المشاركات

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

يتبع.. كانت تمرّ چولي في كل نهار على محلات البقالة والمخابز وبائعي الخضار والفاكهة تبعًا للوصفة التي ستنفذّها من كتاب چوليا تشايلد، بل وتمضي أغلب ليلها تحضّرها، تتبّلها، تتحدّث معها، ثم تتناغم معها في سيمفونية تذوّق شديدة العذوبة برفقة زوجها على مائدة العشاء. في كل ليلة كنت أنغمس في سريري، مرّة كان سريري في الإمارات، ومرة كان في الأردن، ومرة كان في مصر، ومرة كان كرسي الطائرة إيرباص،الطبقة الإقتصادية. مرّة كنتُ أغتسل بالدموع، ومرّة يغشاني الفرح حتّى تتراقص الكلمات على طرف لساني فلا تنطلق، مرّة على يخت في شاطىء العقبة، تمامًا في مقدمته والشمس أمامي، ومرّة في مقهاي المفضل في دمياط، مرّة في سيارتي مُغلّقة النوافذ تمامًا في شتاءٍ بارد لأمنع عن أذني صوت أصدقائي وضحكاتهم الصاخبة، مرّة وأنا شبه نائمة، ومرّة وأنا أجلس بكدر خلف مكتبٍ بالٍ في صيدلية بائسة تابعة لمشفى حكوميّ، مرّة كتبتُ على أريكتي أتوسط شعاع الشمس لأسدّ عليه منعطفه فيضطر أن يمر خلالي، مرة وأنا أتأمل إيمان مرسال تتحدث عن عملها، مرّة في السوبر جيت في تمام السادسة صباحًا أغالب النعاس، ومرّة وأنا أفكّر فيك كالعائدة من الأنقاض. ...

364: ليلة الوقفة..

منذ اليوم الأول، وأنا أستبعد اليوم الأخير! ورغم أنّ عامًا قد مضى بسرعة، إلّا أنّه مضى كتِرس صدىء يلفّ في قالبه آخذًا معه الدقائق على مهل لا تستسيغه نفسٌ تتحرّق على لهب العجالة وبرودة السلام. كما تعرفون، في المرة الأولى التي شاهدتُ فيها فيلم Julie and Julia أخذني انضباط چولي للحلم والحبّ، قلت في نفسي حينها: يا للهول! كيف لها أن تُلزم نفسها، -بنفسها- وهي تعلم أن لا أحد يعرف من هي وما تريد أن تفعل حقًّا، الإنتماء لأمر ما بمنتهى الإنضباط والجديّة؟ كنت أجلس في الصيدلية التي كنت أعمل فيها في ذلك الحين، وكانت تتوسط مولًا صغيرًا، وبينما أنا في لحظة هدوء عابرة أفكّر في brownies bites- قطع صغيرة من البراونيز يتقنها مقهى أمامنا، اعتراني حنين مُفاجىءٌ للفيلم، وقررتُ: عندما أعود الليلة، سأشاهده مجدّدًا. ولأنني كنت أعاني من حزن شديد وغير مبرر، وتعبٌ مضاعف للقيام بعمل لا أحبّه، غططت في نومي قبل أن أصل لنهاية الفيلم، ورغم ذلك، أكملته في وقت استراحة الغداء في اليوم التالي. هكذا ظلّت الفكرة تراودني لأشهر.. توالت الأحداث فالقراراتُ المجنونة فالحياة، وتمامًا بعد ورشة الكتابة التي أنهيتها في إبريل ا...

363: أحجية إلّا...

في ليلة الثالث والعشرين من رمضان، يصعب عليّ الحديث عن مشاعري، يقولون أن الله قد يتنّزل الليلة للسماء إن كانت ليلة القدر، وأنا بكل صدق أُصرّ يا رب على دعائي، نعم إنه هذا الدعاء الذي سمعتني أتلوه ليلة بعد ليلة، لم يكن لي دعاء واحد وحيد إلى هذا الحدّ من قبل لكنني لهذه المرّة أدعوك أنا العبد الملول، فانظر إليّ إن كنت ستكون اليوم في سمائنا حقًّا، وقُل لي: "أجبتكِ". " أحيانًا، يصعب عليّ بلع ريقي، لكنّها في حقيقة الأمر كلمات تحاول شقّ حنجرتي للخروج"*، منذ التدوينة السادسة وحتى التدوينة الثلاثمائة وثلاثة وستون وبلع ريقي يغدو عملًا شاقًا. فلتكن تلك آخر تدويناتي، لكنّها لن تكون آخر محاولات كلماتي للخروج. متى سيكون هذا اليوم الذي تتحوّل فيه أحلام اليقظة والسيناريوهات المحتدمة التي تدور في رأسي جزءًا من الواقع؟ أو -للدقّة- جزءًا ممَ سيصبح ماضيًا! إلى متى ستظل الشجاعة قطعة مفقودة من أحجيتي، إلى متى سأظل أتلوّى على ما مضى من عمري، وأتلوّع على كل ما قد كان له أن يكون لي فلا أقول له: كون لي، إلى متى ستظلّ هذه الفتاة المسالمة وجهي الذي أرى به العالم، دون أن أن أكشّر عن أنياب قطّة غا...

362: " لشو اشتقت؟"

لم أتخيّل يومًا أن تتقاطع المدوّنة مع جائحة عالمية جعلت من الثلاثة أشهر الأخيرة منها مدونة منزلية الصنع بإمتياز. وأعتقد أنني خلال الفترة الماضية لم أتحدث بشكل مباشر عن الأمر. أعتقد أنني لا أحبّ أن أتحدث عن أمور ما زالت قيد التحميل، وكأنّ الصورة لم تكتمل بعد، أو أنني غير قادرة على جمع الخطوط المبعثرة، لا أعلم. حتّى أنني عندما أفكّر في هذه الفترة الغريبة، لا أشعرُ بالغرابة حتّى. البارحة رأيت مقطعًا على إنستاجرام بعنوان " لشو اشتقت؟!"*، وكان الردّ الذي شابهني الأكثر: " صراحة.. ولا إشي". أريدُ أن أحكي لأولادي -ده لو كان فيها أولاد يعني- ماذا عايشنا؛ ولا أعنِ بذلك صعوبة الحياة أو وحدتها، لكنني سأحكي عن هؤلاء الذين كلما رفعنا رؤوسنا للتنفّس قليلًا أغرقونا في شبر ماية. عن هؤلاء الذّين لم تُجبرهم أعمالهم على النزول ولم تُجبرهم عائلاتهم على زيارة السوبرماركت أو شراء الخضار، لكنّهم قرروا "إنّه كفاية كده، إحنا زهقنا". عن هؤلاء في كل عصر وزمن، الذّين لم يقدروا على ضبط رغباتهم ليستمرّ الجميع في جحيم أبديّ! هذا ليس تنظيرًا، ولا اتهامًا، لكنّه رجاءٌ حقيقيّ، بأن تتوقفوا ع...

361: هرتلات ليلية بامتياز..

أحبّ أن تكون الكتابة انعكاسة سمائي على مرآة جانبية لسيارة، لكنني إلى الآن أتقن معاملتها كورقة منزوعة من كتاب مدرسي لملىء الفول المملح واللب السوري. في نومي المتأخر كالعادة، أفكّر فيمَ بعد المدوّنة؟ أعني، ليس سهلًا أن تتوقف عن القيام بشيء اعتدته لمدة عام. فماذا بعد؟! أخاف أنا أخسر الشعور المُصرّ عليّ بالكتابة. وأخاف أن يعتريني التكاسل والتثاقل على الحرف حتّى أُهجر كحديقة باردة. قبل أن أكتب ما قرأتم كنت أفكّر في كتابة أخرى، شيء يمكن له التعبير عنّي من خلالي، كتابة تشبه تلك التي تحتاج شجاعة قصوى للتحلّي بها، ها أنا أعود إلى غموضي المعتاد، تترجّاني أمي للتخلي عن بعضه، أقول لها دون مبالغة: " بجد مش عارفة". أحبّ دائمًا أن أُفصح عن الأمور بعد أن ينتهي معادها، فقط كي لا تُلاطمني أفكار ومخاوف حول فقدانها، وأحبّ دائمًا أن أكتب بعد أن ينتهي وقت الشعور، فيظهر العقل على خشبة المسرح. هل أريد أن أغيّر ذلك؟ أحيانًا.. " بجد مش عارفة". في العمل، يكون الجميع مستيقظين سواي، ورغم أنني أرى بالبصيرة الناجية من التجارب القاسية سببًا للهروب في النوم، إلا أنني أستغرب طاقاتهم المتّقد...

360: على مرّ السطور..

 " فصل الطالبان في موقعة الحضن "، قرأتْه في أحد العناوين المنشورة على صفحة ما في الفيسبوك. اغتاظت فتجاوزت الخبر. " أحبك منذ الأبد، وتحبني منذ الأبد، لكننا لن نلتقيَ، للأبد. " دوّنتها في دفتر صغير بقلم أزرق جافّ، دوّنت التاريخ، ثم لفّت المطاط على الغلاف، وتركته في حقيبة يدها. " اللي بيفهم بيريّح " قرأتها على ظهر ميكروباص مرّ لتوّه أمام بوابة الجامعة. رنّ هاتفها، بحثت لوهلة عن مصدر الصوت في حقيبتها المتعبة، نظرت في شاشة الهاتف، " 020 "، لم ترد؛ لأنها إن أغلقت الإتصال سيعاودون الإتصال بها، وإن استمرّ في الرنّ ربّما تجلس على هذا الرصيف لتنهار في بكاء هيستيري. " سباك: 01000105236 " وجَدَتها للمرّة الأولى على امتداد سلّم الدور الثاني، واستغربت كيف لها -وبعد هذي السنين- ألّا تلاحظ خطًّا سيئًا كهذا! " أحبّك منذ الأبد، وتحبّني منذ الأبد، لكننا مع الأبد، لا نلتقِ ". بدّلت ترتيب الكلمات وغيّرت بعض الحروف. لا تشعر بالرضا ما زالت. " كائنٌ لا تُحتمل خفّته "  نظر إليها من مكتبتها المُضحكة التي صَنَعتها بنفسها على ال...

359: "صاحب بالين كدّاب": مواجهة ذاتية

ثمّة مدوّنة تنتظر في خانة المسودّات منذ أيام. أقول غدًا سأجلس أمامها بكامل تهذيبي، وأبذل جهدًا لكي تُكتب كما أريد لها أن تكون، ثم ينتهي اليوم في دقائق حتى لا أكاد ألبث أن أضيف لها سطران أو ثلاثة. ترنّ في ذاكرتي جملة عمر طاهر: " الكتابة شغل. كون وفي ليها هتكون وفية ليك"، وأنا كالخائنة. صباحًا أكون في المستشفى، ظهرًا أكون في المطبخ ومساءً أكون أخطبوط، أقرأ وأكتب وأراسل أصدقائي وأتصفح الإنترنت بكامل مللي كأن لا مهام تنتظرني. " صاحب بالين كدّاب" يا بابا، أعرف ذلك. ولكنني أحاول أن أتحدّى طاقتي، أن أتغذّى على الشجاعة الرمزية التي أملكها، أحاول ألا أتملّص من مسؤولياتي كأفعى تتخلى عن جلدها، أحاول، ومع حلول كل ليلة أكتشف أنني تعبت. إما أنني أصبحت أكثر هشاشة وأما أنني أخطأت تقدير ذاتي. لستُ أخطبوطًا، أنا على الأغلب سردينة مُعلّبة. عندما تحتدم الأفكار، أغمض عيني وأتخيل أنني أدلل رجلي في بحر شديد الزُرقة، له نسيمٌ بارد وصوت مهيب، ورملة بيضاء حريرية، أتخيل السماء قريبة والنجوم تُداعب خدودي، أتخيل الأرض واسعة ليس بها سواي، دون أن أخاف الوحدة. أتخيّل أنني ألبس فستانًا حريريًا ش...