المشاركات

عرض المشاركات من يناير, 2020

270: ولا تجارب سخنة بالبهارات..

صورة
هذا الكلام الذي كتبه مصطفى إبراهيم في ديوانه " الزمن" الصادر عن دار الكرمة ٢٠٢٠، هو أبلغ وصف لمشكلتي. اقرأها ثانيةً وقدر نعم ما حولك.. 270/365

269: لما رأيت البئر..

لما رأيتُك تسكبين رأسك في بئر، علمتُ ما أنتِ. وجدتك خائفة كما لم يخف أحد من قبل. تهزئين بالحياة كما هزأت هي بكِ قبلًا. وشعرتُ أن الحرج اللي في صدرك ليس من الهينة في شيء، وإنما قنبلة تنفجر بملامسة الهواء. إلامَ تنتمين؟ للعمق السحيق أم للماء الساكن الهادئ؟ لحركة الإمتلاء والتفريغ المتتابعة؟ لسطل الماء الذي يزيح عن نفسه ثقله أم للسطل الذي يزيح عن البئر همّه؟ أم.. لي؟ إن كانت أسئلتي على قدر من الجور فقوّميني! أحاول فقط أن أفهم ما عجزتُ على فهمه، وما سأعجز -غالبًا- عن فهمه. لما رأيتُ البئر اليوم، تذكّرتك، فأخذتُ سطلًا فارغًا ورحتُ أملؤه. - 269/365

268: معلّمَك ومعذّبك..

أكتبُ ورأسي يؤلمني، وفي قلبي رغبةٌ حقيقةٌ لإغلاق شاشة الحاسوب والجلوس بكل هدوء وحدي. فاتتني الكتابة لبضع أيام خلال الشهر الماضي، ولم أقوَ على تعويضها، كصلواتٍ مضت فما عدت لها، ودموع تركت مقلتاي فلم أسمح لها بالتراجع أبدًا. تفوتني الأشياء وأفوتها، لا أعصاب في قبضتي بعد للتمسك بشيء، في الخامسة والعشرين وترتجف يداي عندما يضيق صدري أو تختنق فيّ صرخة للكون. في كل مرّة تُفاجئني نفسي بمدى التيه الذي تغرق فيه تحديدًا عندما أبدأ بالكتابة، حتّى باتت الكتابة اليومية فعلًا ثقيلًا على نفسي. يحدث أن يتحول معلّمك الملهم لسبب من أسباب عذابك. حتّى أنني الآن لا أستطيع أن أكمل هذه التدوينة وأرغب في الإلتفاف داخل غطائي البارد الذي يأخذ من حرارة جسدي ثم يعيرني إياها ثانية. صوت وردة يُمكن أن يكون نهاية جيّدة لهذه الليلة؟! أعتقد..  تُصبحون على خير. - 268/365

267: الصبر المؤجّل..

في كل مرّة فقدتُ فيها الأمل في نفسي، كافئني الصبر المؤجّل كمن أمسك بمعصمي قبل أن أدبر عنه في طريق اللامبالاة والملل المُجحف. في كلّ مرة يقول لي الصبر: قفي، اليوم أردّ لكِ ما صنعتِ.  يصيبني فزع كبير، وأتذكّر تميم وهو يقول " الصبر بس أما يخلص يبقى صبر جميل ". في بدايات الألفيّة، كنتُ في المدرسة الإبتدائية، وكانت -على عكس المتوقع- مرحلة بديعة من حياتي. وعلى قدر ما تجود به الذاكرة، كنت عنيدة، لكن مطيعة. أعني بإمكاني أن أتحاور لساعات عن رغبتي في الذهاب لعيد ميلاد صديقتي نور، ويمكنني كذلك استقبال الرفض في غرفتي بمفردي وأنا أبكي بالساعات. عندما بدأتُ بالتعرّف على الصبر، كانت علاقتنا مُزرية. صدقًا مُزرية. وكنتُ دائمًا ما أطلب من الله أن يعطيني ما أريد الآن "عشان أنا معنديش صبر يا رب". أما الآن، فبالدرس الأصعب، عرفتُ سبيل الصبر مُرغمة، وعرفتُ ما بتّ أردده دائمًا " الصبر بس أما يخلص يبقى صبر جميل"، فصبرٌ جميل. - 267/365

266: لقاحٌ موسمي ضد الإكتئاب وأوجاع الروح

في المستشفى، يدّعون المعرفة، ويدّعون النشاط ويدّعون الرضا. لا شيء مما أراه هنا حقيقيًّا، لا شيء مما أراه هنا من الممكن أن يكون حقيقيًّا، هذا الهراءُ حتمًا تصنعه الأفلام وتنسجه خيالات كاتب، لا الواقع! لكم هي جليّة للعين مُحاولاتهمّ! يبذلون جهدًا مُضنيًا في الهباء ثمّ يصدّقون الهباء للحد الذي يستغربون فيه أنّه بنفحة هواء ناعمة، يتطاير بعيدًا. أقفُ كل صباح في قلبي حزنٌ شريد، ماذا فعلتُ بنفسي بحقّ السماء! ولم ما زلتُ أقفُ هنا، وعلى عكس الأغلبية في هذه البقعة، تُحيطني الواقعية وأُدرك عِظم الفراغ الهائل والمعاني المجوّفة من عمقها. يحقنون الممرضات بمصل ضد الإنفلونزا، في يناير! ثمّ الكثير من الصور، وهم يقفون، وهم يتحدّثون، وهم يحقنون المصل طبعًا " لزوم الشو "، ثمّ وهم يضحكون بجدّية لأنّهم " دكاترة "، ثم وهم يحاولون الولوج لصناعة المجد بينما المشفى بائسٌ حدّ التهالك. أيّ مصلٍ هذا بربّكم! أظنّ أن الجميع هنا بحاجة لمصلِ اكتئاب، تركيبةٌ تقي عنّا الأحزان الصباحية المصاحبة لدخول هذا المكان الذي يعجّ بالعيون الحزينة والألسنة السليطة التي حتمًا لم تُخلق سليطة لكنّ الزمن علّمها...

265: رسالة غرامية قديمة..

صدفةً، وجدتُ في أوراقي القديمة رسالة غرامية، عندما قرأتها الآن اعتبرتها رسالة انتحار أو نصّ مأساوي. لا شيء مم كُتب كان غراميًا ولا شيء كان حقيقيًّا. تخيل أن تحصل على رسالة موقّع في أسفلها: "مُحبّك، كما لم يحبّكِ أحدٌ من قبل " ثمّ ينتهي الأمر بكاتبها في مكانٍ بعيدٍ تمامًا عنك، تفصلكم ألف مشكلة وحكاية وألف مرّة بكاء، رغم أن أرضكم واحدة. تخيل! الحياة ليست تتجاوز الأشخاص وحسب لكنّها تتجاوز الروابط التي تبدو حقيقية كتمثال في متحف مدام توسو  Madame Tussauds لكنّها في نهاية الأمر تماثيل شمعية. روابط ضعيفة لها ملامح دقيقة وحسب. تتجاوز هؤلاء الذين إذا اقتربتْ منهم بكامل وهجها ذابوا.. " يبحثُ المحبّون عن صكٍّ بالأبدية، لكنّ صكًّا بالأبدية لم يوجد يومًا. ولن يوجد يومًا ." * وهذا ما جعل تلك الرسالة الغرامية، ورقةً بالية، لا تُمثّل الحبّ ولا تمثّل الغياب بعد الآن، هي لحظة كانت وانتهت، ولن تعود. ربّما كانت في ذاك الوقت لحظة حقيقية، لكنّها الآن في طيّ اللاشيء، لها أثرٌ تبعيّ دون لحظة بداية، امتداد دون نقطة اتصال. هكذا اختفت كأنّها لم تكن، ببساطة. وبعد أن كان الكلام سلسًا كأنّ...

264: كلما قطعت ذراع، نبتت أخرى..

إنّ زخم الكتابة اليومي يُفقدك رغبتك أحيانًا في الكتابة، وكأنّك في طاحونة للحاق بالوقت. علاقتي بالحياة علاقةٌ مترددة تمامًا ككل اختياراتي، أستيقظ مثلًا صباح السبت في حدود السابعة صباحًا جاهزة للفناء، ثم أستيقظ بعد قيلولة سريعة قبل الغروب على استعداد للإرتماء في حضن كائنٍ من كان ثم وضع بعض مساحيق التجميل والنزول من البيت بحُلة أنيقة للإنغماس في الواقع. ثم يأتي سبتٌ آخر، أستيقظ فيه غير راغبةٍ بتناول الفطور، ثم ما يلبثُ أن يأتي الليل حتى تفتك بي رغبة شديدة للغطس في بيتزا سوبر كرانشي كبيرة وسطل من أيس كريم الفانيلا بقطع الفراولة المجمّدة. إن علاقتي بقلبي على ذات القدر من التردد والتوتر والتراجع، ويصيبني ذلك بالإحباط أحيانًا لأنكم كما قرأتم منذ ثوانٍ، قلبي وأنا ليسا من الوئام والثبات في شيء. ياء ضمير المتكلم لم تكفَّ عن قلبي خوفه. ومعرفتي -كما يبدو- رديئة بنفسي، وقراراتي على كف عفريت، وأجيد الإبتعاد. أجيد الهرب لأنني لا أقدر على مشاركة هذا الخوف مع أحد، ولا أتحمل أن تظهر ارتجافة عيني بين اختيارين كلاهما أمامي في ذات اللحظة. لعنة! كأنّه أخطبوط زمني، هذا التردد الذي لا ينفك أن يلتصق بجد...

263: عبدالله الحكيم..

يقول عبدالله شوقي في حكمة سريعة -على الواقف-: "أنا مش فارق عندي الرجالة، أنا زعلان على أختي، أصل ولدت كيصيري - أي قيصري- وبطنها مجروحة ". لم أجد في الطبّ وصفًا أشدّ حنيّة.. بطنها مجروحة. وجعلني ذلك أتذكّر كل مقاطع الڤيديو التي شاهدتها لعمليّة قيصرية، كيف يشقّ المشرط الطبيّ الجلد بحركة متأنية وخاطفة وقبل أن تدرك يتدفق الدم من موضع الشقّ، ثم تليه أدوات دقيقة لتقطع طبقات أبعد في الجلد واللحم ثمّ يظهر الرأس فجأة من شقّ يبدو صغيرًا على رأس، لكنه دقيق للحدّ الذي يُمّكن فيه جسدَ مولود صغير من الإنفلات من خلاله. وأعلم أنكم تتساؤلون الآن، من هذا الرجل، وقد تشعرون أنكم سمعتم بإسمه في موضع ما، عبدالله شوقي، لكن دعوني أؤكد لكم أنّه شخص مجهول بالنسبة لكم، لكنّه لم يعد -لحسن الحظّ- مجهولًا بالنسبة لي. وقف عبدالله، ووقفت أنا كذلك، أمام سلّة مهملات سوداء، نُدردش لبضع دقائق، كانت صدفة مُرتبة ما بين بدئي في مبادرة لجمع القمامة من شاطئ بحر مدينتنا وبين تواجده في هذه اللحظة لجمع المخلفات البلاستيكية والكرتون من سلّة القمامة. كنتُ أبحثُ لفترةٍ عن أحد قد يساعد في جمع المخلفات القابلة للتدوي...

262: وحيدة في ضياعٍ جمعي..

لن أتحدّث عن الضياع، سأجعل التدوينة عن أي شيء سوى الضياع. من حسن حظّي أنني على قدر من السلطة يُمكّنني من اختيار متن التدوينة، هذه هي السلطة الوحيدة التي أملكها هذه الأيام. إن عالمي الذي في رأسي، حزين وموحش كآخر دقيقة في مباراة هزيمة. كيف يمكن لعالم في رأسي أن يكون هادئًا؟ أن ينعم بما يجب له أن ينعم به حتّى وإن لم يكن يستحقّه؟ كيف يُمكن لهذا العالم أن ينتهي؟ إنّ اللحظة التي نُدركها بعد الإدراك، وردّ الفعل الذي كان يجب له أن يكون ردًّا لا أن يغدو انتظارًا، والمسافات التي نعرفها بعد أن تُقطع لأننا خلال الرحلة لم نكن نشعر بالوقت، وعليهِ لم قادرين على تحويل المسارات العديدة لطريق واحد سهل من اختيارنا، هي لحظاتٌ تُعذّبنا حتى وإنْ بدت حكيمة. أتكلم بنون الجماعة وأنا وحدي التي تقف في المعاناة، وكأنني أقفز من أضلاع نفسي لحضن المجموعة علّني أشعر بالونس في الضياع الجمعي لكنني أعرف، أعرفُ حقيقة الأمر -وإن كان في كياني أمل أبله أن يحضنني الجمع الضائع فأجد نفسي-. أعرفُ أنني أقفُ بمفردي في مواجهة الوقت، وأنّ الوقت، إن لم يقتلني، سيُحييني. يبدو لي هذا حديث عن الضياع في نهاية الأمر، أليس كذلك؟! ...

261: لم أنا هنا اليوم؟!

في كل صباح، أراجع أوراقي، لمَ أنا هُنا اليوم؟ " تا ريخ العلمة هو نقل الدِّين إلى الملّة. بيّن التهانوي -ويُستأنَسُ في هذا كذلك بالمُعلِّم الثاني*- تمايز الدِّين عن المِلّة. الدِّين منظور الله؛ والمِلّة منظور البشر. ليس لله ملة؛ وليس للبشر دين. الدِّين في المُطلَق؛ والمِلّة في التاريخ. الدِّين في المُثل؛ والمِلة في الواقِع." كان أول ما قرأت في الصباح عند عبّاس براهام في حسابه الشخصي على تويتر. والذي لم أكن لأقرأ له الآن لولا ترشيحات الغُرباء الذين أتابعهم على تويتر والذين لسبب ما أصبحت أشعر أنهم لم يعودوا غرباء بعد الآن. بادىء معرفتي باللفظين كانت في الشوارع المصرية عندما سمعت : " لما مزبطش معايا قمت سبّتله مية ملّة ودين"، هنا أدركت أنهما معنيانِ مختلفان، لكنني ما عرفتُ الغاية. ثمّ اليوم، فقط اليوم، وبالصدفة، عن طريق براهام، عرفتُ أنّ الملّة للبشر وأن الدّين لله. هكذا ببساطة. هذا التحليل يوائم ما اقتنعتُ بِه دومًا، بأن ثمّة شكل إنسانيّ جديد للدين في بيتِ كل شخص، ومع تكوين كل إنسان، الدين الذي ينبثق من الله إلينا، والذي لعِظم الحالة نراه في كل تفصيلة في الكون، ل...

260: تدوينة غريبةٌ للغاية..

الآن، أشعرُ ببرد في أصابع قدمي، وأحيانًا تأتيني فكرةٌ بلهاء، أن أصابع قدمي وحيدة بمفردها، أعني، ثمّة مسافة بعيدة بينها وبيني، وأنّها الآن تستجديني، فقط لتُذكّرني أنّها هنا. وأنّها -زمان- عندما كانت في علاقة غرامية مع "سِنّ الكومودينو" كانت تحاول أن تتمردّ عليّا لتلفت نظري. لئيمة، كان بإمكانها أن تلفت نظري دون إيلامي إلى هذا الحدّ! ثمّ -بربّك- كم مرّة سمعت أنّ أحدًا ما راضٍ عن أصابع قدميه؟ لا أحد. كلهم ينعتونها بالقباحة، والطول، والعرض، هلمّ جره. لم يحبّها أحد. ألأنها منفية؟! وفي الشتاء دائمًا ما تكون مخَفيّة عن الأنظار بالجوارب الكثيفة؟! وفي الجامعة محشورة داخل حذاء رياضيّ مريح أو غير مريح لساعات؟! ربّما لا يُحبّها أحد لأن لا أحد يراها كما تريد لنفسها أن تُرى. أحيانًا أستحي أن ألبس قفازاتي الصوفية وأنا في الشارع، ولسبب مجهول أشعر أنّها مثيرة للريبة فلا ألبسها إلّا عندما يتآكلني البرد، لكن جواربي الشتوية الكثيفة أمر آخر، مصدر من مصادر البهجة لا الريبة. عرفتُ -أيام الجامعة- أن البرودة الشديدة في أطرافي هي لضعف في الدورة الدموية فيها، وهذا ما يجعلها معرّضة للصقيع مهما حاولت...

259: علّمتني رضوى، بالغياب..

ما دفعني لركوب الميكروباص بعد أن اكتشفت أن ميعاد السوبر جيت قد فاتني بالفعل لأنني لم أتمكّن من الإستئذان مبكّرًا من العمل هو شعوري المفعم بالندم عندما سمعت بخبر وفاة مريمة الأدب رضوى عاشور قبل بضع سنين من هذه اللحظة. لن أُكرر هذا الشعور مرّتين، سأمَهّد لنفسي كل الطرق وسأهوّن على نفسي كل التملّص والإجابات الملتفّة على نفسها، سأذلل أرق الطريق الطويلة وجلد الذات، سأفعل كل ما في وسعي حتّى لا يعتريني هذا الشعور مجدّداً. وقفت لأسأل إيمان مرسال سؤالًا مُكررًا لكنني بالفعل رغبتُ في إجابته، أخبرتها: "لأنّ حيواتنا ربّما تلامست في نقطة ما، أنتِ من المنصورة وأنا قادمة من دمياط، أودّ أن أسألكِ ما الذي تغيّر في إيمان مرسال، هذه الفتاة القادمة من المنصورة حاملة أحلامها إلى القاهرة، وإيمان مرسال التي تجلس اليوم أمامنا؟" فقالت باقتضاب صادق: "صدقًا، لا أعرف". لكنّها شُدهت بحقيقة أنني قدمت من دمياط لحضور حفل توقيعها، فنظرت بامتنان وهي تُحيد بنظرها لمقدم حفل التوقيع الذي كان بالمناسبة صديقًا لها، ثم عاودت النظر لي، وقالت: "شكرًا ليكِ". الحقيقة هي، شكرًا ليكِ أنتِ يا إيم...

258: في جملتين..

لا أعرف تحديدًا ما أريد، لأنني أريد الكثير، ولأنني كلما أردتُ شيئًا لم يُردني، ولأنّ كل الرغبات العالقة كعجل مرفوع من قدميه في المَسلخ تخنقني، كلما هممت بالتنفس فاجئتني حتّى ضاق بي صدري.. - 258/365

257: جدّتي التي تكتب..

البارحة كان يومًا مكتظًا ولذا غالبني النوم قبل أن أقابل الكتابة في جلسة ليلية هادئة. وكنت كلّما مررتُ شيئًا قلت لنفسي سأكتبُ عن هذا، ثم في صباح اليوم التالي، ألا وهو اليوم، نسيتُ كل شيء! وكأن كل ما رأيته البارحة امتزج حتى ذاب وانعدمت ملامحه.. إن الكتابة التي تجعل الإنسان في غنى عن أحزانه هي كتابة جوفاء، عن ما سنكتب إن لم تندمج الأحزان بأضلاع الحروف كأنهم في حالة عناق أخير! لا أُقدّس الحزن لكونه الحزن بالعكس، لكنني أقدّس الكتابة الصادقة، الكتابة التي تنبع من التجربة والمعايشة والملامسة، الكتابة التي تجعل القبلة بداية أبدية وكأنّ النهايات خدعة، الكتابة التي تجعل المحبة كالحرب لا انفكاك منهما إلا بالنصر. الكتابة التي تُشبه الإفطار البسيط والإفطار المتكلف على حدّ سواء، كسفرة ماما في صباح الجمعة. الكتابة التي ترافق الدموع واللهفة والنحيب، الكتابة التي تصاحب الفقد والإفتقاد. إن الحزن وإن كان وحشًا مريعًا فهو أصدق حالات الضعف. والصدق كل أشكال الكتابة. البارحة، قالت جدّتي: "الناس مشقوقة شقا"، وأنا كذا أرى ذات الرؤية، الناس، مشقوقة، شقا يا ستّي، لكنّني لم أكن يومًا لأتمكن من وصفها ...

256: جبلٌ لم أزُره

أُلقي اليوم على كتفي، جبل. وهذا جبلٌ لا يجب له أن يتزحزح، ولا يجوز أن أنفضه عن أكتافي مهما تآكل بالزمن. اليوم، شعرتُ أن دمعة حُبست في مقلتي لأنّه لا يليق بمن يحملون حملًا كمثلي أن يبكون. تحدّثت قليلًا لكنني سمعت، هذا ما جعلني أسمع جملةً على الأغلب فاجئتني: "هو إنتِ من إمتى بتسمعي أكتر ما بتتكلمي؟"، وبذا أكون قد تواجهت بشفافية مع التغيرات التي طرأت عليّ ثم انكشفت كأنّها سرّ مفضوح. أنا التي اعتاد لساني أن يملّ منّي، أصبحت أقدّم وجبات إفطار يومية على طبلة أذني، هذه أنا الآن، أرى جزءًا من المستقبل أمام عيني يترصّد لي، وأعلمُ أنّه ثقيل وجدّي وبه من المسؤولية ما قد يصيبني بالأرق كل ليلة، لكنني أرى الوادي على الطرف المقابل وأسمع خريره. إن الثقة المهداة والطمأنينة المُرجاة تجاهي هي ما جعلت اللحظة التي يعلو فيها كتفي على هيئة جبل أشبه بانتصار شخصي. ربّما نجدُ أحيانًا خفّة أرواحنا في ثقل أعمالنا وربما العكس..  - 256/365

255: شاهدٌ.. ما شافش حاجة

اليوم أنهيتُ قراءتي لكتاب إيمان مرسال الأخير "في أثر عنايات الزيات"، والذي رافقني شهرًا كاملًا رغم قلة صفحاته. ويا له من عمل بديع! إنّ العلاقة التي نشأت بين إيمان وعنايات لم تُحكَ بأكملها، ثمّة جزء تكون في الفؤاد لم يدرِ به أحدٌ سواهما. اليوم، باتت الشواهد تُمثّل لي جزءًا كبيرًا من روح الإنسان لا رفاته، هذه الشواهد التي تحمل اسمه وعائلته وميلاده كما وفاته هي مادة ثبوتية، طمأنينة للسير الطبيعي للأحداث. (هذا الجسد المُلقى في التراب يعنينا وهذا اسمنا على الشاهد، فنم معنا)، لكنّ هذا ما لم يحدث مع عنايات. هذا ما جعلني أتذكر ما قالت مِرسال في حفل توقيعها في مقرّ دار (الكتب خان): " ساعات كنت بحسّها بتبعتلي علامات مخصوص، كإنّها كانت عايزاني أوصلها". فوصلت.  لم أتجرّأ يومًا على زيارة قبور من أُحبهم، ولو زارتني الفكرة يومًا قطعت عنها الزيارة لشهور. أعتقدُ أنني غير قادرة على استيعاب مدى ضيق الحياة ومدى اختزالها في مكان بارد كهذا. لا أقدر على التسليم بكيفية الحدث ولا بأبعاده ولا بما كلّفني حدوثه، لا أستطيع تخيّل حجم الخسارة في كل مرة! وقفت إيمان مرسال أمام الشاهد وبكت، و...

254: هكذا يتحدّثُ بيتنا..

لبيتنا موسيقى تصويرية، هو صوت معلقي مباريات الدوري المصري. وأكاد أسمع أصواتهم تقفز من مخدّات الأريكة ومع أزيز المروحة في الصيف، في كل مرة أفتح فيها باب الشقة وفي كل مرة أُغلقه خلفي. أسمعها مع مكالمات بابا وأثناء وقوف ماما في المطبخ لتضع لمستها الأخيرة على الملوخية. وترتبط أصواتهم عندي بحدثين مُهمّين، أولهما المباراة النهائية لكأس أفريقيا في مصر ٢٠٠٦. وكما تعملون من تدويناتي السابقة علاقتي بكرة القدم كانت على ذات الحماس من علاقتي بالعرائس المُبهرة والطيّارات والسيّارات المجنونة. أخبرتني أختي ذات يوم أنني كنت مهووسة بتكسيير الألعاب، فلم تدم لي لعبة. وأنني دائمًا ما كان يثير جنوني كيف تعمل وعلامَ تحتوي، بينما كانت أختي تحابي على ألعابها وتحافظ عليها. في كرة القدم، عرفت الأدرينالين، عرفتُ كيف يجتاح الكيان كما يجتاح البركان غابة. في ١ فبراير ٢٠١٢، شهدتُ الشيء الذي لم أرغب في شهادته، كنا جميعًا متسمّرين أمام شاشة التلفاز نبكي، جميعنا نبكي. هذا ما أعتبرته آخر عهدي بكرة القدم وإن كنت حاولت مؤخرًا أن أهتم بمصر في كأس العالم، لكنني فشلت. لم يعد يسري في غابتي احتراقات أدرينالين كرة القدم بعد...

253: من أبعد نقطة للضياع

أعتقد أن هذا التشتتَ قد أصابني بعد عودتي من السفر، تحديدًا بعدما علّقت معطفي في الخزانة ولبست أخيرًا بيجامتي التي تركتها في البيت منذ أسبوعين وحيدةً خلف الباب. اليوم فقط شعرتُ أنني ألبِسُني وأن السفر قد انقضى بالفعل. ماذا لو كانت الأمور الجميلة لا نهاية لها؟ لن تكون الدُنيا. لن نكون نحن. لن يوجد شيء. كل شيء نشأ بغياب شيء في المقابل، وهذا الضياع الذي أشعرُ به بدأ بانتهاء السفر، بانتهاء لحظة النشوة المجنونة التي كانت أنا طوال الوقت، إنّه الضياع الذي نشأ من أبعد لحظة للضياع. - 253/365

252: "الحبّ والصمت" والتشكك في النفس

أشعرُ وأنا على بعد مئة يوم أو يزيد من النهاية، بالإنهيار. إنَ عقلي تعِبٌ وأجندتي ثقبتها الأيام المتسارعة وجفاء الفكرة. والآن فقط أفكّر، هل كانت فكرة الثلاثمئة وخمس وستون يومًا فكرة صائبة؟ وهل يمكنني اليوم أن أنتحي بنفسي عنها؟ أشعر أن كتابتي باتت عاديّة، وأحيانًا أقلّ من العاديّة وأحيانًا أحيانًا رديئة. في الأيام الأخيرة ثمّة تدوينة لم تُكتب، لم يلحظها أحد. قد يأتي شعوري هذا مصحوبًا لقرائتي للصفحة الأخيرة في رواية " الحبّ والصمت" للكاتبة الراحلة عنايات الزيّات. والتي بالمناسبة تتشكك في نفسها من خلال بطلتها كما أفعل أنا. لا عجب، فقد حاولت عنايات نشر روايتها الأولى بعد عرضها على كُتاب كان لهم شأن أدبي كبير حينها، أعني في حدود خمسينيات العقد الفائت، لكنّها لم تستقبل يومًا سوى اللامبالاة الناهية التي بعث بها الكثيرون، وعلى السواء لم تستلم رفضًا ليجعلها ذلك تتذوّق من كأس الأمل بضع رشفات دون ارتواء. حالة هائجة من الشكّ تلاعبت بي وراحت تدق عليّ بجنون بعدما انهيت روايتها، وما زاد الطين بلّة ابتعادي الواضح عن الكتابة التي أحبها. جعلني ذلك أتساءل عن فائدة الكتابة يوميًا لمدّة سنة؟ ...

251: عن أقدم ما عبده الإنسان

تدوينة اليوم هي دردشة عن تدوينة سابقة، سرد بسيط من وجهة نظري بعد أن تركتُ لكم صورة للتأمل في التدوينة الـ ٢٣٩ -  صورة من المتحف  .. الصورة عن شكل غير دقيق لمجسم يُقال أنّه أقدم نصب عبده الإنسان في أريحا (يُمكن الرجوع للتدوينة من خلال الرابط المتصل باسمها) وعندما رأيتُ هذا النصب سرت في جسدي فكرة لا شكّ طرأت للكثيرين، هل الإله حقيقة أم فكرة خلقها الإنسان حتى لا تعصف به الوحدة في هذا الكون الوسيع؟! الصورة كما هو مكتوب تعود للعصر الحجري الحديث، ورغم علمي المحدود بعصور الأرض وأن آخر عهدي بها كان في السنة الأخيرة من البكالوريا إلا أنني تذكرت معلوماتٍ بسيطة عنها. في فيلم "رجل من الأرض the man from earth” يتحدثُ البطل في نقاش مطوّل يبدأ منذ اللحظة الأولى للفيلم وينتهي به عن  أنّه أقدم رجلٍ في الأرض مرّ بكل ما مرّت به من عصور ومعجزات وأنبياء وكوارث وحروب، حتّى أنّه ادّعى أنّه المسيح. عندما كانت تعجّ الأرض بالمأساة أراد أن ينقذها بمعرفته القديمة عن الأرض وأهلها فتحوّل لنبيّ دون أن يدري!  وفي خضم رحلتي في قلعة جبل عمّان، كان رأسي مضطرم بالأفكار. كيف بدأ الإنسان العبادة و...

250: عشرين عشرين بتوجّس

في اليوم الخمسين بعد المئتين، زارتني بعض ذكريات أعوام مضت، ونُغز قلبي. وأكاد أجزم أن قوة خفيّة فيّ تجلب كل الأمور التي لا أريدها وكل النهايات التي أتغاضى عن الوصول إليها، قد يكون انغماسي في عشق التجربة جعلني غير قادرة على التحكم في سير الأمور، وقد يكون اتساع قلبي الذي ما عرفت مداه إلا منذ بضعة أيام. ثمّة أشخاص لا يُشبهون الواقع، لكنهم يشبهون الطبيعة، تتلاصق جناحاتهم بجلودهم وتتشابه دموعهم في الفرح والنعي، ولهم من السعة ما يكفي قرية، هؤلاء هم الطبيعة، هؤلاء من يستحقون المحمية لا لإنّهم شارفوا على الإنقراض بل لإنّهم المشهد الأصدق، كأنّهم الغروب الدامع. الآن، أفكر في ٢٠٢٠ بكل توجّس، رغم أنني كنت أتقد حماسًا وأتقافز استعدادًا لها. فيها شيء غريب، كأنّها لعنةٌ زمنية. في ليلة بداية هذا العام، كنت أعايش تجربة جديدة، وهذا تمامًا ما اعتبره البداية، حالة جديدة من شيء لم أجربه قبلًا. لكن ماذا بعد البداية؟ لا أعرف.. لا أريد أن أتحمس كثيرًا.. الكُتب ستنقذني كما فعلت دائمًا، ولذا أشعر بالإطمئنان. أريدُ فقط أن أرتاح الآن.. تصبحون على خير.. - 250/365

249: ما بعد القشور..

لماذا تتلاقى أرواح بعيدة جدًا في مكانٍ لا يتشاركه كلاهما؟ هذه الفرص الضائعة التي تُشبه الدقائق الأخيرة من كل مباراة، غالبًا ما تجعل الحياة لعبة شيّقة، قاسية لكن تستحق أن تُعاش. عندما أعود للوراء، أعني بضع سنين للوراء عندما كنت بعدُ بشعارات رنّانة وفلسفة فارغة، أشفق على نفسي. كيف نظرتُ للأمور بكل هذا الضيق والظلم وثقل الظل، كيف قولبت كل شيء في إطار لا ثاني له، وكيف رتبت الأوراق بترتيب لا احتمالية فيه لبعثرة ريح أو نسمة هواء، كيف فعلتها بكل هذا الثبات؟! الخسارات التي توالت كانت فادحة. مواقف كانت تستحقّ مني لحظة نظر لما هو أبعد من القشرة، مواقف كانت تريد لي أن أتزحزح عن مجدي لأتمعّن سلّم الوصول لا القمة، كانت خسارات يمكن تفاديها لولا ثقتي الجوفاء في نفسي. لن توجد خسارات لو لم توجد الحياة ولولا الحياة لما وُجد الندم. الحياة سلسلة سريعة من المكاسب والخسائر ولا شيء قادر على جعلها تتوقف عن الحدوث، وهذا ما دفعني للحظات الرمادية، بعثرة الأوراق وإعادة النظر فيها، ماذا لو لم أعِد ترتيبها؟ بعض الكوارث؟ لا بأس. ففي كل الحالات ثمّة كوارث على بعد سنتيمترات من وجهك، يمكن لها أن تنفجر في أيّة لحظة...

248: هذا جبلي..

كلما مررتُ بسرير بابا ثنيت ركبتي وقبلته على جبينه. ولا أعلمُ من أين يأتيني الهلع كلما نظرتُ لوجهه النائم. أكره فكرة الهلع لأنّها تُذكرني بالوقت، الوقت الذي لن ترتاح عقاربه حتى تمرّ. بابا، يمكنني قراءة الخوف في عينيك ممتدًا على هيئة جمل تُسلّم جمل، خوفٌ مصطفّ ومتراص كصفوف الجيش الأولى، أقرأ كل ما تفكر فيه من عينيك، وأعلم أنك تحاول جاهدًا إخفاءه، لكنني ابنة الحدس، ابنة العيون الصادقة واستقيتُ ما أعرف مما علمتني دون وعي منك.  وإنه لأمر اعتيادي ملاحظة هذا الخوف، لطالما كنت قلقًا، لطالما زارك الأرق والأفكار المتلاطمة ليلًا، لطالما كنت هذا الأب الحنون الخائف، لطالما كنت هذا الرجل، لكن للمرة الأولى أرى الخوف يعلو ويعلو ويعلو. يؤذيني الحديث في هذا الأمر، لأنّك في عالمي الجبال جميعها يا بابا ولست جبلًا واحدًا، فكيف للإنسان أن يتحدث عن صدع مرئي في جباله؟! كيف؟! - 248ِ/365

247: عيون عيون عيون..

ثقبتني نظرة صادقة مغشاة بدموع ناعمة. لا أعلم لمَ تستهويني هذه العيون، لكنّها أجمل ما أراه في الإنسان، ورغم أنّها أبعد ما أبحث عنه لكنّها تأتيني بشكل دوريّ، كأنّها تتناوب عليّ، وكأنّها ما أبحث عنه في الأساس. كثيرًا ما تأخذني نظراتٌ لا يأبه بها أحد ولا يلحظها سواي، ونادرًا ما تأخذني عيون أحد، لأنّ الصدق، الحالة الرقيقة من الرأفة التي يضفيها، الدموع التي لا تُشبه الدموع لكنّها دائمًا ما تكون كأنّها جزء لا يتجزأ كالرموش والجفون، هما أفضل ما قد تحتويه عين أحدهم وروح أحدهم، وهذا ما يجعلني دائمًا ما أنظر طويلًا لعُمق الإنسان من خلال تلك المغارة الشديدة الجمال، العمق الغائص لمنتصف الكيان، البُعد الذي يصل الروح بالروح. تُسعدني قدرتي على الوصول، أعني منذ بداية رحلتي في البحث عن عيون صادقة حتى الوصول لها وتفسيرها بل ومشاركتها إذا تطلّب الأمر، لكنها تصيبني أحياناً بالحنون لأنّها تقتح النار على غرفتي المغلفة التي لها أسوار شائكة. ولا أعلم هل في الوصول وصول أم بداية لعذاب يمكن توقّع ألمّه من حيث نقف؟  - 247/365

246: حتّى قنينة الماي!

قد   تعتقد   أن   الجميع   يملك   شاعرية   مشتركة،   فتظنّ   أن   السفر   رومانسيّ،   والمغامرة   تميّز،   والحياة   لا   بأس   بها .  لكن،   كلّ   يُغني   على   ليلاه،   كلّ  يعزف   آلته   التي   يُحبها،   لا   تأخذ   تجاربك   من   أفواه   أحد،   خُذها   من   فاهك   أنت . البارحة،   قالت   لي   صديقتي   أنني   أنظر   لكل   شيء   فيما   هو   أبعد   من   ظاهره،   وكأنني   أتصل   بروحه .  وأكدّت   صديقتي   الأخرى : " حتّى   قنينة   الماي  العادية !  بِتقدري   تقدّري   كل   إشي   حتّى   قنينة   الماي !" هذه   اللحظة   التي   تُدرك   فيها   كم   تتعلم   من   الناس   ما   لا   تتعلّمه   في   الجامعات، ...

245: نعم للسفر..

إن   لقاءاتنا   الغير   متوقعة  بأ شخاص   يحملون   عيونًا   عميقة   هو   متعة   الحياة   الحقيقة،   ولأن   السفر   يغوص   في   أعماق   الروح   ويعلّمك   التفكّر   فيما هو  أبعد   من   المشاهدات   والنُصب   للتعمّق   في   القصص   المختبئة   في   الحوائط   وبين   صفوف   الناس أخرج منه كل مرّة لي قلب جديد. كل   ما   أسعى   إلبه   في   سفري   الولوج  للقصص   التي   لا   يعرف   عنها   أحد،   القصص   التي   تحمل   دفئًا   لسنين،   الوجوه   التي   تنقل   التاريخ   والهدوء   والمحبة،   أحبَ   أن   أتعمَق   جيّدًا   فيها  وهي   ما   تجعل   انتهاء   السفر   لحظة   منزوعة   السعادة  ليس  لأن   الرحلة   انتهت   بل   لأن ...

244: غروب عند البحر الميّت

‫لماذا تسير الشمس باتجاه الموت كل يوم؟ أتعجّب كيف تختلفُ هذه اللحظة من مكان لآخر كأنّها شمسٌ أخرى.  ‬ ‫أمام البحر الميّت شهدتُ غروبًا ناعمًا، وكأنّه ليس على بحر ميّت بل على بحر يعجّ بالحياة. اليومُ فقط شعرتُ أن الشمس تغيب في مكان يليق بالغروب، ورغم أنّ هذا البحر لا يليق بالموت إلّا أن الشمس تموت في البحر الميّت بألق الحياة. بألف وزهو واندماج صحراويّ بديع، هنا، شعرتُ أن بساطةً ما تسري في جسدي لها طعم الثراء الفاحش، مجرّد كيس من المقرمشات ورجلٌ أصيلٌ يعزفُ على الربابة، وفقط.‬ ‫كيف للإنسان أن يقع في حبّ الحياة أكثر وحتّى وإن شهد موتها كل يوم؟! لا أعرف.. لكنّ الحياة بديعة اليوم..‬ - 244/365

243: تدوينة تتحدّث عن نفسها في صمت..

صورة

242: ليلة 2020

هذه السنة انتهت اليوم.. ورغم أنّي أكتب التدوينة مُتأخرة لأنّ ليلة كليلة رأس السنة تكون مكتظّة، أعني مكتظّة عند الجميع سواي لأنني في العادة أقضيها على سريري الدافىء أو الأريكة الإسنفجية لكنني للمرّة الأولى تقريبًا أجرّب ليلة تُشبه ليالي رأس السنة. ثمّة روحٌ حرّة بداخلي، أعلم عنها وأعرف بوجودها منذ سنين، وكل ما أريده لها أن تسير كما كُتب لها المسير.. الحرية. كل ما نقوم به في بلادنا هو أننا نُصعّب العادي ونحوّل البديهيّات لمستحيل، هكذا يرتاحُ لنا العيش. وسأُصاب بالجنون إن لم أعرف سببًا مقنعًا لتلك التراهات التي تستدعينا لدخول حربٍ كلما هممنا بالإنزلاق لطرقٌ لا يعرف عنها الكثيرون. هذه السنة انتهت، وأنا أملك روحًا حرّة، أو على الأقل روحٌ تحاول أن تكون حرّة، تحاول ألا يطالها التحنيط، اليوم انتهت السنة التي بدأت بدايةً مزرية على أقل تقدير وانتهت نهاية تشبه كياني، هذا أنا والعام القادم لي.. - 242/365

241: ضآلتي وضالتي

يومان   متتاليان   من   اللاتدوين،   إلا   أنني   لا   أتوقف   عن   الملاحظة .  أكتب   رؤوس   أقلام   حتى  أتذكرها   عندما   أعود،   لأنني   وكما   تعرفون   من   العِشرة   التي   نشأت   بيننا   هنا،   لا   أتذكَر   شيئًا  على   الإطلاق . إنّ   علاقتي   الرديئة   بذاكرتي   جعلتني   أركض   بحثًا   عن   موبايلي   كلما   تلاقيتُ   أنا   ومعلومة  جديدة   أو   ملاحظة   استدعت   في   العقل   تساؤلًا .  النوم   بين   الجبال   يذكّرني   بضآلتي   وضالّتي، لأنّ   العالم   الكبير   يساعدني   أن   أنظر   إلى   النجوم   دون   كلل،   رغم   أن   للنجوم   مسارات   ونُظم  معروفة   إلّا   إنّها   تُفاجئني   في   كل   مرة ...