359: "صاحب بالين كدّاب": مواجهة ذاتية

ثمّة مدوّنة تنتظر في خانة المسودّات منذ أيام. أقول غدًا سأجلس أمامها بكامل تهذيبي، وأبذل جهدًا لكي تُكتب كما أريد لها أن تكون، ثم ينتهي اليوم في دقائق حتى لا أكاد ألبث أن أضيف لها سطران أو ثلاثة.

ترنّ في ذاكرتي جملة عمر طاهر: " الكتابة شغل. كون وفي ليها هتكون وفية ليك"، وأنا كالخائنة. صباحًا أكون في المستشفى، ظهرًا أكون في المطبخ ومساءً أكون أخطبوط، أقرأ وأكتب وأراسل أصدقائي وأتصفح الإنترنت بكامل مللي كأن لا مهام تنتظرني.

" صاحب بالين كدّاب" يا بابا، أعرف ذلك. ولكنني أحاول أن أتحدّى طاقتي، أن أتغذّى على الشجاعة الرمزية التي أملكها، أحاول ألا أتملّص من مسؤولياتي كأفعى تتخلى عن جلدها، أحاول، ومع حلول كل ليلة أكتشف أنني تعبت. إما أنني أصبحت أكثر هشاشة وأما أنني أخطأت تقدير ذاتي. لستُ أخطبوطًا، أنا على الأغلب سردينة مُعلّبة.


عندما تحتدم الأفكار، أغمض عيني وأتخيل أنني أدلل رجلي في بحر شديد الزُرقة، له نسيمٌ بارد وصوت مهيب، ورملة بيضاء حريرية، أتخيل السماء قريبة والنجوم تُداعب خدودي، أتخيل الأرض واسعة ليس بها سواي، دون أن أخاف الوحدة. أتخيّل أنني ألبس فستانًا حريريًا شفّافًا، بيدي إسوارة ذهبية ناعمة في أوسطها هلال صغير، وأخرى فضّية بها كلمة "نائمة"، شعري مموّج وعشوائي كنفسي أو كما آلت إليه نفسي بعد رحلة البحث عن الحياة في الحياة. عندما تحتدم الأفكار أستخدم خيالي الذي عرفته معك، فإن ذهبتَ أنت ظلّ معي خيالي.

هذا الإرتباك البيّن في أفعالي، انهزامةٌ واضحة في اتخاذ القرارات الجادّة، تردد ملحوظ في النجاة بنفسي، هو أكثر ما يجعلني أتأخر كل ليلة في الرجوع لها، كل تلك المسافات التي أمشيها بعيدًا عن نفسي كل صباح، أعود بها ليلًا، وعلى الأغلب يغشاني النعاس قبل أن أصل. فتعالَ يا أبي انظر، ربّما صدقت في قولك، ربّما أنا صاحبة بالين، وربّما ربّما أكون كاذبة كذلك.


-

359/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا