357: هكذا من اللامكان، ابتسمت..
لمَ سرت بجوار هذه الطفلة؟ ربّما لكي تتسنّى لي اللحظة التي سأنظر لها فيها ثم أبتسم.
تُربكني اللحظات التي يجتمع فيها غريبين، كأنّ شحناتٍ ما في المكان قد اضطربت، فقدت استقرارها وراحت تتخبّط في كل زاوية، تربكني اللحظات التي تحتار فيها نظرتي إلى أين تستقرّ ويتلعثم فيها لساني إلى أي مدىً يمكن له أن يبتعد وتستحي أسناني إن كان يجب عليها أن تكشف عن مفاتنها الآن أم تختبئ خلف حرجٍ مضطرب. وفجأة تحضر ألف قصة إلى رأسي، وتتلاطم الردود والجمل المناسبة وغير المناسبة، أحاول السيطرة على المعركة، يبدو عليّ ثبات خادع لكنني أرتجف، أقول ربّما لو قلت هذا الآن ستكون اللحظة مثالية، ثم أُخرس عقلي قليلًا وأصمت علّ الصمت كان هو التمهّل المطلوب، وهكذا حتّى تختفي اللحظة وبي نطفة ندم، تتكوّن جنينًا في الدقيقة التالية.
منذ ثلاثة أعوام، في قاعة انتظار إحدى المستشفيات، كنت أجلس وحدي، متلصصة من العمل حتّى لا يسألني أحد إلى أين أنتِ ذاهبة، أنتظر أن تنادي الممرضة على اسمي بهذه اللكنة الهندية اللطيفة. لطالما آرقتني كتلة في صدري، ولخلفيّتي الطبية سبب كبير في إهمالي الأمر لأنني أعرف -أحيانًا- متى يجب علي القلق. ورغم تعايشي المستمر معها، في هذه المرّة قلقت. في قاعة الإنتظار، رُحت أكتب وأكتب حتى خفّت وطأة القلق، ثمّ نادت. ثم مرّ اللقاء على خير. وبينما أخرج من غرفة الطبيبة نظرت لي الممرضة وقالت: " a beautiful smile "، هكذا من اللامكان، فابتسمت.
شعرتُ بغرابة في أن تمرّ لحظة بهذه المثالية رغم اضطراب الحدث! وبينما أنظر لهذه الفتاة الصغيرة اليوم، يُمسك لها والدها القسطرة وتتكئ هي على أمّها، وأضغط أنا على زرّ المصعد قلت: " تعالي اطلعي معايا"، شعرتُ بغرابة في أن تمرّ لحظة بكل هذه اللامثالية مع اضطراب الحدث، ربّما كان يجب علي أن أقول: " ابتسامةٌ جميلة" فحسب. تُربكني اللحظات التي يجتمع فيها غريبين.
-
357/365
تُربكني اللحظات التي يجتمع فيها غريبين، كأنّ شحناتٍ ما في المكان قد اضطربت، فقدت استقرارها وراحت تتخبّط في كل زاوية، تربكني اللحظات التي تحتار فيها نظرتي إلى أين تستقرّ ويتلعثم فيها لساني إلى أي مدىً يمكن له أن يبتعد وتستحي أسناني إن كان يجب عليها أن تكشف عن مفاتنها الآن أم تختبئ خلف حرجٍ مضطرب. وفجأة تحضر ألف قصة إلى رأسي، وتتلاطم الردود والجمل المناسبة وغير المناسبة، أحاول السيطرة على المعركة، يبدو عليّ ثبات خادع لكنني أرتجف، أقول ربّما لو قلت هذا الآن ستكون اللحظة مثالية، ثم أُخرس عقلي قليلًا وأصمت علّ الصمت كان هو التمهّل المطلوب، وهكذا حتّى تختفي اللحظة وبي نطفة ندم، تتكوّن جنينًا في الدقيقة التالية.
منذ ثلاثة أعوام، في قاعة انتظار إحدى المستشفيات، كنت أجلس وحدي، متلصصة من العمل حتّى لا يسألني أحد إلى أين أنتِ ذاهبة، أنتظر أن تنادي الممرضة على اسمي بهذه اللكنة الهندية اللطيفة. لطالما آرقتني كتلة في صدري، ولخلفيّتي الطبية سبب كبير في إهمالي الأمر لأنني أعرف -أحيانًا- متى يجب علي القلق. ورغم تعايشي المستمر معها، في هذه المرّة قلقت. في قاعة الإنتظار، رُحت أكتب وأكتب حتى خفّت وطأة القلق، ثمّ نادت. ثم مرّ اللقاء على خير. وبينما أخرج من غرفة الطبيبة نظرت لي الممرضة وقالت: " a beautiful smile "، هكذا من اللامكان، فابتسمت.
شعرتُ بغرابة في أن تمرّ لحظة بهذه المثالية رغم اضطراب الحدث! وبينما أنظر لهذه الفتاة الصغيرة اليوم، يُمسك لها والدها القسطرة وتتكئ هي على أمّها، وأضغط أنا على زرّ المصعد قلت: " تعالي اطلعي معايا"، شعرتُ بغرابة في أن تمرّ لحظة بكل هذه اللامثالية مع اضطراب الحدث، ربّما كان يجب علي أن أقول: " ابتسامةٌ جميلة" فحسب. تُربكني اللحظات التي يجتمع فيها غريبين.
-
357/365
تعليقات
إرسال تعليق