "عندما تضع بذرة في الأرض وتنبت، فأنت تجعل هذه التربة ملكًا لك -ولو قليلًا- "*، يا لسوئي في الترجمة مجددًا! ولا أعلم لم ذكّرني هذا بما كتبته من يومين: "السعادة تتضخّم بالذكرى، والذكرى تتضخّم بالوقت "، لأن السعادة كنبتة، وأيامك تبدو كالخيم أحيانًا، أيام تشعر من خلالها أنك لاجئ فيها، ثم تزرع فيها لحظات سعادتك الصغيرة، لتجعلها -ولو قليلًا- شيئًا تملكه. تصرخ في ثنايا نفسك: نعم، أنا أملك هذه اللحظات، أملك هذه السعادة، أملك هذه الأيام، هي تُشبهني وتشبه الحياة التي تخيلتها لنفسي -ولو قليلًا-.

فاسقِ زرعك، لن يُزهر غدًا، سيُزهر بعد أيام، ربّما شهور، واسقِ سعادتك، ربما لن تُدركها اليوم، ربما لن تُدركها بعد شهور، لكنّها ستُزهر يومًا ما، وستُشعرك أنك مكانٍ في ما يُشبه بيتك.

-

* اقتباس من ذات المقال المُشار إليه في الأعلى ( The Plants That Make Refugee Camps Feel More Like Home )
-

284/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا