المشاركات

عرض المشاركات من فبراير, 2020

297: نامي يا عصفورة..

بإمكاني الآن النوم. لن أفكّر في ڤيروس كورونا، ولن أفكّر في صباح اليوم الذي انقسم لنصفين متساويين من المتناقضين، الحلو والوحش، لن أُفكّر في الأحزان التي تلفّ العالم كأنّها العفريتة البيضاء التي يثبّتون بها المضطربين والمرضى النفسيين. لن أفكّر في شعور الذنب الذي يلتهمني لأنني لم أقرأ سوى أربع وعشرون صفحة من رواية أحمد عوني " جوائز للأبطال"، لأنني أشتهي الوصول للنهاية لأعرف إلى أين ستنتهي المصائر. لن أفكّر. على الأغلب سأنام، ربّما هذا كل ما أحتاجه الآن، الإنقطاع الكُلي عن ضجّة العالم، حتى وإن كان ذلك ضدّي لبعض الوقت، لا بأس، بإمكاني التعايش مع انفلات معلومات هامّة ولحظات قادرة على تغيير وجه التاريخ، سأسمح لسلطان كالنوم أم يُمارس سلطته عليّ. أتذكّر ما يحدثُ عندما أسمح له بالسيطرة، كرابعة، استيقظت فزعةً في حدود العاشرة، لأجد رمادًا أسودًا وبقايا، ومذبحة. وتمامًا كهدير*، التي -لسبب ما- أمضت الثورتين في السيارة، إما نائمة وإما هائمة. تمامًا كنتيجة الثانوية العامة التي ظهرت وأنا أغطّ في نوم صباح يوم الجمعة العميق، لأستيقظ منه على صوت بابا وهو يقول :" مبروك!".  ربّما نحن...

296: لأ! دي محترمة..

أسيرُ باتجاه البيت بعد الإنتهاء من عملي، سمعتُ " قطاقيط" في الثالثة عشر من عمرهم يقولون: "لأ يا عم دي محترمة". أكملتُ مسيري، صعدتُ السلالم ودخلت الشقّة، غيّرتُ ما ألبس لملابس البيت الخفيفة الدافئة، لم أنسَ جواربي الناعمة الكثيفة، نظّفتُ الأطباق وفضّيت الحوض، جهّزتُ الغداء، ثم جلستُ وقت العصاري، أقرأُ كتابي وأشرب شايي الذي أحبّه مؤخرًا بطعم الفراولة. لست من الطبقة البُرجوازية لكن.. قبل عشر سنوات بالتقريب، كان سيغرقني إطراء كهذا. " لأ يا عمّ دي محترمة " كانت كفيلة بأن تزيدني فخرًا وشعورًا -زائفًا- بالمثالية. بل ستُعطيني انطباعًا مغلوطًا من اللاوعي بأنني قادرة على البدء في الوعظ. الآن.  كيف نقيس نتائجنا مع مجتمع معطوب الهوّية، تتحكّم فيه المشاعر والفهلوة والأدب الزائف؟ " متزعليش مني يعني يا دكتورة، البنات باظت!" أسمعها تتردد مدموجة بصوت الشباب الواعد " لأ يا عم دي محترمة!". كيف نأخذ بالكلمة من أفواهٍ جُل ما تعرفه عن الإحترام هو ما يتنافى مع رغباتهم الجنسية أو ما يُغطّي على عنفوانها؟ كيف تعتقد بأنك محترم إن كنت أمام نفسك تعرف أنك مرآة ...

295: برّا القوقعة..

في كل لحظة بنقرّب فيها من الحياة الحقيقية، الحياة برّا قوقعة الإتّكاء على الآخرين والدلال المفرط والحصول على كل مبتغاك ولا يكفيك حتى إن حصلت على جزء منه، شره الطفولة وعنفوانيتها، لما بنبعد عن كل ده وبنبدأ نقرب من الحياة الحقيقية، الجميلة المخيفة، الحنونة القوية، القصيرة الطويلة! لما بندخل وبنتوّرط وجدورنا بتتشعب أكتر، دلالنا بيقلّ واتّكائنا على أنفسنا لازم يكون مصدر قوّتنا، حصولك على حاجات كتير بيتحول لعطاءات أكتر.. كل لحظة بنقرّب فيها للحياة الحقيقية، الصورة بتزداد وضوحاً، وكل ما الوضوح هيزيد كل ما هتحس إنك عايز تجري بسرعة.. يا إما ناحية الحياة يا إما هروباً منها.. سلامو عليكو .. ** وجب التنويه أن هذا الكلام قد كُتب منذ ثلاث سنوات، أي في ٢٠١٧ في مثل هذا اليوم. أحيانًا أحبّ الـ memories في الفيسبوك!   - 295/365

294: اذكروا محاسن..

يُقال أن طاغيةً مات اليوم، أما أنا فلم يعتريني أية شعور على الإطلاق. لطالما فاجئتني نفسي في مواجهة النهايات، وأثارت حفيظتي في كيفية التعامل مع اللارجعة. أعني، بإمكاني الخروج من علاقة عاطفية متخلّصة فيها من كل ذرة منه في كياني حتّى أنني أنسى ما كان يومًا شعوري تجاهه، ثم تتلاشى ملامحه تدريجيًّا من مخيّلتي وكأنّه أصبح في عداد الموتى، دون أن يكون الأمر مصحوبًا بكراهية أو غضب، اللاشيء فحسب. يمكنني الهروب من وظيفتي دون ذرة ندم على ما ضاع من الشهور المحتملة المتراكمة من المرتب أو من الصعود على سلّم الترقيًّات. يمكنني القيام بأشياء غريبة على صعيد شخصي، فماذا بموت شخصٍ لا نتلاقى أنا وهو سوى على صعيد اللاشيء؟!  لن ألتفّ على نفسي، ولن أنبش في صدري على أي ذرةٍ للغفران، لن أدّعي المثالية ولا الحيادية، ولا يعني هذا شيئًا على الإطلاق، فأنا لستُ الله لحسن الحظّ! أنا ابنة آدم الذي انهار أمام تفاحة! أنا كما يقول أحمد بخيت " الصوفيّ والشهوان عشّاقًا ومعشوقًا، أسير بقلب قدّيسٍ وإن حسبوه زنديقًا"، أنا -أحيانًا- لا أجد في قلبي قدرة للترحّم على الطغاة لكنني أجدها -وبقوّة - للترحم على المنهزمين...

293: مراجعة: هل يبقى الأثر؟

صورة
" مرت بي تلك الرعشة التي تهزّك عندما تقابل شخصًا تعرفه طوال حياتك، ثم تجد نفسك معه فجأة في نفس الحيّز والوقت. إنّها رعشة الحضور الطاغي للمعرف ة من طرف واحد، ورغبتك في أن تتوازن، ألا تكون أحمق وألا تستنفذ طاقتك في عدم تصديق ما يحدث".* هذا ما شعرتُ به عندما قابلتُ إيمان مرسال للمرة الأولى في حفل توقيع كتابها " في أثر عنايات الزيّات" والذي عرضَ دون اصطناعٍ للحزن ولا نبشٍ أجوف في الذكريات قصة كاتبة، انتحرت قبل أن ترى عملها الأول. ماذا سيخطر في ذهنك عند قراءة هذه السطور، " كاتبة انتحرت قبل نشر كتابها الأول" ؟ أعلم، لكنك لن تكون في مواجهة " كتابة صعبانيّات " ولا حتّى قصة مجرّدة عن كاتبة ما، أعتقد أنك بصدد قراءة " بالطول والعرض"، عملت فيها إيمان مرسال على أخذ شريحة عرضية شفّافة للمجتمع، تعمّقت في شتى الزوايا دون أن يفلت منها عمق واحد، تحدّثت عن التاريخ وعن الأرشيف وعن " نخبة الأدباء" في الستينات وما بعدها، تحدّثت عن القبور والتفاصيل والشوارع، عن القاهرة، بل عن قاهرتين (قاهرة عنايات وقاهرة إيمان)، عن الإضطراب والكتابة والوحدة، تحدّث...

292: أسوأ صناعات في العالم..

بحثتُ عن أسوأ صناعات في العالم، فلم أجد سوى مقال واحد غريب. تخيلتُ أثناء بحثي أنني بصدد معلومات نادرة، وأنّه ما سأعرفه عن هذه الصناعات ربّما سيُؤهلني لكتابة مقال جديد ومختلف، لكن جُلّ ما وجدته بعد عملية البحث تلك، والتي بدأتها بالفعل بمنتهى الجدّية في مقهى هادىء (وله نت ممتاز) وقهوة تُقدّم في كوب ضخم كأنّه حمام سباحة، أنّ أسوأ صناعات البشرية كانت : " صناعة الكراهية وصناعة العنصرية وصناعة التطرّف "! تلحّفت اليوم على الأريكة التي تتمركز في المكان الصحيح بين المطبخ والتلفاز، ورحت في نوم عميق كمن غفا على كتف حبيبه، وعندما استيقظت، فتّحت عيني على واحد من أجزاء " Wolverine "، وتذكّرت ثانية هذا التساؤل: يا هل ترى ما هي أسوأ صناعات في العالم، لذا قررتُ أن أكتب عنها حتى يخفّ إصرار السؤال في رأسي، ربّما أجد عندكم مصدرًا يساعدني على المعرفة. ولأنني ما زلتُ أبحث عن إجابة كافية وشافية عن هذا السؤال، سأترك هذه التدوينة مفتوحة، لأنني لم أقتنع بعدُ بأن صناعة الكراهية هي أسوأ صناعة في العالم أو أنّها صناعة بشريّة أصلًا، بل تبدو لي الكراهية صناعة دنيوية من الأساس، عُجنت فينا من...

291: ها هو الطريق..

أتذكّرك، هذا الطريق يحمل عبَقَك.  " هيدا الطريق آخرته لحن حزين "، وأحيانًا لا آخر له. " كل الطرق تؤدي إلى روما" وكذا ثقوب قلبي، تؤدّي إليك. مرة رأيت طريقًا طويلةً إلى الشمس وأنا أسير باتجاه المنصورة، فنظرتُ جيّدًا حتّى تلاشى الزمان والمكان وشعرتُ أنني في حضن الشمس وهي كذا في حضني، دون أن تحرقني! " هيدا الطريق آخرته لحن حزين"، وليس ما هو أجمل من الألحان الحزينة، واسأل تامر عاشور! أستندُ إليك كأنني أقفُ وظهري مُثبّت من تلقاء نفسه بمسامير. قلتَ ما يشبه هذا ونحن في طريقنا للبيت سيرًا على الأقدام لما فاجئتني قطّة متوترّة بحركة فجائية، أسندت ظهري بكامل راحتك. في هذه الأغنية التي سمعتها صدفة ذاك اليوم فتافيت ذكرى، ذكرى المشاعر التي لم تُنطق سوى لتعلّق القلوب من أعقابها. كان طريقًا مُظلمًا. " هيدا الطريق آخرته لحن حزين. والسيجارة نسّتني نسّتني" فهل ننسى؟ المشي في مارس، ثمة حشائش خضراء تشقّ طريقها بين السيارات، تجور عليها أقدام المارة أحيانًا وأحيانًا ترحمها، تستعدّ الزهور لموسم الربيع الخانق، لكنّ المشي يبدو فكرة صائبة في...

290: سرقت عمري..

" لمّا " سرَقتْ عمري. هذا ما اكتشفته أثناء قرائتي لكتاب اليوم. كنتُ أجلسُ وأمامي الشارع بامتداده، يسير الناس على جانبيه محاوليين تفادي لفحة البرد الشديدة ليغطي بعضهم وجهه بالشالات الشتوية الثقيلة وبعضهم بيديه، النخلات المزروعة على طول الشارع تنظر باتجاهٍ واحد لكنها شامخة ما زالت، من يركبون الموتسيكل يبدون أكثر معاناة ممن يسيرون على أقدامهم، أفكّر فيمَ يمكن أن يكون غداءًا خفيفًا شهيًّا يلائم ما أحتاج إليه تحديدًا -وهو الذي لا أعرفه بالمناسبة-. الآن فقط تذكّرت أنني لم أتناول وجبة الغداء أصلًا!. " لمّا" سرقت عمري بشكلٍ لم أتخيله. أنا أؤجّل عمري لمِيعاد مجهول، وأخشى أن المعاد لن يأتي، وأنني إن وصلته يومًا لن يبقَ فيّ عمر لأعيش عمري. ورغم أني أعلم تمام العلم بسمتي التباطؤية في التعامل مع الأمور، إلا أنني ولأول مرة أُواجَه هذه النظرية التي تحتمل الصواب والخطأ بطلّة جديدة؛ أنا لا أتمهل، بل أتمادى في التمهّل حتّى تضيع اللحظة تمامًا وتتسرّب من بين أصابعي. " لمّا " سرقت عمري، ولمّا سُرق عمري فزِعت! - 290/365

289: يا للجدّية!

أنا لستُ جديّة بشأن هذا الحزن؛ بإمكاني الضحك بصوت عالي، بإمكاني الركض لمسافات طويلة باتجاهٍ أهبل فقط لكي أبدو وكأنني أتجه لشيء ما، بإمكاني الرقص لساعات دون ملل لكن حتمًا بكلل، بإمكاني الإستيقاظ صباحًا، وضع الشاي على النار وفرد الجبنة (الكوبايات) وفوقها شريحة من الجبنة الرومي واللانشون بداخل شطيرتيْ توست فريش على أنغام عزف الجاز الرائق، بإمكاني التفلسف لساعات وبإمكاني أن أمارس -ولو زورًا- دور أخصائيٍ نفسي فقط لأنني أقدّم أذنًا منصتة وقلبًا مهتمّ، بإمكاني أن آكل وآكل وآكل حتى أشعر بهرمون السعادة يستنجد بي، بإمكاني أن ألفّ الشوارع في الشتاء تحت المطر وأن أحفظ الأزقّة وأنا لا أحفظ شيئًا وألا أخاف من المجهول ومن التجربة ولا من أن أثق -ولو قليلًا- في الـ GPS، بإمكاني أن أتأنّق وأضع مساحيق التجميل وأن أتعطّر بمهارة دون أن يبدو العطر سخيًّا ولا شحيحًا، بإمكاني أن أحافظ على ثبات عيوني - لكنني دائمًا ما أفشل في السيطرة على رجفة يدي-، بإمكاني أن أطيل البقاء في الحمام دون أن يعتقد أحدٌ أنني أبكي، وبإمكاني قصّ شعري دون تردد، هممم يا للهول، بإمكاني القيام بكل هذه الأشياء فقط لأثبت أنني لستُ جديّة ب...

288: انتهت الكتابة، هنا..

تأتيني أحيانًا رغبة في الكلام، وهي على الأغلب أحيانٌ نادرة، أودّ لو تمرّ دون ثُقل ولا ندم. ثمّ في المُقابل تُؤخذ مني رغبتي في الكتابة، لا أعلم كيف ولا لمَ، لكنّهما ككفتيّ ميزان، متى ما ثقلت واحدة خفّت الأخرى. ربّما لأنني لا أقدر على كلتاهما، أعني لا أقدر على الحفاظ على ثبوتية وجودة دواخلي وفي الوقت عينه التدقيق والتفحيص في جودة ما يخرج عنّي. ربّما.. انتهت الكتابة، هنا.. - 288/365

287: ثم نامت..

ثم يعتريك هدوء حقيقي فقط لأنك قضيت يومك كُله في النوم العميق.. - 287/365

286: فناجين الشاي والعرق..

لمَ تجعلني القراءة لرحاب بسّام أحِنّ لنفسي؟ أو أحنّ لأسئلة لطالما راودتني لكنني نسيتها مع ما قد نُسي، والذي أعتقد أنّه كثير للغاية؟ لم تجعلني قراءتها أودّ في فتح محفظتي والتدقيق فيها، البحث عن صوري القديمة وعن رسائلي الضائعة، كأنّ تفصيلةً ما فاتتني، أو محبةً ما عبرت من خلالي ولم تخترقني، لا أعرف تحديدًا ما الذي يحدثُ لكنني أجدُ فيها سحرًا نادرًا، يصعب التعبير عنه. كيف نشأنا على الأُرستقراطية ونحنُ أبناء الطبقة الكادحة التي تركت بلادها لبلاد أخرى لتكسب قوت يومها وترقى بعلام أولادها لمستوى يليق بما نتمنّى للمستقبل! مُذ كُنّا صغارًا ونحنُ نلعبُ لعبة البيت، نقلب الأرائك ونموضعها في وجه بعضها، حتى تنشأ مساحة مُظللة أسفلها، نرمي ملاءة بيضاء على أطرافها وأحيانًا عندما تصدمنا الصرخات والشتائم من الطرف الآخر للمطبخ نستخدم الشراشف الكبيرة ونعيدها مكانها حتى لا ينتهي اليوم نهايةً مأساوية.  وإذا ما لعبنا الأرائك والبيوت شربنا الشاي سويًّا في إبريقنا البلاستيكيّ وادعّينا ال " سووف" حينما نرشف الشاي الوهمي، كان ينقصنا السيجار الفاخر وإصّيصيْن من الزرع البيتيّ حتى يكتمل مشهد الوعي. لم...

285: فقدٌ أثناء النوم..

استيقظتُ من نوم هانىء ولم أجدكَ بداخلي. الشمس المتسللة من النافذة كانت دافئة، وكذا البقعة التي تشرنقتُ فيها في سريري، هاتفي المحمول على يميني أثبّته على حافّة الكوميدينو لأنّني من ذوات النوم الثقيل وأحتاج أحيانًا لو يرنّ المنبه في أذني، الزجاجة نصف ممتلئة والكوب فارغة، المناديل والفنجان البارد. كل شيء في مكانه تمامًا كما تركته البارحة، عداك. أكادُ أجنّ. فزعت باتجاه المكتب، فتحتُ درجي الثاني، بحثت عن الرسائل التي بيننا حتى وجدُتها. هممت بالقراءة دون تردد، فتحت رسالتنا الأولى، ثم الثانية فالثالثة، ولا شيء. كأنني أقرأ نصًّا على ماء. أين قلبي الذي كان في صدري؟ - هوَ هوَ لكنّه ليس هوَ تمامًا. شعور غريبٌ كالإنفصام، كأنّ جسدي يحاول حمايتي فيتملّص مني، أو يحاول عقابي فينسلخ عني، إنّه يصيبني بريبة شديدة! لا أعلمُ ما الذي حدث في الحلم ولا أريد أن أعلم، لأنّ كل ما فعلته أنني استيقظت من نوم هانىء، ولم أجدكَ بداخلي. وهذا يكفي - 285/365

284: فيما يشبه البيت، زرعتُ نبتة..

أردتُ فقط أن أُكمل لكم هذا الحديث. بعد أن كتبت ( مُفتتح ) وهي تدوينتي ال 282، كنتُ أشعر أنني لم أنتهِ منها بعد، كأن بي كلامًا عنها لم أكتبه، أو شعورًا مُعلقًا لم يجد الأرض، لا أعلم تمامًا، لكن هذا ما شعرتُ به. يقولون يجب عليك الكتابة عندما تكتمل الفكرة في رأسك، ثم يناقضون الأمر ويقولون، اكتب دون أن تكتمل الفكرة، ستُكمل الفكرة نفسها أثناء الكتابة، وأنا -حتمًا- لا أؤطّر الكتابة في شيء سوى أنّها أداة للصدق، اكتب ما شئت وفكّر فيها كيفما شئت، أعني هذا ما قلته لنفسي عندما أصابتني الحيرة. اليوم، في لحظة نادرة من مراجعتي لقائمة الـ ( saved ) عندي على فيسبوك، تذكّرت عناوين وروابط لطالما رغبتُ في قرائتها لاحقًا فعلًا. ففعلتُ ذلك. ضغطت على الرابط الذي لفتني الأكثر، كان بعنوان ( The Plants That Make Refugee Camps Feel More Like Home ) أي ( النباتات التي جعلت خيم اللاجئين تبدو كالبيوت ). يا لسوئي في الترجمة! المهم، كان المقال يتضمّن صورًا من مخيّمات مختلفة ولسنين متباعدة بعضها من عام 2006! لطالما حافظ أبي على الزرع في شقّتنا في بلاد الخليج، زرعها، وشذّبها وسقاها بكل ما أوتي من اهتمام ومحبة. أبي ...

283: كُن كالمرآة..

أحتاج للحظة تركيز نافذة. أشعرُ أن الجهود الغير مكتملة ككل الطعام الذي تركته في طبقي، ستلاحقني يوم القيامة. أحيانًا أفكّر بجدّية كيف ستلحقني حبّات الأرز، أو صدر دجاجة متبّل في الزبادي والليمون والروزماري، أو مثلًا محشي كوسة لا أحبّه، وكذا الزبيب وأكواب الشاي باللبن؟!  ربّما أعلم أني مُثقلة، لكن يثقُلني أكثر من محاولاتي في الإدعاء بأنني لستُ كذلك. لا أريدُ لهذه التدوينة أن تكون عن الثقل ولا حتّى عن الخفّة، أريدها أن تكون عن نفسها، أريد أن أفكّر في مُستقّرٍ واحد فقط. الجُهد إن لم يوجّه فهو جُهد مُجهَد وليس ضائع. تخيّل كم من الممكن للمرآة الناعمة أن تحرق شيئًا فقط لأنّها ركّزت نفسها في خدمة الشمس فحولّتها لطاقة حارقة! تخيّل كم من الممكن لك أن تُشرق وتلمع تحت كَنف هذا العالم المشتّت الغوغائي فقط إذا منعت عن نفسك التشتّت وزرعت في نفسك اليقين والإصرار والتركيز! تخيل.. - 283/365

282: مُفتتح..

يصعُب علي فهم نفسي من خلال نفسي، ويستحيلُ عليّ تحديدُ ما بي دون أن أنغمس في نقاشٍ مبهم مع أحد الأصدقاء عن ماهية حياتي أو حتّى التطرأ للعناوين الرئيسة منها، الحبّ، الخوف والأحلام. ولذا أرى أن اليومين الماضيين - على رغم ثُقلهما - كانا مليئين بلحظات كتلك. نقاش غير متوقع مع الأصدقاء لينتهي بنا الحال نتعمّق بعيدًا في الروح دون أن نعي، لكننا نعي في نهاية الجلسة. ها أنا اليوم أكتب -وجسدي لا يقوى على مقاومة النوم أكثر- ما أصابني من وعي في لحظات مُبهمة ومكتظة: بأنّ السعادة تتضخم بالذكرى والذكرى تتضخم بالوقت، ورغم أنّ السعادة لا تُدَرك إلا بالوقت إلا أنّ الوقت يسرقها. هذا ما فكّرتُ في اليومين الماضيين، وهذا على الأغلب ما سأفكّر فيه الأيام القادمة. تصبحون على خير.. - 282/365

281: محاولات تسلل..

اليوم، حاولت تدوينة أن تتسلل وسط الدوشة والزحمة والأحداث الغير متوقعة لكنّ محاولاتها باءت بالفشل. اليوم، كانَ غريبًا للحدّ الذي سيجعل كتابة أي شيء فيه أو عنه أكثر غرابة.. ولكن.. حتّى لقاء.. تصبحون على خير.. - 281/365

280: أنا والمدوّنة وفيسبوك

بعد أن حظرني الفيسبوك -أعني المدونة لا أنا- تحديدًا بعد تدوينتي الرابعة، لم أتمّكن من مشاركة أيّ من تدويناتي من خلاله. كان ذلك تحديدًا في بدايات شهر مايو 2019، أي أنه منذ الثامن من مايو لم يُنشر رابط هذه المدونة على أي منصة من منصات مواقع التواصل الإجتماعي سوى تويتر. في التدوينات الأربع الأولى، كانت نسبة المشاهدات عالية، لأنّه - بطبيعة الحال - يجعل الفيسبوك الوصول سهلًا، ثم اُقتصّت من المشاهدات النصف، ما لم اعتبره انتكاسةً بالمناسبة، لكن ربما أصابني خوف ضئيل. اليوم، بعد مرور 280 تدوينة وربّما 282 يومًا أصبحت تُسعدني المشاهدات/القراءات التي تأتي من تلقاء نفسها، والتي أتخيّلها أحيانًا كمراسلة بين أصدقاء أو مشاركة دافئة أو رسالة مبطنة بين اثنين. أتخيّل هذا الرابط يتنقل بين الهواتف المحمولة ويُقرأ. هذه قراءات جميلة وأحبّها حقًّا. دون الفيسبوك، أكملت هذا الأمر، لأنني أردتُ أن أكتب، فلم أفكّر كثيرًا في الأمر. دون الفيسبوك أتتني تعليقات. اعتبرتُ ذلك بداية. في كل مرّة أتلقّى تعليقًا، أقرؤه ثم أقرؤه وأقرؤه، أحيانًا لا أجد كلامًا مناسبًا للردّ فأكتفي بقرائته. إنّ هؤلاء الذين مرّوا من هنا أو قرؤ...

279: كعلقم مرّ، أو أشدّ..

لا أستوعب الموت. ولسبب لا أفهمه، يجعل الفيسبوك الأمر أكثر صعوبة، وأعصى على الإستيعاب. في كل مرّة صادفت فيها ملّفًّا شخصيًّا مكتوب في أوسطه " Remembering " أي " حتّى نتذكّر " مع وردة صغيرة، أصبت بتنميل مؤلم في قلبي. يتضاعفُ الألم عندما أجدُ طلب صداقة معلّق لم أردّ عليه يومًا بالقبول، ورغم أنه لا يجب عليّ أن أشعر بأيّ نوع من أنوع الذنب لكنني أفكّر في كل الأمور المعلّقة التي كان من الممكن لها أن تنتهي في حياة هذا الذي نتذكّره من خلال ملفّ شخصي على فيسبوك الآن. ماذا عن كل الأمور العالقة في حياتنا نحن الذين ما زلنا على قيّد الحياة، نملكُ رفاهية الشهيق الذي يتبعه الزفير! ماذا عن أمورنا العالقة التي ستظلّ كطلب صداقة أرسل ولم يأتِ الردّ عليه أبدًا. في هذه اللحظات، لا أقبل الصداقة، لا أقوم بأيّ فعل مغاير لما عرفه هذا الشخص قبل أن ينتقل لعالم آخر مجهول، لا أريد أن أكون السبب في أن يفوته أمر ما، أنا لم أحرّك عجلة الحياة من بعدك يا عزيزي، لستُ أخطط للشعور بالذنب أكثر. اليوم، بكيتُ كطفلة تائهة، فقط عندما قرأتُ ما كتبت صديقة لي:"هردّ على كل الكومنتات بتاعتك اللي ما ردّتش عل...

278: فجأةٌ اختفى، وفجأة وُجـِد..

تمامًا قبل خروجي، أدركتُ أن الساعة ضائعة. حاولت البحث عنها لكن حاصرني الوقت - الذي ما كنت قادرة على تقييمه تمامًا لغيابها- فنزلت على عجالة. عندما عدت إلى المنزل، أشحت عن رأسي حجابي، ونظرتُ لرموشي التي تتساقط بشكل لافت. ثم فجأة لم أجد الحلق الثالث. أين سقطت البرّيمة فسقط معها الحلق تباعًا يا ترى؟ أحجامهما الدقيقة ستصعّب علي عملية البحث. أبحث عن "التوكة" المخصصة لشعري، لونها زهري وحجمها صغير وتناسبني تمامًا، لكنّها اختفت. كانت أمامي على السرير منذ عدّة دقائق. ماذا يحدث الأن!! في الصباح التالي، صاحبني هوس من أن أخسر حلقًا آخر، فتأكدت من ثباته في البرّيمة، إلا أنني وجدته ثابتًا في أذني دون البرّيمة، كيف؟ لا أعلم. يا لهوي. كل ما أعلمه أنني فقدت حتى اللحظة برّيمتان وحلق طبّي أحبّه، توكتي المفضلّة والساعة الجديدة وجزءًا من قلبي! قررتُ أنني لن أنزل إلى العمل هذا الصباح، حادثتني عمّتي بنبرة انتصار أموميّ أعرفه: "إنتِ ناسية الساعة عندنا؟" قلت: "يااه، أخيرًا تذكّرت من أين تأتيني خيالاتٌ بأن الساعة على طرف حوض ما لأنني خلعتها عند الوضوء! أخيرًا! ". أغلقتُ المكا...

277: كرسيّ في الأوبرا..

أنتَ تقرأ أفكاري في صمت، بينما يقرؤوها الآخرون بجهارة لا أحبّها. يمكنني أن أكون كتابًا مفتوحًا، أو شبه مفتوح، فقط عندما يهدأ العالم من حولي، فيغدو صوت نفْسي واضحًا. أنا لا أنبهر، ولا أنهار، ولا يخرج عني سوى ما أردتُ له الخروج. وأعلمُ أنّه يصعُب فهمي، لستُ أسهلَ نوعٍ للفكرة، ولستُ أنعم نوعٍ من البشر، لكنني أحاول أن أكون كما أنا إلا أنّ أنا ليست كأنا التي تختبىءُ بداخلي. في الرحلة البعيدةِ عن كل هذا الضياع، ثمّة كرسيّ ينتظرني، في قاعة أوبرا مثلًا أو غرفة عيادة نفسية، عاد الضياع ليُمسك حبل أفكاري. لا لا،  في الرحلة البعيدةِ عن كل هذا الضياع، ثمّة كرسيّ ينتظرني، أجلس فيه مِلء مكاني، لا أتزحزح عن يميني قليلًا ولا عن يساري قليلًا، ألبس شيئًا أحبّه تمامًا، أضع وردةً أزهرت عن صبّارة صغيرة، أتمّعن جيّدًا في الأضواء فلا تُرهبني قوة سطوعها، وأتمّعن تمامًا في الوجوه فلا أخاف أن تفضحني عيوني، وأتمّعن جيّدًا في القلوبِ وما يحدث خلف الكواليس دون أن أستحي من فِهمي. في الرحلة البعيدةِ عن كل هذا الضياع، سأتخلّص من أحمال قلبي، واحدةً تلو الأخرى، لا تأجيل ولا تسويف ولا انتظار. سأقول ما يخطر ببالي...

276: فَيْ رُوز..

أجمل ما في فيروز أنّها تحادثك بلغتك، بحالتك، بعشقك المهزوم، وبكل كبريائك، تحادثك وتغنّي لك في كل حالاتك. تعطيك كل الموسيقى ولا تبخل عليك بما جاد من صوتها، تشعرُ بك وبحزنك وتصرخُ في وجهك علّك تستفيق من خيبتك. لم أتمكن من التوقف عن سماعها هذه الليلة، قالت "سمّعني غناني يا عيوني واتغزّل فيّ"، فتذكّرت أشياء أهربُ منها. ثم قالت "يمكن أنا مش هيّ، البنت اللي مفكّر فيّي، بس شي إنّي راح فلّ، راح تتندم عليّ" لكنني شعرتُ أنّ الحبّ لا يستدعي الندم، بل يستدعي الشعور بالخسارة، الخسارة الفادحة كأي " قصة بشعة كتير وصغيرة كتير".. ثمّ في لقطة نادرة أشعرُ أن سطرًا في أغنية يحادثني أنا وحدي كأن من كتبها نظر في عيني، ورأى كل ما أُخفيه فكتب " مجروح بجروح الهوى شو بينفعه، موجوع ما بيقول ع اللي بيوجعه ". لذا، "ضلّ افتكر فيّي" كأي قصة انتهت، كفراشة تغزّلت بك ثم طارت بعيدًا، كإنسان بكى على كتفك ثم لم يبقَ منه سوى ملح دموعه. كأي شيء له ذكرى ولا شيء لك منه سواها. ثمّ، " وحدن بيبقو، متل زهر البيلسان"، بيلسانُ التي كتبتُها في قصتي الأولى عندما كنت في ...

275: الميكروباص العجيب..

أحببتُ سائق الميكروباص المنطلق بنا من المدينة لدمياط القديمة، شعرتُ أن به نزعةٌ حقيقيةٌ لتعليمي كيفية جمع الأجرة. ورغم ما علا وجهي من علامات الإستغراب إلا أنني نفذّت ما قاله، قال لي " عدّي دول" فعدّدتهم، قال لي" كام دول" فقلت "خمسين"، زادني قبسًا من العلم فقال" كده نرجّعلهم اتنين جنيه"، فأومأت برأسي كأنني فهمت وقلت " تمام." فنظر لي كأنّه حقق ما أراده، وبدت في عينيه لمحةٌ غريبة من الفخر وظننته سيقول: "أيوه كده عفارم عليكِ" . لم يقُلها. من مؤخرة الميكروباص أتى صوت طفولي مشاكس، ولثوانٍ من تدقيق السمع تكاثر الصوت وانقسم لثلاثة. " وتجيني، تلاقيني لسا بخيري" بأصواتهم الناعمة التي كانت شديدة الجمال، حتى وهم يغنّون أغنية شعبية كهذي، بدا أن جميع من بالميكروباص مُستمتعين تمامًا. مندمجين راحوا يكملون كل جملة بدقّة تامّة، لا يفوتهم مقطع واحد! العجيب أنّهم استمرّوا طوال الثلاثين دقيقة المقبلة يتمايلون ويرقصون ويغنّون بحفظ متقن لأغلب الأغاني الشعبية الرائجة. ورغم أنّني في العادة قد أنزعج من وضع كهذا، أعني أطفال يغنون أغانٍ لا معن...

274: قصة: عيوني في هذه اللحظة *

استغرِب. لمَ انتهت اللحظة التي تجمعنا وأنا ما زلتُ أنا! أقفُ كل صباح مُستندًا إلى البوابة الحديدية للعمارة كالهائم على وجهه بانتظار أن تتمختري على السلم المتهالك، على ظهرك حقيبة وفي وجهك ابتسامة لا تُنسى. استغرِب لمَ تحوّل الكون دون أن يُنذرني أنني بصدد مواجهةٍ خاسرة مع الوقت. بتّ استيقظُ صباحًا كالمغدور، كأنني مطعونٌ في ذاكرتي، أشكّ في كل ما رأيته بأم عيني، وفي كل ما كان لي منك، وفي كل ما كنتُ عليه قبلًا، ثم ما ألبث أن أطمئن، لستُ مغرورًا هذه المرّة، أعلمُ أنكِ كنتِ بين ذراعي، وأعلمُ أنّك أحببتني، وأن السلّم المكسور كان سبيلك للوصول. تعثّرتِ فيه صدفةً أليس كذلك؟ لا أُصدقّك. لن أُصدّق الجميع. أنا أصدّق نفسي. أليس هذا صوتُ أم ليث؟ بلى.. يبدو صوتها.. دائمًا ما تصرخ هكذا، أودّ لو أطرق رأسها في حائط الغرفة، أكون أحيانًا على مسافة متساوية منها ومن الحائط فتنظرُ لي، ثمّ لسبب لا أفهمه أتراجع. هي لطيفة، ولها نَفَس في الطبخ عجيب، أتدرين أنّها أطعمتني شيش برَك في عيد ميلاد ليث لا أنساه! كنتُ سأجلب لكِ بعضًا منه حتّى رأيتك في الحفلة. حزِنت. لا لأنني لم أكن رفيقك رغم أحقّيتي، بل لأنني أردتُ ...

273: ظواهر/ كوارث طبيعية..

أتطرق لظواهر طبيعية غريبة في نفسي.. اليوم وجدتني أنجزُ مهامًا ليست لي، والأدهى أن القيام بها في دائرة من المجانين ذووي الهراءات المستمرة ضرب من مضيعة الوقت الحقيقية. انتهى وقت دوامي وأنا مستمرّة في طاحونة هوائية هالكة. اليوم بكيتُ دون دموع.. كنتُ أكسّر الزجاج والحوائط والأسقف بما ضاق من نفَسي.. كنتُ أعاند الوقت الذي قال لي بوضوح: قد حِنت، لكنني أجلته ثانية مكابرة بـ : إيش فهّمك إنتَ! اليوم، اخترتُ فستانًا أحمرًا رغم أنني أردُت الأصفر الفاتح ذو الورود الفسيفسائية الناعمة. ورغم أنني كنت أعلم وضوح رغبتي، تغاضيتُ عنها لرُبما انتهت موضة الأحمر قبل أن ألبسه أو حتى ذهبتُ صدفة لمكان قد يتسخ فيه الأصفر بشكل أسرع. البارحة، اكتشفتُ أن مشاعرًا بأكملها قد انتُزعت منّي كأنّها نبتة بريّة انتُشلت من جذورها المتأصلة في قلب الأرض. رابني ما شعرت! البارحة، كان يجبُ علي أن أتكلم، فسكتّت، وكان يجب عليّ أن أسكت، لكنني حينها تكلّمت. البارحة مارستُ سحرًا أسودًا، أخبرتُ نفسي التي في المرآة: تبّاً لكِ يا فتاة، تبًّا لهذا الجُبن الذي فيكِ. بدا لي أن لعنةً ما حلّت بي، فبكيتٌ في ركن الغرفة وحدي. أظ...

272: عذراءٌ وبائعةُ هوى..

إلى أين يسيرُ بي هذا القلبُ المنهك؟ إلى أين.. لأن الطرق، كحزني، مُصمتة بالخوف، لا شقوق فيها رغمَ أنّها مشبّعةٌ بالشكوك. في كل مرة، أكون على بعد انقباضة قلب من الراحة، في كل مرّة، أكونُ على مقربة من المعجزة، لكنني أتراجع كأنني بِكرية الخوف. في كل مرة تكونُ الكلمات سهلة لأنّها فكرة، لكنّها تستحيل عندما تتدلّى ببطء على طرف اللسان، تستحيل فعلًا. أنظرُ حولي جيّدًا قبل أن أنظر إلى الأسفل، أنظرُ جيدًا قبل إن أنظر إلى قلبي، يُخبرني منديلي الملطّخ بالدموع أن عذرية الحزن العميق العميق العميق قد فُضت بكارته، لم أشعر بالخجل لأنّه حزني، لا يهمّ، في النهاية تتكاثر الأحزان مهما كانت عذراء أو بائعة هوى. هل رأيت يومًا بائعة هوى؟ أعني رأيتها من الداخل، من عمق الفتات الذي تحاول لملمته وتلوينه بطلاء أظافر لامع وظلال عيون لا يُحتمل. لا أدرِ لم تذكّرتُ ما كتبه أنيس منصور في " قلوب صغيرة " والذي قرأته بالمناسبة في عمر صغيرة، أن بائعات الهوى كأسماك لفظها البحر، لا هُم استطاعوا العودة والعيش بشكل طبيعي ولا هم تُركوا على اليابس فباتت تتآكلهم غربان السماء وحثالة الأرض. لا أعلم ما علاقة هذا بالحزن ...

271: مجرّدٌ من الإضافات..

أن تُنظر لروح الأشياء دون أن تهمّك رِدَاءَاتها الخارجية أمرٌ يحملُ شيئًا من المثالية المُصطنعة، لأنّك لا تتجاوز المظهر بسلاسة بلا ذرّة مبالاة دون أن تكون غارقًا في منتصف الكيان وهائمًا في رغبتك تجاهه أو على الأقل مُستعدًّا للوقوع في حبّه على نفس القدر من الوقوع في كراهيته. - 271/365