341: من نافذتي إلى الأسفلت..

رجعنا لشبّاك المطبخ. خدت الشاي بتاعي وسندته على خشب الشباك اللي بدأ يطقطق من رطوبة هوا دمياط اللي ريحته بحر طول السنة، الجو في لمسة برودة أدفى من نَفس السجاير، الشارع ساكت هوسّ إلّا من اتنين ماشيين يتسحّبوا زي اللي ماشيين على الحيط، اتنين أو تلاتة واقفين في بلكوناتهم زيّي، واحد حاطط سماعاته والتاني بيدخّن مشاعره والتالتة واقفة تتأمل، أو يعني ده اللي حسيته عشان نظري مكانش جايب. أما أنا، كنت بفكر، بفكّر، أعتقد بقيتو حافظينني، طول الوقت " أُفكَر، أتساؤل وأستفهم ثم أتعجب"، سندت كوعي وبصيت لفوق، حسيتني ببص لحد أعرفه، وبحبه، حسيتني لمست إنسان بعيد، يمكن من خيالي، معرفش. فكّرت في نفسي وقلت: " ليه بس كده؟!"، هو ده اللي طلع معايا ساعتها..

فكّيت شعري، حسيت الهوا بيعدّي بين الخصل -اللي بحاول جاهدةً- تحويلها لكيرلي، وبفكر في الكام كتاب اللي بدأتهم والفواصل بتاعتهم نسيت ريحتي منتظرة الونس، "المنخفض" و " المدينة الوحيدة"، " أعمال عماد أبو صالح الكاملة"، " المسيح يُصلب من جديد " و" كائن لا تُحتمل خفّته"، إيه كل ده؟! لأ إيه كل ده فعلًا؟!

مفيش حاجة ممكن تساوم اللحظة اللي ببلع فيها رشفة الشاي الأولى بعد يوم طويل طويل طويل في المستشفى. مفيش حاجة غير كوباية الشاي ممكن تغسل أحزاني بالشكل ده، كإنها بتستبدلني بذكريات فيها وشّ بابا وجدّي وعمّي.. كلها فيها جزء من الرجالة اللي حبيتهم في حياتي، مع إن الشاي مش مشروب عنصري يعني ولا متحددله جيندر، بس بيفكرني بتلات أشخاص بتميل كفة لاوعيي تجاههم لكفة المحبّة الغير مشروطة.. ككل حاجة الشاي بيخزن ذكرياته كإنّه شريط كاسيت..

خطوتين لورا، دفّيت دراعي بكفّي في حركة احتكاك سريعة، بصيت بصة على كل اللي كانوا مشاركينني الونس ده، لمحت أسفلت الشارع اللي مستفقد الناس زي اللي ناقصه ضلع، قفلت شبّاك المطبخ ومشيت..

-

341/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا