المشاركات

عرض المشاركات من سبتمبر, 2019

149: صفحة بيضاء تنظر لي..

كل ليلة، أحملق في تلك الصفحة البيضاء، وأخاف، أخاف أن تخذلني ذاكرتي، أو أن تخذلني كلماتي، أو أن ترفضني تلك الصفحة البيضاء الطاهرة لتلفح في وجهي رداءها: اذهبي أنتِ وحزنكِ وحبركِ الأسود. الوقت، عدوك الأول وصديقك الوحيد، سيقف في مواجهتك كل ليلة كذلك، سينظر لك في عينك وسيقول بحفيف خافت: " ماذا ستفعل الليلة؟ فيمَ أنتَ ماضٍ؟" أمّا أنتَ، فستحملق في تلك الصفحة البيضاء، تخاف، تخاف أن تخذلك عقارب الساعة أو حبّات الرمل أو رغبتك في الأمل، ستخاف. وبعد مرور مئة وتسعة وأربعين يوماً، أي ما يقارب أربعة أشهر أو يزيدون، أصبحتُ أخاف أكثر من ذات الصفحة البيضاء، وبتّ أسألها بصوتٍ خجول، هل تشهدين الأفكار ذاتها وكلمات بعينها دون سواها؟ هل تتكرر طرقات أصابعي بشكل ممل؟ هل مللتِ يا صفحتي البيضاء؟ وأخاف، عندما تنتهي المئتان وستة عشر يوماً المتبقية، ماذا سأفعل! أعني، ستكون رابطة عاطفية في المقام الأول ربطتني بصفحة بيضاء خالية تتحداني كل ليلة، بأشخاص يتحدّون الكسل الأول لينقروا رابط المدونة فيقرؤها، لأشخاص يتجازون الكسل والقراءة ليتركوا تعليقاً لطيفاً أو تعقيباً مُتقناً، ماذا سأفعل؟ تجاوزت، بل تجا...

148: ضعف الأطفال!

أكره حقيقة أن الأطفال كائنات ضعيفة، لا تقدر على ردّ الأذى ولا على كتم البكاء! أكره كيف يمكن للكبار أن يتحكموا في مصائرهم، وفي مقدار الألم الذي قد يسبّبوه لهم! أكره ذلك! لمَ يستضعفهم الآخرون إلى هذا الحدّ، أن يصرخوا في وجوههم بشدّة وقسوة كأنّهم ليسوا سوى انعكاسةٍ في مرآة وهم بشرٌ من لحم ودم وقلب. لمَ يضطر الأطفال لأن يعايشوا كل هذا النصيب الهائل من المصائر، والخذلان. لمَ! لا أريد أن تتلبّس المدوّنة روح صفحة الحوادث في جورنال الأهرام، ولا صفحةً من صفحات الفيسبوك التي تنشرُ وتنشرُ الأخبار، ولن أتحدث عن حادثة بعينها ولا عن بشاعةٍ بُمجملها وتفصيلها، لكنني أفكّر أحياناً أن عدم عشقي وولعي بالأطفال ناتجٌ من استصعاب فكرة ضعفهم على فهمي. ألّا أحبَهم لأنّهم ضعفاء. في كل مأساة ومن كلّ انهزامٍ مدوّي أبحثُ - حتى لو كنت جدّ منهكة- عن نقطة النور، عن منبع يبعث بلحظة سلام، لكن مع كل الطفولة المهدرة والسرمدية في اللابقاء تلك،لا أبحثُ عن نقاط النور، لا أفهمها حتى إن وجدتها، كل ما أبحثُ عنه هو الطفل، الذي انسلت وانفلت من زهو الحياة ورخائها إلى نصلها التلم الصدىء. إنّ ضُعف الأطفال ليس لنقص في عقول...

147: أسطورة بهاء سلطان..

نعم، أريد أن أكون الكاتبة المفضلة لمن يقرؤ لي ولا أفكّر كيف لي أن أكون كاتبةً مُفضّلة في العموم. أريد أن أنقشُ في قلب أحدهم زهرة ليلكيةً لا تُنسى، وإن نُسيت يظلّ عبيرها. أنا لا أريد بستاناً، فقط تلك الزهرة الليلكية ستكفيني. منذ فترة قصيرة، انتشرت مقاطع فيديو من الحفلة الأخيرة لبهاء سلطان، وهو لمن لا يعرفه مغنّي مصري، يتأرجح لونه الغنائي بين الشعبي والمعاصر، وله حنجرة مميزةٌ، ولستُ أعلمُ تحديداً أهي بحّة أم تميّز أزليّ في الأحبال الصوتيّة! بداياتُ تألقه كانت في أواخر التسعينيات، أما الآن، وبعد تسعة عشر عاماً من بداية الألفية الجديدة لم يعد بهاء على الساحة سوى بمخزونه الفنيّ القديم، " الواد قلبه بيوجعه" و " قوم اقف وإنتَ بتكلمني" و " يا ترى"، " أنا مصمّم" و " ميّة ميّة " التي لا تفشل يوماً في خلق الحماسة داخلي. وهذا ما يظنّه بهاء، لكنه ليس ما نظنّه نحن، على الأغلب كل من سمعه يوماً ارتبط بصوته، وحتى وإن لم يرتبط بصوته فهو لم يتجاهل خامته الجميلة التي تشبه الناي أحياناً وأحياناً أخرى تبدو كقفزات سلسة على صفحة الماء. إنّ بهاء سلطان الذي...

146: المشاركة ليست للجميع..

أفضّل أن أتشارك أفكاري مع من أريد لهم أن يشاركوني خاصتهم، لكنّ المشاركة في المجمل قد تصيبك بالإحباط، والحزن الشديد. " فيلمي المفضّل اسمه كذا " لكنّك لم تشاهده، إلى الآن! هل يمكن للزمن أن يعود بأي هيئة أَحَبها حتّى أسحب تلك المشاركة التي لا يستحقها صاحبها. فشلي، أتشاركه مع هؤلاء الذين يحبونني من كامل فؤادهم، حتى وإن كان على مضض، لكنني لا أخاف من مشاركتهم إيّاه، لأنّهم لا يجعلونه قصة فشل، يجعلونه قصة تُحكى، في جلسة سمر، في ليلة ما، ونحنُ نعدّ إنجازاتنا. أحاول أن أتعايش مع حقيقة أنني أشتاق إلى النجاح، لوجع معدتي واضطراب أمعائي قبل نتيجة مهمة، أو لقاء مُنتظر، لدربكةٍ في النوم وتواترٌ في المزاج العام، أشتاقُ لمشاركة النجاح، لرفع سماعة الهاتف وفي قلبي ألف عصفور يطير، أشتاقُ لتلك اللحظة كثيراً لا للسعادةُ الكبرى التي تحتويها بل لأنها مسكّناتُ الأيام المُتعِبة ورفأُ الأيام المثقّبَة. ثم أتعايش مجدداً مع حقيقة أنني لن أكسب دائماً، لن أصل دائماً، لن أنجح دائماً، وكل ما سيبقى لي هو ما شاركته مع من استحقوا لحظة المشاركة الجميلة تلك. كلحظة نتشارك فيها سماعات الأذن لنسمع الم...

145: اعتذار

في يومي الـ ١٤٥ انفلتت مني تدوينة في عالم الأحلام ولم أستطع التقاطها.. أعتذر - 145/365

144: "اسمعينا يا حكومة"

الحكومة، الحكومة، هناك أيضاً يتحدثون عن الحكومة، في التلفاز لا أسمع إلا كلمة الحكومة، في أيّ بلد يتذرّعون بالحكومة. الحكومة كلمة، الحكومة تعبير ضمنيّ، تعبيرٌ غريب، الحكومة نعم، الحكومة! يا لشناعة المصير الذي يعتمد على الحكومة! ولو كان قانون الكون شخصيّ بشكلٍ فرديّ لكنّا اخترنا كلٌّ حياته وأصبح حكومة نفسه، لكن تلك نظرة بلهاء لأنّ البشر مثيرون للشفقة ويملكون من الشيطان ما يملكون من الله، يملكون من الشرّ ما يملكون من الخير، ويملكون من الخوف باعاً كبيراً هذا إن لم يملكوا من الهلع باعاً أكبر. سنتحول لوحوش ضارية ولما هو أكثر مسالمة ونقاءً من الملائكة، ولن يكون العالم قابلاً للعيش فيه! ويكأنه قابل للحياة الآن! لكن صدقاً ماذا تفعل الحكومة! ولمَ تدججت رؤوسنا بهذه الكلمة منذ نعومة أظافرنا! ولمَ عُلقّت الآمال جميعها عليها وكأنها روح وجسد وضمير؟ لمَ؟ تتردد الكلمة أينما ذهبت، في البيت، في الشارع، في طابور السوبرماركت - إن كنا محظوظين كفاية لمعايشة طابور ما في مصر-، في المدرسة، في غرف التمريض وعلى أسرّة المرضى، على البحر، في التاكسي، بين الأصدقاء سواء قالوها صريحة أو خبّؤوها في الكلام والنكات،...

143: سذاجة التفاؤل..

محاولاتنا المستميتة للتفاؤل ساذجة، فعندما نشعر بالحزن ندعو أنفسنا المنهكة للتفاؤل، وعندما نشعر باليأس ندعو أنفسنا المحبطة للتفاؤل، وعندما نشعر بالخوف ندعو أنفسنا الجازعة للتفاؤل، وعندما نشعر بالسعادة ندعو أنفسنا الهائمة للتفاؤل أكثر، وعندما تتحطم آمالٌ لنا ندعو أنفسنا المنكسرة للتفاؤل، وعندما يصيبنا الملل ندعو أنفسنا الحانقة للتفاؤل، وعندما يموت أحدهم نسعى للتفاؤل وكأنّه مسعىً نبيل وطوق نجاة. في المراهقة، كنتُ أرى في التفاؤل لمسة سحرية، ياقوتة في تاج الأمير، لؤلؤة في محارة غارقة في الأعماق. أشياء كثيرة مبهرة كانت معلّقة على هذا المفهوم الهشّ، إلى أن استمرت السنين في المضيّ، حتى رأيتُ في التفاؤل محاولة وليست مسعى، محاولة ساذجة، محاولةٌ تلبس عباءة " التنمية البشرية " التي لا تفلح في أغلب الأوقات، ولم أعد أشعر أنني بحاجة للوصول إليها.  أنا لا أحتاج إلى التفاؤل، أنا أحتاج إلى الرضا، أحتاجُ لأنْ أثق في الخطة الكبرى التي وضعت لي، في احتمالية الخسارة الموازية لاحتمالية المكسب، وأنني على بعد شبر من كلاهما، أحتاج لأن ألملم شتاتي كلما فقدت التركيز وانغمستُ في حيوات الناس أكثر من ا...

142: أن تعرف، فتلك منتصف المسافة..

مرّت أيام كثيرات دون أن أُمسك كتاباً مما جعل الأمر يبدو كالهجران. البارحة، كان يجب أن أكتب التدوينة مبكراً لأنام، لكنني نمت مبكراً قبل أن أكتبها.  في كل ليلة، أفكر. كيفَ ولمَ تداعت الأمور إلى هذا الحدّ! إلى الحدّ الذي جعلني أشعر بكل هذه الشوشرة بداخلي. لكنني قطعتُ شوطاً كبيراً في خضمّ هذه الحرب، عرفتُ مصدر الشوشرة، عرفتُ لمَ ينعصر قلبي كثيراً، وتتحول الرؤية ضبابية في عزّ الظهر. عرفتُ وتلك منتصف المسافة إن لم تكن أكثرها. لكن كل ما يحتاجه الأمرُ منّي، شجاعة الإعتراف بما عرفته، شجاعة الخطوة الأولى، شجاعة مواجهة الخسارة الحتمية، و شجاعة الإنهيار. يجب عليّ الآن أن أترك الكتابة لإنّ في هذه الغرفة المكتومة بالغبار والأدوية، استدعاءٌ سريع، لإنّ مئاتاً من البشر يتمهرون الآن أمام شباكٍ صغير ليأخذوا علاجهم من فم الدولة التائهة.  صباح الخير.. - 142/365

141: وتستمرّ الحياة..

كيف تستمر الحياة بكل سلاسة في كلّ مرة ظننت فيها أنّها ستتوقف بعدها؟ كيف تستمرّ الحياة بكل هذا البرود والجمود؟ ألأنّها أكبر من كل وأي شيئ نحبه؟ أم لأنّها ولا شيء مما نحبّه فلا نعبءُ لها ؟ في اليوم التالي لخسارتك، ستسير الأقدام في الشارع بكامل سرعتها، وستتسارع الغيمات في السماء لتبخّر الأشكال الوهمية التي تصنعها، وستزقزق العصافير ككل صباح بذات السعادة والنشاط. ستستمر رحلات المترو، ستشرق الشمس وبعد ساعات ستغرب من مكانها، سيتزوج من كان عرسهم اليوم، وسيولد من كان شجاعاً بما يكفي ليطأ الدنيا، سيتنفس الرجل الذي يجلس أمامك وستشتمّ رائحة طبيخٍ شهيَ متسلّل من شباك جارتك. لا شيء يقف، ولا حتى ينتظر بشكل مؤقت، فالأمور كلها مستمرة في الخطو، بل السير، بل الهرولة ، بل الركض خلفك، وأنتَ، مثقلٌ بالخسارة أو طائر من السعادة. - 141/365

140: المخرج بس يقول " أكشن"..

لا نريدُ آمالاً كاذبة، كفانا ما جنينا على رؤوسنا في الماضي. إنّ هذا المذاق المعسول الذي نعرفه تمام المعرفة هو المذاق الحقيقيّ للمرارة، المرارة التي تبدأ ولا تنتهي أبداً. في كلّ مرّة فكّرنا أو تمنينا أن تكون تلك النهاية، تكون تلك بدايةٌ لنهاية أخرى، كأن الأمل سكينٌ مسمومة، قد نشفى من السمّ لكن للأمل طعنةٌ عميقةٌ في الجسد، لا أرى منها شفاء!  وأخشى عزيزي القارىء أنّ المأساة الحقيقية ليست في الأمل، بل في اللُعبة، في أن تكون عروسة ماريونت ليدٍ مجهولة لكنها موجودة بالفعل، تدرسك وتحركك على هواها، أن تعتقد أنّك صاحب القرار لكنّك " صاحب صاحبه" أو " ابن صاحبه" المهم أنك لست صاحبه، ولا تملك تلك الرفاهية، وربما لن تملكها أبداً. بالعودة للتاريخ القريب، والذي يمكنك استرجاعه من مشاهدتك له بأمّ عينيك، أن تعرف أين تقع الفجوة، الفراغ الذي دائماً ما يبتلعنا ليأخذنا باتجاه الجحيم لا النعيم. ثمّ إنّ بالذاكرة المُستحضرة يمكنك أن تدرك إلى أيّ مدى يمكن للمخرج أن يتركك تتمادى على مسرحه -الذي لا يُعتبر مسرحه من الأساس- ليجعلك تؤمن أن لك دوراً إبداعياً تشاركيّاً، وأنّك تملك مساحةً من ال...

139: العبث المُطلق..

في العبث المطبق المطلق، تماماً كالأيام التي نعيشها الآن، ألتزمُ الصمت إن لم أملك كلِماً نافعاً! ولستُ متأكدة إن كان ينفع الصمت الآن، لكنني لا أصدّق أحداً ولا شيئاً مما يدور حولي على النطاق الوطنيّ الواسع ولا أملك كلماً نافعاً كذلك، فعلامَ الكلام إذاً؟! البارحة، كنت أفكّر في سلمى زايد عبدالرحمن وفي ماجد حسن، لمَ انتهى بهم الحال إلى اللحظة التي يندفع فيها عنفوانها وشجنها كغزالة عمياء لا تُدرك الخطر المحيط بها فيقابلها تجاهلٌ أو ؟ لمَ انتهى بهم الحالُ وهم كانوا بعدُ في الحال بخير ومعاً؟ والأهمّ من كلّ ذلك لمَ يطوّق العبثُ على رسائلهم لهذا الحدّ؟ وأتساؤل بكامل كياني كيف ستؤول لهم الأمور، لكن لتستمرُ الرسائل بينهم ما رغبوا، علّهم يُدركوا كم بعيدة هي رحلة الوصول إلى الذات وكم تستحق العناء وكم نادرة هي لحظة اكتشاف الحبّ وكم رديئة هي لحظة تجاهله! وعلى هامش سلمى وماجد، ما تعريف الكلام الآن؟ هل هو مشاركة في العبث أم لحظة إنقاذ منه؟ لا أدري.. - تدوينة اليوم شِبه عبثية، لأنني أشعرُ أن عقلي مرهق كما قبلي، كلاهما ينهاران معاً، فأردتُ أن أستجمع تركيزي لكن على ما يبدو لستُ أنجح جيد...

138: رسالة عائدة..

يا سلمى!  أتكتبين من باريس! وأنا الذي تركتك آخر مرّة في العراق في إحدي مقاهي بغداد، تتكئين على الشبّاك الخشبي الموازي لكرسيكِ، تُثبّتين شعرك بطوق مغطىً بستانٍ ناعم، وتتمايلين بنظراتك على  وجوه الناس . يبدو أن باريس كانت قفزة سريعة، أعني لم أتخيّل أن تلفّ بكِ الحياة هكذا في أقل من شهر. احكِ لي عنك وعن حالك؟ كيف باريس والحياة فيها؟ كيف وصلتِ إلى هذا المكان يا سلمى بربّك؟  هل أنتِ بخير؟ أمي تأكل العشاء معي كل ليلة، تعرفينها، لا ترتاح إلا بمشاركة الطعام، كأنّها تقتسم من المحبّة التي في فؤادها كأنّها تقتسم من رغيف الخبز. أما عن أبي، فهو يجلس طويلاً كما عهدتيه على كرسيه الهزاز أمام شباكه المُفضلّ. لاحظنا مؤخراً عصفور لها لون غريب، تقترب من النافذة كأنّها تحاوره، فعلمنا أن في الأمر معجزة كما تعلمين، معجزة أن يتفاهم عصفور ورجل، ومعجزة ألّا يملّ رجل من التكرارية في زقزقته . اعذريني، هكذا انحاز القلم ضدّي فلم أرد لنفسي المقاومة، فكتبتُ ما كُتب في البداية دونما شطب ولا رغبةٍ في تنحيته على هامش الرسالة وأعلم أنني أرسل جواباً لا ارتباط بينه والسؤال، لكنني سأرسله على كل الأحوا...

137: نصّ رسالة..

" كان اكتشافاً خطيراً، في اللحظة التي أدركت فيها أنّك حبّ حياتي، تهاوى العالم حولي واندثر.آه كم كان ذلك اكتشافاً خطيراً وكارثياً!". هكذا أردتُ أن أبدأ لك رسالتي، لكنني قررت أن أدّعي، أو أن أستمرّ في ادّعائي، وأن ينتهي بي الحال كما الآن، أحمل طاقة عُظمى بين أضلعي، لكنها ستؤول بي إلى إعصار إذا واجهت النور لذا أُطبق عليها. فقررتُ أن أبدأ رسالتي بـ :" مرحباً، كيف الأحوال؟ أين تقع أراضيك وأنّا لنَا أن نرضيك فتبتسم وتبتسم لنا الدنيا!" عزيزتك.. سلمى زايد عبدالرحمن باريس ١٧/٩/٢٠١٩ - 137/365

136: سؤالٌ واحد..

ماذا تفعل عندما تضلّ طريقك نحو نفسك، كأنّك عالق في متاهة، لا أنتَ عارفٌ بطريق الوصول ولا أنتَ جامعٌ لطريق العودة؟  - 136/365

135: الغريبة التي بكت..

ليتني تجاوزت ترددي وخوفي وحيائي الذي لا داعي له وذهبت لها لأسألها: " في إيه بس؟" ليتني لم أستسلم لمفاجئة المشهد ولا لضعفي أمام بكائها، ليتني! وأنا لا أحبّ الندم، بيد أنني أشعر أنه يأخدني معه لعالمه البعيد المظلم ويشدّني من أطراف أصابعي على رمال اليأس والملامة. لا أريد أن أنقاد معه، أريد أن أصرخ في وجه الزمن لكي يعيد نفسه، هذه اللحظة فقط يا أيّها الوقت، هذه اللحظة. لأعود، لتلك المرأة البائسة بوجهها الجميل المعالم الذي علاه الحزن حتى أجهده، سأعود لها لأشاركها المسير في طرقات المشفى الحزينة، والتي تزداد حزناً بعد غروب الشمس الحارّة. في أقل من الدقيقة، تلاطمتني الأفكار كأنني قارب صغير في عرض البحر يواجه أمواجه العاتية بمفرده، ودخت في دوامة ابتلعتني ما بين : أأكلّمها؟ أم أتركها لحالها؟ كنت خائفة، علّها لا تقدر على محادثة أحد الآن وتريد أن تستفرد بكسرة قلبها لتبكي على راحتها. لم أستطع أن أحدد كيف كان شعورها، فتركتها تختفي من ممر المشفى دون أن أنبس ببنت كلمة. رمقتها نظرةَ " هل الوضع مأساوي؟ " لكنّها لم تردّ جواباً بعينيها. كانتْ منهمكةً في البكاء المُتعَب الوحيد كأنّه...

134: ما بين سوء منهم وسوء إليهم!

إنّ أكثر ما يصيب الإنسان في مقتل، أهل بيته. أن سوءاً يمسّهم فيمسّك ضعفه، أو أن سوءاً يمسّك منهم، فتهلك. ولا يسهُل عليّ تخيّل الحياة ومزاولتها بكل سلاسة بينما سوءٌ من كليهما قد يصيب الإنسان ويتغلل به إلى حزن عميق، فماذا يفعل الإنسانُ بنفسه لينجو بها من الخوض في أيّما حزن أو لينجو بعها بعده! عندما كنت ابنة الضفائر المنتظمة والجرابات الطويلة ذي النهايات المزركشة، كنت أقف في وجه كلّ من يحاول التعدّي على أخواتي، بكلمة أو بنظرة أو حتى بمزاح ثقيل، حتى أنني كنت أقف في وجه أبي إذا رفع صوته أو " الشبشب"، وكان يضحك عليّ فيقول " يا مفعوصة، هتعملي عليّ محامي العيلة"، أقول بكل شغب: " نعم! أنا محامي العيلة، أفندم!". رغم أني لم أستسغ المحاماة يوماً ولم أشتهي روبها الأسود ذاك، إلى أنني كنت أقف في وجه الجميع من منطلق الحماية المطلقة، هؤلاء أهل بيتي، لا أتحمّل لهم أذىً مهما بدا تافهاً. تقول عمتي عندما ماتت أمّها: " الحياة كان فيها حاجة، بس فجأة مبقاش، كإنّ طعمها بقى ماسخ أو لونها بهت، حاجة كده مخلية الأيام مش ماشية"، وكان لعمتي باع عريض من العشق المتبادل وصدق ...

133: عن أشياء مبعثرة..

لماذا ينتهي يوم الإجازة سريعاً؟ لا يحدث الكثير فيه على العموم، يكفي أن يكون هادئاً. ولا أعلم إن كانت علامات الشيخوخة تقتضي ملازمة المنزل وعدم وضع خطط لقضاء الإجازة أم تلك أنا فحسب، بتّ أسعى للهدوء أكثر من سعيي للحظات الظفر أو الإنجاز. أقرأُ نجيب محفوظ هذه الأيام، ولعجائبية هذا الرجل يتصاعد حبّي له يوماً بعد يوم، سطراً يلي سطر، هذا الرجلُ الذي يملك هبة قنص حكايا المجتمع من بين البشر الماريّن هنا وهناك، من بين الكراسي المتراصة على القهوة ومن بين أصابع المتحابين المتشابكة. يمكنه قطع شرائح كاملة من المجتمع بأزمانها المختلفة وعرضها أمامك كأنّك تشاهدها على شاشة عرض. مُعجمه اللغوي فذّ، وحكاياه دائماً ما تكون غنيّة بأمرٍ ما، أمرٌ مصريٌّ أصيل. غداً، سأذهب للعمل من جديد، الحياة تُعاد، وليس في ذلك بالضرورة ملل، إن كانت تُعاد بهيئتها التي أحبّ. على كل حال، كنت أفكّر اليوم أنه يجب عليّ التوقف عن الكتابة قليلاً حتى يصبح ما أنتجه يومياً ليس على هذا القدر من السلبية والحزن، أو لأكون أكثر دقة، يجب عليّ التوقف عن " نشر " الكتابة وليس  الكتابة نفسها. أفكّر لكن لم تواتيني الشجاعة بعد للإقرا...

132: مولد فتاةٍ جديدة

إنّ الأيام التي نستيقظ فيها بالقليل من الأمل لهي أيام تستحقّ التقدير. وأريدُ بالفعل أن أبدأ بالتركيز على كل ما يؤرقني لأحله بالتدريج، واحدةً تلو الأخرى. أحاول ألّا أقع تحت طائلة الأحزان ورحمة الأرق أكثر من ذلك، فلمَ أتركُ العمر، الذي هو عمري، ليتآكل ويتآكل كأنه عمر من حديد صدىء في مواجهة الريح!؟ البارحة بدأتُ رحلة العلاج الذاتيّ، لبست ملابساً جديدة وحاولتُ التأنق، بلا مساحيق تجميل ولا الكثير من المبالغة، جلبتُ وروداً لصديقتي فجلبت لي وروداً، أكلنا سويّاً البان كيك وتسامرنا، خرجت بعيداً عن قوقعتي قليلاً، نسّم في الجوّ بدايات الشتاء الغالي، فتعانق هو وطرف فستاني، البارحة ترك لي أحدهم تعليقاً على التدوينة قائلاً: " توقف عن تصدير حزنك للعالم فلن يأبه أحدٌ لك "، وفي الجملة مواساة وعتاب رغم أن موقعها من التدوينة السابقة ليس كذلك، لكنني فضّلت أن أعتبرها رسالةً لي، أنا التي أحاول عبثاً أن أمثّل على نفسي كما الآخرين أن الحزن ليس كبيراً، وجب عليّ الآن أتوقف عن التمثيل، وعن الحزن إن استطعت لذلك سبيلاً وعن تصدير كلاهما. الشهر القادم، عيد ميلادي، أحاول أن أتخيّل أنه عيد ميلاد مميز، ك...

131: كلّه بيعدّي..

في العمل الحكومي، تتحول لشخص مثخن بالحكايا البائسة المُخبأة خلف وجوه ضاحكةٍ وصوت واثقٌ عالي. فاليوم مثلاً، كنا نجلس أنا وامرأة تبدو عليها ملامحُ قوّةٍ فجّة رغم نعومة قسمات وجهها وغمازتها الرقيقة، وبرغم شرارة الصلابة المنبعثة من عينيها إلّا أنّها امرأةٌ ذات باع عظيم من الفقدان، فخسرت ابنتها في حضّانة مستشفى خاص بسبب خطأ طبيّ، ثم بعدها زوجها بخطأ طبيّ كذلك! تقول ذلك ولم تدمع عيناها حتّى، تلك المرأة التي تقف في مواجهة الحياة تعمل كموظفةٍ حكومية لتعول بيتها وعائلتها دون أن يبدو عليها بؤسٌ حياتيّ سرمديّ.  لي صديق عزيز، تسقط الدنيا على كتفيه، وترتفع الجبال وتنشق بحور دنياه لكنّه يتقن الإدعاء بأنّ الوضع " ماشي حاله" والحمدلله على كل حال. متى ما حادثته ردّ كأنّه في يومه المثاليّ، متى ما لجأت إليه ربّت على كتفي وقال لا تحزني، لا شيء يدوم! في خضمّ المعركة، يمسك منديله ليمسح عني الأذى. يقف الكتاب ممسكاً بيدي في كل الأوقات، لا يهمه كيف تبدو يدي ولا يهمه كيف تكون حالتي، يمكنني أن أؤرق سلامه اليوميّ وأحركه من الرفّ لأي مكانٍ أريده، قد أنساه أحياناً في حقيبتي لأنني أردتُ أن أحمله معي ف...

130: جدوى الحياة..

فقدتُ جدوى الحياة حتّى أنّ قناة ما على التلفاز تعلّق بثّها ولم أتجرأ على مد يدي ربع شبر للوصول لجهاز الريموت. كل هذا ليس نوعاً من أنواع المعجزات التي تحدثُ فتفقد الحياة معناها، بل هي سلسلة متتابعة من اختياراتٍ بائسة واستسلام وخسارة ووحدة، ما تؤول إليه الأمور في نهاية الأمر هي أمور تصنعها بيديك، أو حتى تشارك في صناعتها دون وعي منك لضخامة ما تصنع. ولذلك دائماً ما أحبّ أن أفكر في جملة " اللهم اصنعني على عينك "، فأشعر أن رابطةً ما بيني وبين الله ترعاني حتى وإن انفلت منّي كل الوعي أو حسن الإختيار. في أيام الطمث، تزداد الحياة فقداً للمعنى، أعني ما جدوى كل هذا الهراء! يكون الألم قاسياً، حتى أنّه يتشعّب داخل حدود الجسد، لا الظهر يبقى ظهراً يُستند عليه، ولا الأرجل تحملني. ثمّة آلامٌ لا يمكن وصفها، الطمث إحداهم، تخيل معايشة فكرة أنّك تنزف دماً على الدوام لمدة ٧ أيام مثلاً وخلال ذلك تؤدي مهامك اليومية جميعها وأحياناً تمارس رفاهياتك الإعتيادية، دون أن يشعر أحد ممن تعرفهم أنك تنزف. كل ذلك يحدث ببساطة، وبشكل شهريّ، دون الكثير من العواء والنحيب. إن الدورة الشهرية لا تُسهّل الحياة كثيرا...

129: “ بياكل رزّ مع الملايكة "

أصبح النومُ زائراً ثقيلاً ومفاجئاً، ورغم أنّي البارحة رأيتُ ما من الممكن له أن يحدث وهو النوم دون الإنتهاء من كتابة التدوينة إلا أنني لم أستطع منعه. وبعد أنا غافلني النوم في لحظات عديدة وأنا أسوق في طريق العودة، وبرحمة الله وصلت، إلا أنني عندما عُدت، أغمضت عيني وسافرت، أو كما تقول جدتي: " أكلت رزّ مع الملايكة". عندما كنت طفلة دائماً ما استثارت هذه الجملة فضولي، أعني ظللت أفكّر كيف لمشهدٍ كهذا أن يتحوّل لحقيقة: أنا والملائكة نجلس سوياً على طاولة واحدة نأكل الرز! لكن كيف لأول شخص اخترع هذا الوصف من أن بقوله بصوتٍ عالٍ دون أن يخاف أن يُتّهم بالتكفير أو ازدراء الذات الإلهية وعالم ما وراء الغيبيات! كيف فكّر في المشهد ولمَ اختار الرزّ تحديداً! ولو كان ذلك حقيقاً فمن رآه قبلاً!  - 129/365

128: لقمةٌ مُستساغة

أظنّ أنني بحاجة للإبتعاد، بكل ما أوتيت من قوىً متبقية في عظامي، عليّ الإبتعاد، وأن أندفع بإتجاه العودة إلى الخارج لأن الداخل متورطٌ بشدّة ولأنني لا أجيد الضحك على الذات ولا لعبة الإدعاءات الغبية. من أنا؟! والله لا أعرفني. مسخٌ لا هويّة لها ولا مبادىء؟ كتلةٌ من جروح متتابعة لم تُشفى بعد ولم يتوقف نزيفها؟ من أنا؟ بتّ لا أتعرّف على ملامحي حتّى كأنني قطعة لزجةٌ من الصلصال، كأنني أجبن من أن أواجه صورتي في المرآة، أجبن من أن أواجه مأساتي، أجبن من أن أصرخ في وجه ذاتي. بين كل عام وآخر، تنتابني حالة من الخمول تجاه العالم، حتّى تجاه من أحبّهم جميعاً، لا أحبّ أن أرى أحداً ولا أسمع من أحد، انفجارٌ مدوّي في الكون المحيط بسلامي النفسي، تخبّط وتذبذبٌ كأنني إلكترون غير مستقرّ. رحلة عصيبة من البحث عن الذات لكنني دائماً ما كنت أصل، أما الآن فلا قدرة لي حتى على الهرب! من أين جئتُ بهذا الحزن! من أين!! أقول في قرارة نفسي أنني لا أسامح كل من كان زاداً لهذا الحزن، ثم أتراجع وألوم على نفسي معاتبة من لم يعووا حجم المأساة أو حتّى نسووا أصلها. ولا أعلم أيّ الأمرين أصح، المسامحة أم اللامسامحة؟ وأعود...

127: تدوينةٌ لم تكتمل..

“أخبرونا أننا واقعون في الحبّ، ونحن الواقعون في الحبّ حتى ثمالته، لم نلاحظ بعد. ظننا تلك السكرة من كؤوسنا الفارغة، أو من شدة التورط، أو التعلّق، لكن لم نتخيل أننا وقعنا في الخدعة الصادقة التي تُسمى الحبّ.” كان هذا ما كتبته ليلة أمس قبل أن يُغشى عليّ في نومٍ عميق لم أتهيّىء له. هكذا فقط كنت أستند إلى سريري في حدود الحادية عشر مساءً، ثمّ فجأةً وجدتُ عقرب الساعة على السابعة صباحاً.  مرّت تدوينة البارحة دون أن تكتمل..  - 127/365

126: بالعاميّة

للمرة الأولى بعد ١٢٥ يوم/تدوينة أحسّ إنّي عايزة أكتب التدوينة بالعاميّة، فهعمل كده. رحلة الـ٣٦٥ يوم كتابة هي رحلة حُرّة، مفيهاش أحمال وملهاش قواعد أو قوانين، هي سكّة بدأتها لنفسي وبنفسي، وهكمّلها على نفس الشاكلة. وكنت متصورة إنّ بوصولي للرقم ده من التدوينات، هيكون في شريحة أعرض من الناس وصلت معايا، وبدأت تقرأ تباعاً، بس الحقيقة الواقع أهدى من الأحلام، أهدى وأكثر مُسالمة، لإنّ بوصولي للرقم ده من التدوينات مفيش حاجات كتير اتغيّرت غير إنّي اكتشفت إنّي بعرف ألتزم بحاجة بعد ما كنت فاكراني هوجاء وعشوائية وماليش في الإلتزامات إلا لو حدّ زنقني في ديدلاين. في الحياة وقت هتحسّ فيه إنّك فقدت اهتمامك بالإهتمام المُفرط، وإنّك بقدر بسيط من الإهتمام بتحسّ بالإكتفاء والسعادة وساعات ساعات الرضا. ومش بتحسّ كده لإنّ سقف طموحاتك قلّ، وإنّك بقيت بترضى بقليلك عشان مبقاش فيه كتيرك أصلاً، بالعكس، بتحسّ كده عشان بتكتشف إنّ الكتير في أغلب الوقت قليّل، وإنّه مش بيحسسك بالرضا ولا حاجة، وإنّه تعسيف مش دلال، وإنّ الكتير الكتير شيء بيجزّع مش بيكفي، فبتدأ تستطعم الحاجات البسيطة، أو اللي على قدّك، أو اللي مش متشع...

125: " ماذا لو " والرغبة في الحياة

انعدامُ الرغبة في الحياة شيءٌ مزري، خصيصاً إن كنت تنوي الإستمرار فيها. وإن الخوضَ في الحياة بكل ما تحمله لا يقلّ ألماً عن الولادة، فكأننا نلد الكَبَد أو هو يلدنا. ثمّ مع كل ذلك، تكتسب الحياةُ معنىً، أو شبه معنى، عندما يتهيىء في ذهنك شكل الخاتمة، أعني مُجرد أن يكون هناك خاتمة في الأساس، لحظة وصول في نهاية الأمر بعد كل هذا الضياع، لحظة انتصار بعد كل هذا الحطام، لحظةُ حقّ بعد كل هذا الظلم، تكتسبُ الحياةُ ميزةً إضافية. لكن.. ماذا لو لم يكن هناك خاتمة؟ وظلّت الحياة كتاباً مفتوحاً، قصّة عائمةً بعد رحلات الصعود والهبوط المتتابعة، ماذا لو لم تكن الحياة دائرة حيث بدأت من نقطة وستنتهي لها، وكانت مجرد موجات متتابعة، بدأت من نقطة لكنها لا تعود لها أبداً، قد تقارب النقطة وقد تلتقي صورتها على محاور أخرى، لكنّها لا تعود للنقطة ذاتها مطلقاً؟ ماذا لو؟ تساؤلات كثيرة قد تنهش فيهم كلمتان " ماذا لو؟ "، لكن في التساؤلات حتماً سبيل أجوبة. فمن لا يسأل، لا يعرف، ولا يصل. ما يحدث حولنا يؤجج في النفس " ماذا لو؟" بكثرة، ويفقدنا الرغبة في الحياة فعلاً، فمن أين لنا بوقود يومنا؟ من أين؟ ...

124: لا تأتِ متأخراً، ولا تأتِ مُطلقاً!

هل "أنْ تأتيَ متأخراً أفضل من ألا تأتي مُطلقاً" أم " أن تأتي متأخراً كأنك لم تأتِ مطلقاً"؟! تظلّ المفارقة بين التأخير وعدم الوصول أزليّة، لإنّ الإنتظار قائمٌ على أيّة حال؛ فهل نحنُ ننتظر لأنّ من سيصل تأخر فحسب، أم ننتظر هباءً لأنّ لا أحد سيأتي في نهاية الأمر. في الإنتظار، جمرُ براكينٍ متأججة تنطفىء وتبرد، اشتهاءٌ مجنون يتحول لشبه رغبة أو حتى رغبة خامدة، وهجٌ في العيون كبريق رمل أبيض يغدو غامضاً كفحم كربونيّ. في الإنتظار كل شيء يحدث، كل شيء يحدث إلا ما يجب عليه أن يحدث. التوقيت مُهم، لأنّه كاتّساع الخطوة، إمّا سيوصلك لوجهتك كما أردت، أو سيجعلك تتقهقر عنها حتى تنسى كيف السبيل إليها.  في البداية، سيأتي الكثيرون متأخرين، ستسمح لهم بالعودة، ستفتح بابك اللين هذا على مصراعيه، وستقول لهم لا بأس. في البداية سيبدو الأمر مبرراً ومفهوماً ومحتملاً. في النهاية، سيأتي المتأخرون لكنّك ستشعر كما لو أنهم لم يأتوا، كما لو أنّهم لم يمرّوا من هنا ونسى الطريق شكل أحذيتهم ورائحة عطرهم. في النهاية ستكون اللامبالاة وعدم الإكتراث كلمة السرّ ولن يظلّ الأمر لا مُبرراً ولا مفهوماً ولا ...

123: خلّد يومك..

في الأول من يناير لعام ٢٠١٧ كتبتُ أول صفحة في مذكّراتي اليومية، على ما أتذكّر كنت ما زلتُ في سنتي الأخيرة من الجامعة واشتريتُ أجندة سنويّة في الأيام الأخيرة من ديسمبر لعام ٢٠١٦ فأردتُ أن أبدأ في استخدامها بشكلٍ ما، فبدأتُ في التدوين. حينها لم أكن أُدرك قيمة ما أقدّمه لنفسي، أنا لستُ شخصاً يُذكر، ولم يكن لبّ التدوين في تخليد الشخص بل الذكريات. أنا، أنسى. أنسى كثيراً. أنسى الأحداث والتفاصيل، وتختلط عليّ التواريخ والمشاهد، ويغيب عن خاطري كيف شعرتُ في لحظة ما وما الذي أدّى بي لهذا الشعور وذاك. أنسـى بشدّة، وكأنني كل فترة أولد من جديد. لكنني لا أنسى الوجوه، أنسى أساميهم نعم، لكن وجوههم تُطبع في الذاكرة. داومتُ على الكتابة بشكلٍ صارمٍ ومقرّب لقلبي، كل ليلة، بعد يوم جامعي مُنهِك، وأنا على سريري المهترىء الذي ظلّ يإزّ طوال الثلاث سنين التي عرفته فيهم، أضيء كشّاف الموبايل وأكتبُ. ثم أنام. هكذا استمرّ الأمر حتى توقفت في الفترة التي كان يجب لزاماً عليّ ألا ينفلت من يدي القلم والأجندة، كانت تلك الأيام التي زُرت فيها تونس لشهر، ولشدة انهماكي في التجربة وانتهاك ساعتي البيولوجية كنت أنهار جسدياً أ...

122: هوانٌ بشريّ وآلامٌ ممكنة

نزلة برد تثيرُ في النفس الضعف، وترجّ الجسد برداً في عزّ قيظ شمس الظهيرة. يا للضعف البشري، ويا لضعفي! على عكس عادتي وما أحسب صحتي عليه، فقد أصابني برد الصيف مرتين في شهر واحد وأنا في العادة لا أصاب به إلا مرتان في السنة، مرة للشتاء ومرة للصيف. وأنت تعلم عزيزي القارىء كم ثمينة هي اللحظة التي تفقد فيها أموراً يومية واعتيادية لتدرك كم كانت هائلة الحجم ومؤثرة. كألّا تحتاج أن تتمخّط بمعدل عشر مرات في الدقيقة، أو أن تستمتع بالهواء البارد القادم من التكييف دون أن تشعر أن أجزاءً من جسدك ستنفلت منك من شدة الإرتعاش، أو ألا تسير تحت الشمس الحارقة بينما جسدك يعجّ ببرد كامن، أو أن يكون الركوع والسجود أمور سهلة، وحتى بلع الريق. ولأنني أعمل في مشفى، أشعر بأنني محاطةٌ بالعدوى طوال الوقت، وعلى الأغلب أصاب بها بالفعل، لكنني أرى، هؤلاء الذي يسيرون بالقسطرة تتدلى من جانب أرجلهم مغطّيين أنفسهم بوشاح أبيض كبير لرفع الحرج عن أنفسهم وعن الآخرين، أرى هؤلاء الذين لا يملكون حتى أن يشتروا شاشاً أو قطناً من صيدلية بالخارج، فيكتفون بما تحصّلوا عليه ويغادرون، أرى امرأة ممددة على الحمّالة المهترئة ( السرير المتحر...

121: المنفعة العكسية..

إنّ حالة الجمود التي تصيبني ليالٍ كثيراتٍ أمام هذه الشاشة، تجعلني أشكّ في قدرتي على جعلها مزيّنةً بالحروف والأسطر المتعاونة في نهاية الأمر. لكنّ شيئاً ما في نهاية كل ليلة يجعلني أكتب، مهما أردتُ الهروب. لن تكون هذه التدوينة لأشارك شكوكي ومخاوفي، لإنّني نادراً ما أفعل، لكن ما نفع الليالي التي نستسلم فيها لجمودنا؟ ما نفع الليالي التي نختار فيها الهروب؟ أظنّ أنها جزء من الحلّ، كمنفعة عكسية الأثر مثلاً! شاهدتُ مقطعاً مصوّراً للممثل ماثيو ماكينهوي يقول فيه حيث أقتبس: " ليس المهم أن تعرف من أنتَ من البداية، لكنّك حتماً ستعرف من ليس أنتْ." وهذه هي المنفعة العكسية التي أعنيها، إن من ليس أنت بالطبع دليلك لمن هو أنت، وإنّ ليالي الجمود والضياع هي انعكاسة ليالي الثبات والوصول في مرآة المعرفة. الألم الذي يعتصر الفؤاد هو بالطبع ما سيجعلك " تنفخ في الزبادي" قبل أن تتذوق الشوربة. وإن ضغطة الزر الخاطئة التي قلبت مزاجك في نهارٍ ما، هي عنوانك لضغطة الزرّ التي سيكافؤك لأجلها الجميع متهافتين عليك ليسألوا: " بربّك كيف فعلتها؟!". عندما تطول فترة تيبّسي أمام الشاشة أبحث في...