300: عن حمّام شتوي دافئ
كنتُ أسعى لأن أكون مُرتاحة في ملابسي كما تقول صديقتي دومًا في وصف الحزن الغير مبرر " عارفة لما تكوني مش مرتاحة في هدومك!"، هكذا فقط كنتُ أريد أن أكون مرتاحة في هدومي، لكنني لم أصل بعد. اليوم، خرجتُ من حمام ساخن كفرصة سعيدة ونادرة في الشتاء إما لانعدام الماء الساخن وإما لتأخّر قرار الإستحمام لشدّة برودة الجو!، لكنني عزمت على الأمر، درستُ بدقّة متى يعمل السخّان بشكل ممتاز، تمامًا ما بين الثانية والرابعة ظهرًا، على الأغلب تساعد حرارة الشمس في تدفئة مواسير الماء فلا يكون صقيعيًا كما يكون في الليل. أبدأُ بفتح صنبور الماء الساخن حتّى يمتلئ الحمّام بالبخار كدليل قطعي على حرارتها ثم تدريجيًا كمن يضع عين البوتجاز على حرارتها الأقل، أفتح المياه الباردة، وقبل أن ألفّ الصنبور لفّة كاملة ستكون المياه لا زالت ساخنة، لكنّني إن صبرت دقيقة على الأكثر ستفتر وتغدو حرارتها مناسبة تمامًا كما يُفضلها جلدي. رحلةٌ حقيقيةٌ باتجاه الشعور بالراحة فقط لأنني لا أستطيع رفع سماعة الهاتف على السبّاك لأخبره:" ممكن تيجي تشوفلنا السخّان".
المهم أنني لبست بيجامة ناعمة لها فرو صناعي يفي بالغرض، تفوح منّي رائحة النضافة وكريم اليدّ، وشعرتُ لأول مرّة من فترة طويلة أنني مرتاحة في ملابسي. ربّما السرّ في ملابس البيت التي تضع على كتفي يد أمّي، أو تعرض أمامي مُزحة لأبي، أو حتّى تحفّز في أنفي رائحة محشي يوم الجمعة والبطّ بالمرتة *.
سأظلّ أكتب عن البيوت، عن الفكرة نفسها التي لا تأخذ منّا -وإن أخذت- قدر ما تعطينا بهدوء ودون شوشرة. الحوائط والأرائك وصوت التلفاز، البيجامة والشبابيك وشمس الغروب، المفتاح الذي يعطيك قدرة عجائبية على تصديق أنك تملك العالم. الميدالية التي تعلقّها به فترتبط ببابك، ترتبط بعتبة روحك كل يوم، ببدء لحظة الراحة التي تحلم بها طوال اليوم. سأظل أحبّ هذه الفكّرة وأقدّسها عند كل صباح. سأظلّ أحبّ كل من يكتب عنها.
لوهلة شعرتُ برغبةٍ في أن أنقض على أحزاني، أمسك بخنجر مسنون لأغرزه في قلبها لا قلبي، ليترك لي قلبي فرصة لأن أرتاح في هدومي بقى.
-
* أكلة دمياطية، تُحشى فيها البطّة بالبصل المتبّل وتترك على النار لتستوي على نار هادئة.
-
300/365
المهم أنني لبست بيجامة ناعمة لها فرو صناعي يفي بالغرض، تفوح منّي رائحة النضافة وكريم اليدّ، وشعرتُ لأول مرّة من فترة طويلة أنني مرتاحة في ملابسي. ربّما السرّ في ملابس البيت التي تضع على كتفي يد أمّي، أو تعرض أمامي مُزحة لأبي، أو حتّى تحفّز في أنفي رائحة محشي يوم الجمعة والبطّ بالمرتة *.
سأظلّ أكتب عن البيوت، عن الفكرة نفسها التي لا تأخذ منّا -وإن أخذت- قدر ما تعطينا بهدوء ودون شوشرة. الحوائط والأرائك وصوت التلفاز، البيجامة والشبابيك وشمس الغروب، المفتاح الذي يعطيك قدرة عجائبية على تصديق أنك تملك العالم. الميدالية التي تعلقّها به فترتبط ببابك، ترتبط بعتبة روحك كل يوم، ببدء لحظة الراحة التي تحلم بها طوال اليوم. سأظل أحبّ هذه الفكّرة وأقدّسها عند كل صباح. سأظلّ أحبّ كل من يكتب عنها.
لوهلة شعرتُ برغبةٍ في أن أنقض على أحزاني، أمسك بخنجر مسنون لأغرزه في قلبها لا قلبي، ليترك لي قلبي فرصة لأن أرتاح في هدومي بقى.
-
* أكلة دمياطية، تُحشى فيها البطّة بالبصل المتبّل وتترك على النار لتستوي على نار هادئة.
-
300/365
تعليقات
إرسال تعليق