286: فناجين الشاي والعرق..

لمَ تجعلني القراءة لرحاب بسّام أحِنّ لنفسي؟ أو أحنّ لأسئلة لطالما راودتني لكنني نسيتها مع ما قد نُسي، والذي أعتقد أنّه كثير للغاية؟ لم تجعلني قراءتها أودّ في فتح محفظتي والتدقيق فيها، البحث عن صوري القديمة وعن رسائلي الضائعة، كأنّ تفصيلةً ما فاتتني، أو محبةً ما عبرت من خلالي ولم تخترقني، لا أعرف تحديدًا ما الذي يحدثُ لكنني أجدُ فيها سحرًا نادرًا، يصعب التعبير عنه.

كيف نشأنا على الأُرستقراطية ونحنُ أبناء الطبقة الكادحة التي تركت بلادها لبلاد أخرى لتكسب قوت يومها وترقى بعلام أولادها لمستوى يليق بما نتمنّى للمستقبل!
مُذ كُنّا صغارًا ونحنُ نلعبُ لعبة البيت، نقلب الأرائك ونموضعها في وجه بعضها، حتى تنشأ مساحة مُظللة أسفلها، نرمي ملاءة بيضاء على أطرافها وأحيانًا عندما تصدمنا الصرخات والشتائم من الطرف الآخر للمطبخ نستخدم الشراشف الكبيرة ونعيدها مكانها حتى لا ينتهي اليوم نهايةً مأساوية. 

وإذا ما لعبنا الأرائك والبيوت شربنا الشاي سويًّا في إبريقنا البلاستيكيّ وادعّينا ال " سووف" حينما نرشف الشاي الوهمي، كان ينقصنا السيجار الفاخر وإصّيصيْن من الزرع البيتيّ حتى يكتمل مشهد الوعي. لم نكن نعرفُ بعد أنها أفعال ذات دلالات في عالم الكِبار. لمَ بدأت هذه الأُرستقراطية فينا؟ ولم بحثنا عن أكواب الشاي البلاستيكية وملأناها بالماء عوضًا عن الشاي، ثم تجرّعناها بكل ثقة؟! هل لأنّ لنا نزعة ملكية في نشأتنا؟!

لماما صورة في أوائل التسعينيات، تنظرُ - وهي بفستان العُرس- للأرض باشمئزازٍ بيّن، إلّا أن التعابير -على حد قولها- مبالغ فيها " لإني مكنتش قرفانة كده" فيقول بابا ليقطع الشكّ باليقين بنبرة تثير حنقها ليتسلّى قليلًا: "لأ كنتِ قرفانة. بنت ناس طول عمرك ". على الأغلب أورثت الأرستقراطية من هذا العِرق. أمي..

-

286/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا