المشاركات

عرض المشاركات من مايو, 2019

28: حكاية: صبّاراتي الصغيرات

صورة
صبّارتي المزهرة في يومها الأول متى يجب عليكَ التوقف؟ إنّ هذا السؤال لا يقلّ صعوبةً عن أين ومتى وكيف يمكنك البدء. منذ ثلاثة شهور، اشتريتُ صبّارتين من سوق الجمعة في خورفكان، ولمن لا يعرفون خورفكان فهي مدينة جبلية في  الشمال الشرقيّ لدولة الإمارات، ويتميّز سوق الجمعة بشعبّيته وجمال موقعه الذي يتوسط مشهداً مهيباً من الجبال والشمس الحارقة في الصيف الطيّبة جداً ف الشتاء، وفي هذا المكان أجد جزءاً من روحي التائهة، تخيّل معي سوق على امتداد ثلاثة كيلومترات تقريباً أو أكثر بقليل، على طول جانبيه محلّات تبيع السجاد، فواكه تأخذ الأنظار من زهوّ لونها، مانجا تسمّى الـ -هامبا - عليها توابل حارّة تتلذذ بها حتى آخر قطعة فيها، مفروشات وأدوات للمنزل، نباتاتٌ منزلية وزرعات للديكور، محلّات تبيع الطعام الشعبيّ، لقيمات وهريس وبلالبيط، أحبّ هذا المكان. عندما توقّفت أمام الصبارتين هاتين، قلت في نفسي: تشبهانني. فاشتريتهما، وأردتُ أن أغدق محبّتي عليهما يوميّاً، فسألت البائع:  - متى أسقيهم ؟  فردّ: -- اسقيهم كل عشرة أيام. وددت لصاحب المشتل هذا أن يحيا في عقلي، فيخبرني متى أسق...

27: ليسَ كل رهانٍ خاسر

ماذا تعرف عزيزي القارىء عن التراكمات؟ نعم تلك التي تتكدسّ في القلب، فتسدّ شرايين اللهفة وتنشّط سموم اللوعة وتسبب ضموراً حاداً في الحبّ؟ هل مررت بتجربة حبٍّ بدأت بمشاعر ناريّة ولهفةٍ دائمة وانتهت نهاية مأساوية حتى كدت لا تحتمل كلمة " ازيك " من شخصك المفضل وحبيبك المكمّل؟! إن لم تمرّ بها فهنيئاً لك، أو كن مستعداً فأنتَ على وشك المرور بواحدة. لستُ أعلم تماماً سرّ تدوينة اليوم، وأخشى أن أبدو ككاهنة في العلاقات ومتأملة في أسرارِ حيثيّات الرجل والمرأة! أنا في الحقيقة لست حتى شيئاً قريباً لهذا، أنا أبعد ما يكون عن الإرشاد والنصح، إنما أنا شخص يدور الدنيا بقلب موارب، وأستقبل منها أغلب ما تجود به، صداقات، صداقات تتخفى تحت الحبّ، حبّ، حبّ يتخفى تحته خواء، بعد، فقد، بعد بلا فقد، بعدٌ وحبّ لا يموت، حتى الأشياء الغريبة التي لا مسمّى لها، هي لا حبّ ولا صداقة ولا شيء أكثر من صدفة في الشارع أو في المترو أو في بلكونة البيت. أعني، ماذا يمكن أن يحدث؟ لا تقتلك العلاقات إنما يقتلك التعلّق.  أخبرني أبي ذات مرة من المرات الذي أخذَنا فيها نقاش صادق: " الخناق عادي، بيجي وبيروح، بيتكرر كت...

26: "اللص والكلاب" وبعض الأحلام..

أرتاح لتلك اللحظات التي أجلس فيها خالية الوفاض تماماً أمام شاشة الحاسوب، أفكر وأفكّر فيما سأكتب، فلا أجد شيئاً، خالية تماماً، لأن ذلك يعني أمراً واحداً، أن يومي كان هادئاً وفارغاً وعقلي كذلك. لحظاتٌ كتلك معدودة الزيارات كالسنة الكبيسة. https://www.youtube.com/watch?v=D4zTS5aVN4g&t=2421s ولأنني حريصة على أن تعيش معي، أحبّ أن أبعث لك بالحالة كما هي لا تغييرٌ فيها ولا إضافات؛ فأنا أكتب الآن، أسمع الستّ أم كلثوم وهي تقول " زرعت في ظلّ ودادي غصن الأمل وإنتَ رويته ، وكل شيء في الدنيا دي وافق هواك أنا حبيته "، فإن أردت للحالة هذه أن تصبح حالتك، استمع معي واستمتع بالستّ. المهم،  بدأت بقراءة " اللص والكلاب " لنجيب محفوظ، وقد أوشكت على الإنتهاء منها، وفي نحيب محفوظ متعة غير اعتيادية، إنّه مُشبع بالعربيّة، وهي حبيبته الأولى. وكوني مسافرة الآن على رحلة المتعة اللا إعتيادية لنجيب محفوظ، أخذني مقطع في الرواية: " مسح الشيخ على لحيته وقال: - أنتَ تعيس جداً يا بنيّ ! فتساءَل في قلق: - لمه ؟ - نمتَ نوماً طويلاً ولكنّك لا تعرف الرّاحة ، كطفل ملقى تحت نار الشمس، و...

25: مابين حرفٍ وصوتْ

كيف للمراسلة - أو ما يسمى بالـ texting- أن تسافر بك حول العالم في بضع كلمات، ثمّ إذا اختفت تركتك وحيداً أمام ملجىء مشاعرك اليتيمة! لم أكُن من محبي المراسلة -رغم أن الكلمات مساحتي الآمنة- إلا أنني بتّ أفضلها مؤخراً. تمّكنك الحروف من العودة لها كأنّها أصبحت ميثاقك الآمن وجزء من كتاب تاريخك الشخصي، بينما المقابلات والمحادثات الصوتية تختفي في اللحظة التي تزيل فيها سماعاتك أو تُنزل فيها تليفونك المحمول لتغلق الخطّ. عندما أفكّر في كل المرات التي تحادثت فيها مع من أحبهم، مهما بلغ طول المحادثة، فإنّ المحبّة لها صوتٌ مميز، صوت لا يشبه الشخص الذي تهاتفه لكنها منه، صوتٌ يمكنك أن تعرف من خلاله ما الحزن وما القلق وما الحب الخفيّ. لكن العودة إليه مستحيلة، إلا لو كنت مهووساً كفاية بتسجيل كل محادَثاتك الهاتفية مثلاً! أما عن المثيرة للجدل: المراسلات، ففي الأمر لعنةٌ قدر النعمة، فإن تمكّنت يوماً الهروب من حبّ قديم، فإن العهد بينكم سيظلّ يلاحقكم ما بقيتم، أو ما دمتم هُزمتهم من محاولاتكم للتخلّص منه. عهدٌ يذكّركم بتلك الليالي الساذجة والأحلام المراهقة. في الأصواتِ أيضاً عهود، لكنّها تُنسى. ...

24: وجهٌ آخر للعزلة

ارتبط النضج عندي بالعزلة، وكلما شاهدتُ الوجوه تلمع وسمعت الضحكات تعلو، جزءٌ ما في أعماقي يهمس لي: " لسا عيال وقلبهم أخضر". وتحتمل هذه السريرة وجهان، إما أن أغبطهم على قلوبهم التي لم تينع ما زالت، أو أحزن لهم لأنّ لهم من الطفولة ما لم يصدمهم بعد بمشاهدة الواقع. و لأن " المدرك لا يعود" ففي " المعيْلة " ما لا يشبه الإدراك تماماً، وطالما لم يدقّ الإدراك مسامير تخييمه في كيانك، فبإمكانك العودة من حيث بدأت والإستمتاع والضحك حتى يختفي صوتك مع اختفاء الليل. مثلاً أنا، عندما كنت أصغر ببضع سنين، تقريباً في الثامنة عشر أو التاسعة عشر، كنت أستاء تماماً كلما رأيتُ أحداً يتناول العشاء بمفرده، أو يمشي وحيداً لا رفيق له سوى سمّاعات أذنه، أو لا يهتم بمن دخل معه المعمل هذا أو الكورس ذاك، أو يذاكر وحيداً في مكتبة الكلية، كنت أستاءُ كثيراً وأشعر أن لا أحد لهم ولا ونيس، وبتّ أراقبهم كلما قابلتهم في الشارع أو في الأماكن العامة، وأقول في نفسي : يا حرام. ليس من باب الشفقة المزعجة وإنما من باب إيماني التام بأنها معاناة حقيقية لا أكثر. أتذكر أنني تساءلت مرة في تغريدة: ...

23: مجردُ خيالٍ آخر: بريدٌ مُفاجىء

>> يتبع رائحة الڤانيليا تتغلغل في جنبات الغرفة حتى تشعر أنك عالق في قالب كيك ساخن. أحبّ هذه الرائحة، تسبب لي أحيانا تهيّجاً في جيوبي الأنفية لكنّها مفضّلتي. في غرفتي ألبس فستاناً ناعماً وأفرد شعري، ولا أعبؤ بأحد. " أسما" صوت من بعيد نادى، إنّه صوت آية: " في رسالة وصلتك في البريد " ولأن البريد هو الشيء الذي لاطالما أردت ألا ينقطع بيني وبين الماضي، داومتُ على مراسلة الجميع خلاله. لكن من يراسلني ولا تعرفه آية! ارتبت. من أمام مكتبتي، صرخت: " من مين؟ " لم تردّ " من مين يا آية؟!" " تعالي شوفي" إذاً هو ليس شخصاً لا تعرفه آية، وإنما تعرفه جيداً للحدّ الذي يمنعها من قول اسمه أمامي بكل سلاسة كأنها تقول اسمّ البوّاب. ذهبت باتجاه الباب الأزرق خاصتنا لأجد كل  المغلفات والرسائل مصطفين فوق بعضهم بشكل عشوائي، ورسالتي على يمينهم. تخرج آية من غرفتها: " هو مش كان اختفى؟ " أفقد تركيزي للحظة، إن الإسم المكتوب على هذا الظرف ثقيلٌ جداً بثقل مطرقة تدقّ اسمه في قلبي ولا تتوقف ابداً. ثابتٌ كرشم الصليب، فما نفع الرسائل المُرسلة إ...

22: مجردُ خيال آخر : غرفتي السريّة

ما زلت أبحث عن الفرصة التي ستتيح لي أن أنشئ غرفتي كمساحة تشبهني تماماً. كنت أحلم أنا وصديقتي البارحة، أحلام يقظة مشروعة، نتخيّل فيها ما يمكن أن تكون غرفتانا عليه، ولأنني أحبّ الشبابيك الطويلة التي تشبه تلك التي في الأسكندرية، رحت أتخيل غرفتي بشبابيك زجاجية بطول الحائط، يغزو المشهد أمامي اللون الأخضر الزاهي المدمج بالداكن، سأحبّ أن تتوسطهم بحيرة ساكنة، وأصواتٌ بعيدةٌ تشبه صوت الحياة، زقزقةٌ كانت أو خرير ماء، لا يهم! الغرفة معشّقة بالكتب المرصوصة على أرفف المكتبة التي تغطي لون الحيطان حتى كده أن أنسى دهانها أصلاً، ستكون إضاءَتها صفراء ودافئة، على الحائط لوحٌ لأصدقائي الفنانين المشهورين جداً، هناك لوحةٌ لآية هنا، ولوحة لحسام هناك، وهذه لوحة لفنانةٍ لا أعرفها اسمها رنا حمدان." الغربة " هذا اسم اللوحة؛ رجل برموش طويلة وبديعة، يقضم من جسده غراب أسود، ألوانها نارية وصادقة. في درج مكتبي أحتفظ بالكثير من تذاكر القطارات والطائرات والباصات والمترو، هناك تذكرة صغيرة اختفت أغلب تفاصيلها، تذكرة ترام الاسكندرية، أقرر أن أعلقها وسط لوحة مكتظّة بأشياء لا ترتبط بشكل مباشر لكنّها ترتبط ف...

21: جيناتٌ هجينة: جناحاتُ الهجرة

جيناتي مهجّنةٌ بجينات طير مهاجر، لا تفسير سوى ذلك! فلم أعد أرتاح لأرض واحدة، ولم تعد تكفيني أرض واحدة، ولم تعد في السماء بقعة لا تشتاقها جناحاتي. إن لم أكن من مواليد برج الميزان لانتشلني برج الجوزاء من محاولاتي اليائسة لتفسير أفعالي المتضاربة وربّت على كتفي وقال بصوت صلاح عبدالله : " ده انتَ ابني يا ابني ". إليكم لمحة بسيطة عن هراءاتي: أريد أن أعود لبلد أكمل فيه ما تبقّى من حياتي، لا انكبابٌ مفرطٌ على المال ولا جفافٌ مقحف من ندى العلاقات.  فأعود ثمّ أفكّر: أريد أن أسافر لأرى، فأعلم وأتعلّم، ستسندني بعض القروش، ويُفتحُ بعدها ألف باب.  فأسافر  ثم أبكي في يومي الثاني، لا لا لا، لا يمكنني تحمّل هذه الحياة الجامدة، الحياة في قالب ثلج أكثر دفئاً، ثم إنّ المال لا يكفيني على كل الأحوال و " كده كده خربانة ". فأعود ثم يخبرني أحدهم أنه يحبّني فأظنّ أن للحياة رأي آخر، أنّ الحياة ستهدأُ عن " الفرك " وأنّ القرارات ستنقسم على قلبين فتغدو أكثر خفّة وأشدّ حسماً، لكن لم تزدَد القرارات إلا تعقيداً، ولم يغدُ القلبين مثنّى فكل مفردِ بمفرده. فأسافر سأكمل تعليمي، ...

20: أولّ عالم افتراضي: الذكريات

بمناسبة الموجة الحارة التي كان ومازال سكّان القاهرة هم ضحاياها الأكثر مأساوية، تذكّرت يومين في الصيف الماضي . أتعلم هذه المرحلة التي تصل فيها الذكريات للحد الذي تنشط فيه حواسك جميعها، الشمّ واللمس والتذوّق! وتعيشها كأنك حبيس واقع ما ، أنتّ تعيش كل تفاصيل هذه الذكرى، كل ما رأيته وكل ما كان لك سيعود لك ثانيةً، بينما أنتَ جليس غرفة المعيشة، تداعب وجهك نفحات الهواء الكاذبة القادمة من المروحة. أملك من تلك الذكريات عدداً بسيطاً " بس يمشّي حاله" وحالي، ولأنني رغبت في السفر بعيداً عن مدينتنا، كنا نخطط لزيارة دهب أنا والأصدقاء، ثم طرأ على الأمر تفاصيل لا تريدون الخوض فيها، المهم، لا دهب " ولا يحزنون ". أين سنذهب؟! حفلات القلعة بدأت في القاهرة، غالية بن علي وعلي الحجار ومدحت صالح، جميل، سنذهب إلى القاهرة ، يومان؟ وقد يزيدون، لم يزيدوا. أين سنبيت؟ عند صديقتنا مريم، إذاَ، حقيبتك على ظهرك وتذكرة السوبر جيت في يدك، وهيا بنا. ذهبنا محبطين، لا توقعات، كنا نحاول الهروب بأجسادنا على الأقل طالما لن نستطيع الهروب بأرواحنا لمكان بعيد تماماً عن المدن بناسها وضوضائ...

19: عضوٌ وهمي: القلب

أعظم ما في القلب أنّه حامل أسرارك الأكثر سوداوية حيث يمكنك أن تأمنه عليها بلا استثناء وتعلم رغم ذلك أنه لن يشي بك أمام أحد، لن يخونك، ولن يتعلثم إن حكّمته للدفاع عنك. أيدولوجية التفكير في القلب كعضو ثم في كينونته كبئر لكل ما أمطر على حياتك يوماً، هو أمر يصيب العقل أحياناً بالجنون! لمَ يرتبط القلب -الذي يضخّ الدم ويستقبله- فلا تكوّنه المشاعر ولا يُطبع على جدرانه أسماء أو تفاصيل من نحب وما نحب، بمشاعر غير ملموسة البتة! الأمر يشبه غرفة، أربعة حيطان، من طوبٍ وإسمنت، باب، مقبض حديديّ، أرضيّة وسقف، صورٌ معلقة هنا وهناك، بعضهم ذقت معهم لوعة الخسارة الغير عادلة وبعضهم ذبت فيهم عشقاً وقليلٌ بادلوك العشق، شرائطٌ سوداء، كتب وأفلام والكثير من الحكايا المتكدسة فوق بعضها، مشاهد متحركة وجرامافون يعزفُ موسيقى متداخلة. إنّها غرفة متكاملة، لكن بشكل غرائبيّ ليست الغرفة غرفةً، كأن لم تُوجد يوماً، عندما تمسك مقبض الباب لا تُمسك شيئاً بيد أنك تمسكه، الباب اللامرئيّ يُفتح، إطارات الصور معلقة وغير معلقة، إنها الفراغ المُطلق وإنّها في المطلقِ كل شيء، فلا يمكنك أن تثبت حقيقة وجودها ولا في إنكارها أمر يحت...

18: " إنتَ ورزقك ": أشهى فطور في حياتي

صورة
في الثامن والعشرين من فبراير لهذا العام، كنت في طريقي من مطار برج العرب لبيتنا الصغير الدافىء في دمياط الجديدة. ولكل من زار هذا المطار يعرف تماماً معنى أن تكون هناك في فبراير: سقيع. ولحسن الحظّ -لأنني أحب الشتاء حباً عملياً ولامنطقياً وأراه من أكثر الفصول دفئاً- كان الطريق عبارة عن زعابيب هوائية وطلقات من البرد المباغت لجسدٍ اعتاد على درجة حرارة الخليج. لا بأس في كل هذا،كان في الأمر متعة جميلة، لكن الحكاية الممتعة لم تبدأ بعد. لأنني وصلتُ مبكراَ، وكان خالي العزيز في انتظاري، لم يفطر كلانا، دعونا نتفق أن الطعام المقدم في الطائرة دائماً ما يشبه أكل المطاعم الأوروبية، كمياتُه استكشافية، لكن طعمه حتماً لا يشبهه كثيراً، لأنه أكثر ردائة. ولأكون أكثر دقّة، كان في القلب لهفة للفول والطعمية والجبنة البلدي، رغم أنني لم أتوقف عن تناولهم يوماً، لكنّه الشوق يا أعزائي " وآه من الشوق ". لذا توقفنا على جانب الطريق، هناك امرأة يحبّ خالي أن يأكل من يدها كلمّا كان في طريقه عائداً من برج العرب. أما أنا، فكان لي رأي آخر، كانت تسبقها سيدة مع زوجها، أو هكذا اعتقدت، يخبز العيش ال...

17: مهارةٌ يومية: عندما يصبح التكرارُ أمراً جميلاً

كنت في ورشة مع أستاذ عمر طاهر قبل بضعة أسابيع، وطلب من كل واحد منّا أن يكتب سيرة ذاتية أدبيةً عن نفسه، فدار في خاطري: " حلّقي يا فتاة! لا أسوار تمنعكِ." تذكّرتُ هذا البارحة وأنا أشاهد فيلمي المفضلّ مجدداً لليلة الثانية على التوالي. لا ملل، كأنني أصاب بفقدانٍ في الذاكرة بينما ليس في الأمر فقداناً لشيء سوى التحكم في تيرمومتر عدد مرات المشاهدة! " المهارات: ٤. أستطيع مشاهدة الفيلم ذاته أكثر من مرة: وأن أستمتع به كأنّها مرّتي الأولى " هذا ما كتبته في سيرتي الذاتية كواحدة من مهاراتي الخمسة. ولم أظنّ أن هذه المهارة حقيقية حتى شاهدتُ بعض الأفلام قرابة العشر مرّات، أعلم النهاية جيداً، بل أحفظها عن ظهر قلب، لكنّها ما زالت تُبكيني في فيلم a walk to remember، أو تثُير في نفسي القشعريرة، تلك القشعريرة التي تشبُه وصولك لسرّ الحياة، تماماً كما في فيلم about time، أو تُمنّي النفس بنهاية سعيدة لقصتّك التي تتعثر معك عبر السنين كـ love, Rosie. ماذا عن فيلمي المفضّل على الإطلاق؟ ششش، هو سرّي الضئيل الذي أدركت من خلاله أن المتعة ليست بالضرورة في نهاية الفيلم وإنما في الرحلة نفسه...

16: ضرورةٌ وأسطورة: ما بين الميم والتاء

وجدتُ في الحياة أمراً ساخراً للغاية، بيد أن الجميع قد نودوا للركض خلف  السعادة،وأنّ الحياة تُعاش بأكملها إن كنت مشرقاً مقبلاً عليها كالمحموم، إلا أنّهم لم يدركوا الفرق بين " العيش " و" التعايش" إلا عندما فقدوا حبيباً لم تدور الدنيا بعده مع عقارب الساعة، ولا عكسها، لم تعد تتحرك الساعة أصلاً. أنظر لوجوه من حولي، يضحكون ملىء قلوبهم، لكنهم لا يضحكون، ليس كما كانوا صغاراً على الأقل، " أنا عايش " هو خطّ رفيع تخطّه الطفولة ويشوّهه التقدم في العمر، يضيف إليه حرفين لتتغير اللعبة بأكملها: ميم وتاء. " أنا متعايش". وليس بالضرورة في التعايش نكرانٌ للعيش وراحة البال، لكنّ فيه من المحاولات والبذل ما يجعله عصيّاً على الإنسياب والإنفلات ببساطة من الأيام. وأرتبك كثيراً كلما شاهدتُ فيلما أجنبياً أو قرأت قصة هنا أو هناك من عالم الغرب، تُظهر سرعة تجاوز الآلام والفقد، فأستغرب هل بإمكان الأفراد هناك التجاوز سريعاً، أم أن في العربِ نزعة تميل إلى الكآبة والوقوع ضحايا الذكريات! ماما مثلاً ليست سوى واحدة من العرب الذين يميلون بكل جوارحهم للذكريات، تتكىء أمي على سيرة...

