351: رحلة ملحمية تبدأ بـ "مبروك"
على الأغلب لن يُحدّثك أحد قبل أن تري بعينينك دم طمثك الأول. ولن تعرفي تمامًا من أين أتى ولا كيف حدث وما المفترض منك فعله للتخلّص من الألم الذي يعتصر ثدييك ورحمك ومخاوفك. ومع الوقت سيتطور الألم، وستتطور المعرفة الذاتية، ستدركين أمورًا -قد- تكون صحيحة لكن كلهّا ستتنوّع من حيث المصدر، بعضها سيكون في غرفتك وأمك تشرحه على استحياء. في اللحظة الأولى ستهرعين لها -ربّما- إن كانت علاقتكما سويّة، ستضحك وتقول مبروك، لن تفهمي سر المباركة وسرّ الإبتسامة. ستبكين ربّما، ستستحين على الأكيد، ستقولين " مامااا" بنفاذ صبر، " يعني أعمل إيه دلوقتي؟"
لم أفكّر يومًا في معاناة السجينات ولا في معاناة النساء اللواتي ينمن على الرصيف حتّى قرأت مقالًا عن الأمر -لا أتذكّر اسمه ولا حتّى مصدره-، من يأتي لهؤلاء بالفوط الصحيّة، ومن يأمّن لهم ثمن كيس واحد منها! مذاك الحين وقد تفتحت عيني على مأساة جديدة، لمّ لا تُعد الفوط الصحيّة واحدة من الأساسيات التي لا يجب أن تخلو منها أيٌّ من المساعدات الطبية!
في المناطق الريفية كانت النساء اللاتي عرفتهنّ في الحارة تستخدمن الفوط المنزلية أو قطع قماش قطنية جيدة الإمتصاص، وعلى الأغلب هذا ما كنّ يفعلنه أغلب النساء قبل أن يُعرف بما يُسمّى بالفوط الصحية المصنّعة بما يناسب الدورة الشهرية. لكنني وبعد القراءة، اكتشفت أن الوسائل اختلفت على مر السنين، فالنساء الصينيات كنّ يستخدمن "أكياس حريرية مملوءة بالرمال"* والفراعنة كعادتهم لم يتخلوا عن ورقة البردي، فكانت نساؤهم تستخدمنه بعد أن "يُنقع في الماء حتى يلين ملمسه"*، ثم أغرب ما وجدته كان هذا:
![]() |
| الحزام الصحّي.1925 المصدر |
اُستخدم الحزام الصحي في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، حيث كان يتكون من طرفين مطاطين وفوطة طبية. ما فاجئني أنّه لم يقتصر فقط على القرنين الماضيين، بل أنّ بعضًا من الجدّات حافظن على استخدامه حتى في بدايات القرن العشرين. تمامًا كما فعلت جدّتك القاطنة في قريتها البعيدة عن العاصمة، لفّت قماشة بالية بضع طبقات لتحمي نفسها من سيلان الدم كلّما وقفت لتعدّ لجدّك الغداء أو راحت لتجمع الطماطم من الأرض. في العصور الأولى، يُقال أن النساء كّن يفعلن " اللاشيء"*، فبعضهن كنّ يلزمن بيوتهنّ أما البعض الآخر كانت تسيل دماؤهنّ دون أن يفهم أحد لم يحدث هذا مع كل دورة القمر. وقبل أن تصبح الحياة أكثر تعقيدًا، كانت المرأة مقدسة لذلك!
رحلة البلوغ رحلة شاقّة، ولا تقتصر مشقّتها على الفتاة، بل يعاني الفتيان كذلك، فهذا المجتمع الذي يستحي أن يذكر لفظ " الدورة الشهرية" دونما حياء في أن يسبّ أحدًا بأمه مجتمع ذو قوانين مضطربة ومقاييس ثنائية، نشأنا فيه ومنه وعلى هواه. فلا عجب إن كانت معلوماتنا التي استقيناها منه معلومات منقوصة أو مبتورة الأطراف، ولا عجب أن يستحي الذكر في أن يسأل بكل شجاعة: "ماذا يحدث معي؟"
رحلة البلوغ رحلة شاقّة، ولا تقتصر مشقّتها على الفتاة، بل يعاني الفتيان كذلك، فهذا المجتمع الذي يستحي أن يذكر لفظ " الدورة الشهرية" دونما حياء في أن يسبّ أحدًا بأمه مجتمع ذو قوانين مضطربة ومقاييس ثنائية، نشأنا فيه ومنه وعلى هواه. فلا عجب إن كانت معلوماتنا التي استقيناها منه معلومات منقوصة أو مبتورة الأطراف، ولا عجب أن يستحي الذكر في أن يسأل بكل شجاعة: "ماذا يحدث معي؟"
لم أكن أنتوي البحث في الماضي، لكن ساقني الفضول لمعرفة الحلول التي لجأت إليها نساء العالم. ولا أعلم إن بدت هذه التدوينة منظمة، لكنني أدرك الآن، لم تكن يومًا رحلة سهلة، وستظل اللحظة الأولى التي تتآلفين فيها مع جسمك الذي تغير إلى الأبد هي لحظة ملحمية، ستكون رحلة ملحمية طويلة.
-
351/365

👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻
ردحذف