15: نصّ جديد: سبيلكَ لقمة إيفرست

أحياناً، تصيبني الغيرة، لا لا، الغبطة، والسعادة كذلك، مشاعرٌ تشبه تلك التي يشعر بها من يصلون قمّة إيفرست، " أيوه هو ده ! " عندما أقرؤ نصّاً عجزت عن التعبير عنه كما عبّر عنه كاتبه، وأصعبُ تلك النصوص التي تناقش مشاعراً يومية، دقيقة، ضبابية واعتيادية ومُعادة حتى تظنّ أن لا بداية لها يمكنك البدء منها ولا نهاية لها يمكنك التوقف عندها ، أمورٌ ليس لها وصف، أو هكذا تظنّ حتى يصفها كاتبها. إلى أن قابلت النصّ التالي لرشا عمران، لم أعرفها، عرفتها عن طريق مروة الإتربي التي شاركت هذا النصّ البديع على صفحتها الشخصية على الفيسبوك، وبدون الخوض في حديثٍ كثير قد يرهق من النصّ جماليته، سأترككم معه : " الوحشة تعوي كما الذئب في أحشائي ، الوحدة أيضًا والحنين، احتجت أن اسمع صوتك لأشعر بالأمان ، لكنك كعادتك لم أجدك، وكعادتي كنت أحبك وأنا أوقن أنك نشيجي المتواصل فل ا أجرؤ على نسيانك، أحبك، كمن لا تعرف سوى ذلك، وصرت من فرط ما  أنت قريب أسترجع ملامحك فلا أراك إلا كاملًا ،كأنك دونت إلى حد أنك مشهد كل لحظة فأحفظك دون جهد استحضارك ، وأقول كم أنت حاضر لأرتجف من غفلة المعنى، وأقول ما أشد الغياب...

14: أسئلة تحتمل إجابتين: فطرة الأمومة

أعتقد أن فطرة الأمومة عندي مفعّلة ونشطة بشكلٍ بذخ! رغم أنني لم أرزق بأطفال، إلا أن حاسة الأمومة تحرّك الكثير من أفعالي، أو هكذا أظنّ. وقد يكون هذا نصيبي منها فحسب؛ إحساسٌ فطريّ موجّه للجميع على حدٍ سواء، لا هو نابع من امتلاك المسبّب ولا يمكن السيطرة عليه بالإدراك. أخبرتني أختي يوماً بعد أن جالست ابنها لبضع ساعات: " عندك صبر ع الأطفال" تفاجئتْ! أنا التي لا أملك الصبر حتى على نفسي. من أين لي بهذا الصبر يا أختي؟!  لي معارفٌ وأصدقاء، يكبرونني في العمر ويصغرونني، ينادونني بلقب: ماما أسما. دعوني أمارس بعضاً من صراحتي، يبدو هذا اللقبُ بغيضاً في أحيانٍ كثيرة عندما يتفوّه به الكبار. ولستُ أعلم سرّ بغاضته، هل لأنه لا يمّت للواقعية ببنت شفة! أم لأنه واقعيّ وأنا المغيّبة؟ أم لأنني أخشى أن أؤخذ مأخذ الضمانة الأبدية، تماماً كالأمهات؟ يمكنني القول بكل ثقة أن الجميع تقريباً وقعوا ضحايا فخّ واحد: " لو ماما رجعت، هجيبلها الدنيا كلها وهشكرها على كل كوباية عصير كانت بتدخلهالي وأنا بذاكر، على كل مرة وقفت فيها تغسل المواعين وهي تعبانة، على كل مرة تعبت فيها ومقالتش ...

13: فراشةٌ صفراء لا تحبّ الزهور

صورة
رأيت هذه الصورة اليوم، فدقّ لها قلبي. ما حكايتها؟ إن لم تكن صادفتها خلال تصفحك للسوشيال ميديا اليوم، سأحكي لك حكايتها بشكل سريع: " هذا الشخص صاحب التيشرت الرمادي يقول أن أمه كانت تخبره دائماً أنّها ستتحول لفراشةٍ صفراء عندما تموت. يقول أنّها المرة الأولى التي تقترب منه فراشةً صفراء إلى هذا الحدّ. " إنّها المرة الأولى التي تقتربُ منه أمه إلى هذا الحدّ. ولأنّ عالم الأرواح عالمٌ واسع وغامض ومثير , ويدقّ على أوتار قناعاتٍ ومشاعر أملكها، أشعر أن تلك القصّة لطيفةً وصادقة وإن تعامل معها البعض على أنها ضربٌ من خرافات ساذجة. في عائلتي سيدةٌ أحبّها، هي حماةُ أختي، لا طالما كررَتْ قصةً جميلة، تؤمن تماماً بها، حتى كدت أن أؤمن بها كذلك، كان هذا قبل سنوات من تلك الصورة التي ترونها الآن. زوجها مات منذ عشر سنوات تقريباً، وكلما خطر ببالها، أو استفقدته في موقفٍ ما، كعرس ابنه مثلاً، أو موت والدته، أو وهيتدعو له بقرب قبره، ظهرت لها فراشة بنيّة من اللامكان، وظلّت ترفرف حولها. هناك روحٌ تحوم في المكان كحارس، تشاركهم السعادة والدفء والحزن على حد سواء، كأنّ هذه الروح لم تغادرهم يوماً. ...

12: حلولٌ مدروسة: زرعٌ لا يموت

أفكّر.. ماذا سأكتب في يومي الثاني عشر.. أفكّر.. يدور في ذاكرتي مشهدين، فيما يبدو أن ارتباطهما كان تقادمياً، وكان خفيّاً، تشكّلت بينهم العلاقة خلال النصّ، وأطنّ أنني سأشارككم المشهدين كما هما: أولهما: كنت في طريقي لبيت جدتي، قبل الإفطار بساعة تقريباً، وبطول الطريق كان الزرع يمدّ أطرافه، النخل والنجيلة والفدادين الخضراء. أحب أن أشاهد كل هذا يندمج بقلب السماء، الشمس تغازل الأرض قبل أن تُلقي بنفسها في أحضانها الواسعة. لمَ في خضمّ كل هذا يخطر ببالي تساؤل غريب: لمَ ماتت كل زرعة وضعتها في غرفتي؟ أتذكر أنني قرأتُ في مكان ما، أن الزرع والأشجار الصغيرة والزهور تسحب من بيتك الطاقات السلبية وتستبدلك بطاقات ضخمة وواسعة؛ طاقة الطبيعة. لمَ ماتت كل زرعاتي إذاً؟ أتوقع أنني أنا من قتلتها. لم تستطع المقاومة أكثر! أرادت أن تهديني ما هو أجمل وأبعد من مجرد لون أخضر زاهي، وأنا أهديتها سمّاً قاتلاً! طاقات سلبية بكميّاتٍ يصعب عليها التخلص منها واستبدالها بأي طاقة، وأي شيء، إن شالله استبدالها بشوية لبان! ثانيهما: وصلت لبيت جدتي، تناولنا الإفطار سوياً وتذكّرت - أخيراً- رغبتي الشديدة في الحصول على ص...

11: مصلٌ جديد: حساسيّة الجناحات

أنا أفهم جيداً لم تتعامل فتيات جيلي مع الزواج على أنه انتصارٌ شخصيٌّ لها في معركتها ضدّ العنوسة ونميمة بنات العم والخالة. ولذلك لا تحتاج أي فتاة عربية أعرفها أو لا أعرفها أن أشرح لها الجملة السابقة، لأنها على الأغلب واحدة من اثنتين: إما هي شخصياً واحدةٌ منهنّ وقد فازت في عرف المجتمع، وإمّا ليست واحدة منهنّ لأنّها تحارب وحدها على الضفّة الأخرى. حربٌ لا أعلم تماماً متى نشأت وكيف نشأت، لكنّها لا شكّ حربٌ باردةٌ، تغلى في باطن أرض هذا الجيل وأجيال أخرى قبله، وعلى أقرب تقدير ستظلّ لأجيال أخرى قادمة. أخافُ أحياناً من مجرد التفكير في كمّ المُهدرات الإنسانية، والعقول الأنثوية التي ذهبت سُدى، لا لأنها لم تكن قويةً بما يكفي ولا لأنها لم تكن موهوبة بما يضمن لها حق الإستمرار، بل لأنها لم تستطع -برغم جناحيّ التنين اللاتي غرزتهما في ظهرها- أن تطير أبعد من سقف البيت! لمَ تتحطّم آمال فتياتٍ كثيرات أمام عتبة البيت! ألإنّ المجتمع لم يعترف بعد بأن هناك مصلاً للحساسية يؤخذ قبل الإنجاب، مصلٌ يحمي المجتمع ضد حساسية الجناحات. أتعرفُ أحداً يعترفُ بهذا المصل؟ انظر حولك جيداً، وأخبرني إن كانوا قد تجاوزوا ...

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا

عائدةٌ من صلاة التراويح، قابلتُ " أم حبيبة "، تجلس بكل كبرياء، وعلى غير المعتاد، هادئة للغاية. تمتمت في نفسي: " خير يا رب! " لم أحاول أن أثير حفيظتها، وخالجني شعور خفيّ بالسعادة لأنها لم تلحظني، كنت أعلم في قرارة نفسي أنها ستتحمس كثيراً لرؤيتي، وسترافقني حتى باب المنزل - حرفياّ- تنوح وتتألم. " البيت يساع من الحبايب ألف " لكنّ إخوتي لم يألفْنها يوماً، حتى وصل الأمر حدّ الخوف منها ولم أستطع منع ذلك، تنظر بعينيها الواسعتين لعمق مداخل الإنسان، تربكه وتقلقه، وتشعر من خلالهما استجداءها المستمر للعطف والطبطبة، وعندما تبكي وتنوح تصعّب عليك عملية التفكير اليومية. تريد المساعدة لكنك لا تعرف السبيل! تغيب لفترة - أيام أو أسابيع- وتعود، وبعد شهور ألحظ بطنها المنتفخة: " إنتِ حامل تاني يا أم حبيبة! يخربيتك! "، فتنوح مجدداً، فلا أفهم من لغتها شيئاً. فأستوقفها وأطمئنها:  "سأجلب لها بعض الطعام الآن، لا يدٌ تربّت على البائس سوى يد الطعام الشهيّ. لا تقلقي!" أما في أيامي العجولة، أركض هاربةً لكنها -لأسباب في تكوينها على ما أعتقد- تستطيع الشعور بذبذبات...

9: إعجاز التوقيت: "١١:١١"

لم أحاول تفسير اصطدامي المتكرر ب ١١:١١ في الصباح والمساء، أنظر للساعة في الشارع، في البيت، في لحظة استعجال وأنا أقف في المطبخ، عندما أستيقظ صباحاً مصادفةً قبل المنبه، أو حتى عندما أفتح شاشة الهاتف هكذا بين الحين والآخر، وأجدها بدقّة على التوقيت ذاته! لم أبالي للصدف، وكانوا دائماً يرددون أن أمنيةً ما ستتحقق إذا نظرت للساعة وكانت في الحادية عشر وإحدى عشرة دقيقة. أتذكر أنني أحببت تلك الخرافة فترةً ما، ظللتُ أتمنى أمنياتٍ لا أتذكر شيئاً منها الآن. إلى أن شاهدتُ الفيلم - الذي دخل سريعاً في قائمة أفلامي المفضّلة- : i origins، وأخشى أنه لم يأخذ من البروباجاندا ما يستحقه، ولمن لم يشاهد الفيلم، فإن فكرته ببساطة أنّ عالماً في علم البيولوجيا وتحديداً علم البصريّات يؤمن أن العالم وُجد مصادفةً وأنه في خلال رحلة الفيلم يحاول خلق خلايا بصرية -أي ما يشبه العيون- لكائنات لا ترى من الأساس ليثبت وجهة نظره. هي أننا لسنا إعجازاً، وأنّ العلم هو الفيصل. يدور بطل القصة في دوائر عجائبية من القدر والتقاء توأم روحه وتطوير أبحاثه، سيُبهرك ما توصّل إليه، لكن المبهر حقاً هي رحلته في الوصول. ١١:١١ لم تكن مصادف...

8: تفاصيل بسيطة: الشاي المرّ

منذ سنوات، لا أتذكر عددهم جيداً، كنت أقرأ ديوان ميّ رضوان الأول: الشنطة البمبي، حتى صدمتني جملة -لا أتذكّرها تفصيلاً- : " .... ساعات الشاي بيكون مرّ عشان بننسى نقلّبه " كانت تلك الجملة - على رغم بساطتها ومحاكاتها للإدراك اليومي للأمور-  لم تخطر على بالي يوما بشكلها هذا. إذاً الشاي "مسكّر بس مرّ"، معادلةٌ وضعتها الحياة أمام عينيك لتعطيك درساً عملياً لم تخطُ يوماً معمله ولم تسمع أبداً كلمةً من مُعلّمه؛ قبل أن تحزن على كوب الشاي خاصتك، الذي اشتهيته لساعات طِوال، بعد وجبة محشي دسمة أو سمك مشوي، وكان مُراً في نهاية الأمر، حاول أن تجلب ملعقة وتقلبّ ما به، ربما ينتظرك السكر في قعر الكوب ، ينتظر منك حركة رسغ بسيطة، تذوب بها جزيئات السكر الخجولة ويتحول مذاق شايك البائس من مرّ إلى مظبوط، ولا تعلم، ربما يصبح مذاقه سكر زيادة! "صدقني على عكس المتوقع بتكون صعبة السخافات " كانت تلك الجملة الثانية التي لا زلت أتذكرها من الديوان، ولأنني أتذكرها أتذكر ماهية شعوري حينها. إن الشطر ببساطته يتواجه وجهاً لوجه معي، يخبرني بكل كبرياء: السخافات مؤلمة. اعترفي ...

7: الموسيقى التصويرية: سائق الميكروباص

لم أقصد يوماً أن أتطفل على حكايا الآخرين، لكن اللحظات التي تسبق اكتمال الميكروباص، عادةً ما تسمع فيها الكثير من القصص العجيبة والجميلة والمزعجة أحياناً. قررتُ اليوم أن نتشارك بعض المشاهد التي رسخت في ذاكرتي، قصصها تعود لأصحابها، والموسيقى التصويرية والإخراج غالباً ما تكون من اختيار السائق بدون وعي منه. إنّ سيكولوجية سائق الميكروباص في مصر ستحتاج مدونةً أخرى، سأعود لها لاحقاً. مشهد ١: ( أركب في الكرسي المجاور للباب المتحرك، في الصفّ الأول ، في طريقي لدمياط القديمة، بجواري أمّ وابنها الذي لم يتجاوز الستّ سنوات، يتحاوران في نقاش لا طالما خطر في بالي عندما كنت في مثل عمره أو أقل قليلاً ) -  هي الشمس مالها؟ — بتغرُب. يقولها بتساؤل كأنه لم يسمعها جيداً: - بتشرق؟! ترد الأم بصبر: — بتغرب؛ يعني مروّحة. - مروّحة فين؟ — مروّحة عند ربنا، في السما. وكأنها قد ضربت بثوابته عرض الحائط: - هي مش بتغطس في البحر! ضحكت ضحكةً لطيفة: — لا مش بتغطس. ولأننا بطبيعة الحال كمصريين نألف الحديث  في المواصلات مع من يشاركوننا الطريق، تحدثنا أنا والأم والابن، وأخبرتني أنه يذكّرها دائماً أ...

6: نقطة تفتيش جديدة: لغة برايل

عندي أسباب منطقية لاندفاعي الأهوج نحو الكتابة هذه الأيام، لقد عقدت مع نفسي عقداً ينصّ على: " كلما اشتقتُ إليك كتبت "  فبِتّ أكتبُ بنهم. وأعلم أنك أبعد ما يكون عن هذا النصّ، وأبعد ما يكون عنّي، وأن للأحلام أطرافٌ كاذبة تشبه أطراف الأميبا، تمتدّ من كل زاوية وتخنقني ليلاً. أحياناً، يصعب عليّ بلع ريقي، لكنها في حقيقة الأمر كلماتٌ تحاول شقّ حنجرتي للخروج، إنها تأبى أن أُرجئها لأيامٍ بعيدة، فتصرخ، تناديني: حررينا. وأنا أواجههم كأنني ابنة فرعون! يا لقسوتي وربّ العباد! لا أعلم تحديداً متى شيّدت كل نقاط التفتيش تلك في طريق كلماتي المندفعة، وغير المندفعة كذلك، شيّدتُ نقاط التفتيش في طريق كل شيء ورفعت الأسلحة وعكرتُ صفو العساكر جميعهم، لأصبحَ أكثر ضعفاً وأقلّ بساطةً، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لمَ لا تصبح الحياة لا مباليةً لي! أو لمَ لا أصبح أنا لا مباليةً لها! كأن أكون قادرةً على إخبار من أحبهم أنني أذوب في محبتهم، أو أنّ رائحة النعناع أجمل من رائحة عطر جوتشي، وأن السعادة قد زارتني مرةً عندما عرفتني، ومرةً عندما عرفتك، وأن السعادة شهيقٌ والمأساة زفير، وأنّ قلبي لي...

5: أمورٌ مثيرة للجدل: أنا والقاهرة بمفردنا

صورة
أحبّ طريق السفر الطويل، تحديداً إذا كنت فيه بمفردي. بالعودة بضع سنين للوراء، كان يمكن أن أغرق في ضحك استنكاريّ فقط لمجرد تفكيري في احتمالية أن أسافر من دمياط إلى القاهرة بمفردي، رغم أنني أسافر سنويّاً من القاهرة إلى الشارقة والعكس ولا تعتريني خلالهم الرهبّة مطلقاً، باستثناء لحظات الغثيان المعتادة كلّما هممت بتجهيز الحقيبة وكلّما أوشكت الطائرة على الهبوط. وعلى الرغم من أنّ أحلامي في السفر لأي بلد من بلاد الله قد تحققت، وسافرت إلى تونس وأنا لا أفقه اللكنة ولا أعرف فيها صديقاً واحداً حتى، إلا أنني لم أشعر للحظة بهذا التوتر الذي اعتراني عندما استقليت الباص المتجّه إلى القاهرة من دمياط للمرة الأولى. " القاهرة المزروعة إعلانات بدل الشجر " كما يقول خلف جابر، كانت البعبع الذي لاطالما أجّلت لقاءه. أشعر أنني ضئيلة جداً في مواجهتها، وأيقن أنها السبيل لكل الأحلام، لكنها لم تكن مكاني الآمن ولا وجهتي السعيدة، يوماً. كفراشةٍ في مواجهة رياح أمشير " اللي يخلي العجوزة جلدة والصبية قردة " كنت أنا في مواجهة القاهرة. سمعت كثيراً عن " وسط البلد " وظلّت الرغبة لزي...

4: المصالح الحكومية: خاتم استغفارك اليوميّ.

صورة
يومٌ مليء للغاية، لكنني أشعر بالفراغ بداخلي. لا أعلم تماماً إن كان ما تسببّ بهذا الشعور هو تعاملاتي اليوم في المصالح الحكومية المصرية، أم أنّ هذا الفراغ حقيقيّ ولا يمتلؤ أبداً مهما امتلأ يومي! وإِن كنتَ عزيزي القارئ " مش مصري " فأنتَ لا تملك أيّ فكرة عن ماهية المصالح الحكوميّة المصرية، لكن دعني أقدم لك صورة سريعة، ليست بالضرورة منصفة تماما، لكنّها واقعيّة وغير تعميمية على الإطلاق : هناك عقد، بين أي مصلحة حكومية وبين الموظّف، ينصّ على أن يكون الموظّفّ ابن النكد الصرف وممثله وصديقه الشخّصي منذ اللحظة التي يبدأ فيها بترك "البقسماطة الدايبة" من يده والتعامل مع المواطن حتّى اللحظة التي تسبق معاد خروجه من دوامه الرسمي بدقائق، ولن أقول حتى اللحظة التي يتعامل فيها مع آخر مواطن، لأنه على الأغلب سيتلكؤ عن العمل أصلاً قبل معاد خروجه بساعة على أقل تقدير! إنّ هذا العقد يتجدد تلقائياً، بدون أي توقيعات أو أختام. يكفيك أن تكون خلف شبّاك زجاجيّ – معتقداً أنّك خلف أسوار المدينة الفاضلة-، حولك شخص يجلب لك الشاي ويقول لك: يا باشا. هذه المدوّنة ستثير الشفقة صدقاً، لأنها ستبدو نابعةً من ...

3: حكايتي مع الخشاف: استكشافات متأخرة.

صورة
قبل أن تبدأ في قراءة مدونة اليوم، ابحث عن سماعاتك، ضعها لو سمحت، نعم الآن، حالاً، اضغط على هذا اللينك، إن كنت على نظام الباقة ،والواي فاي لا يعمل، أستسمحك عذراً أن تضحّي بجزء من باقتك حتى يكتمل المشهد. استمتع: https://soundcloud.com/akram-3/youtube بماذا تشعر الآن و" رمضان جانا " تعزف أنغامها في قلبك.. حدثني أكثر.. هي أمور تثير الريبة والتساؤل صدقاً، كيف لأغنية أن تحمل هذا الزخم من المشاعر والذكريات والبهجة! كأنّها أغنية لأم كلثوم، ترتبط في كينونتك بإحساس مفصّل لا يمكن أن تخطؤه، أنتَ تعرفه تمام المعرفة. أغنيةٌ تشبه مُدرِّسة ابتدائي التي أحبّتك ورأت فيك اختلافك وميزته، فكانت تربّت على كتفك كلما بكيت، وتُمسك بكفّك الصغيرة في الرحلة المدرسية عندما تحيد عن الطابور، وتعاقبك بطيبة إن نسيت يوماً الواجب. هي  معلمتك  المعجزة والتي قد تقابلها مرةً واحدةً في حياتك،وسيظلّ صوتها عالقٌ في مخيلتك مهما مرّ عليك من الأزمان، تماماً كصناعة تلك الأغنية. وعلى عكس "رمضان جانا"، كان " الخشاف" آخر عهدي برمضان، ولأنني ابنة الغربة المدللة، لم أسمع عنه يوماً حتى اللحظة ...