المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, 2019

58: هاربةٌ من الثِقَل..

أتتذكرون ڤولدمورت وهو ينظر في عين أعدائه، يشاهد أرواحهم وهي سحابة بيضاء تغادر أجسادهم، هكذا أشعر الآن. تمرّ تلك الأيام، أعني تلك الأيام التي تشعر فيها أنك مُنساقٌ خارج جسدك لجسد آخر أكثرَ إرهاقاً وبلادة لا روح فيه ولا نفس. وتحاول أن تعود ولو زحفاً لما كنت عليه، للجسد الذي ألفته وللروح التي توالفت معها، تحاول! وحاولت، لأنني دائماً أحاول، ركبتُ السيارة ورحت أتيه في الشارع، أسمع أم كلثوم بصوت عالٍ للغاية، أغنّي معها، وثمّة دمعة محبوسة في العين، ثمّة دموع، لكنّها لا تتحرر، كصاحبتها. يا دموعي المسجونة، لا أملك حرّية لأهديكِ هي. لكنني رحت أغني وأغني حتى شعرتُ أنّ صوتي لم يعد صوتاً، بل الصراخ والعويل والحديث والهروب والصمت مجتمعة. حاولتُ حتى أن أخبز كوراً من العجين المحشوّة بالشوكولاتة لتصيبني هيستريا الستريتونين، لكنّ الخميرة قررت أن تخذلني أنا وتتكالب مع العالم، ولأنني أعتبر الخَبْز بالأخص والطبخ في المجمل علاجٌ شخصيّ فلجأت له، مثلاً رائحة البهارات تصيبني بالرضا وشكل الفقاعات التي تبدو على سطح الإناء عندما يوشك على الغليان تزيد حماستي، مقدار الطاقة السلبية التي يمتصّها معجون الدقيق م...

57: ما بين غزل البنات والصخر، مُتشابهات

حكاية اليوم، صوتُها أنثوي بحت. ولعلّ الرجال الذين تمرّ أعينهم بهذه الكلمات الآن، يشعرون أن هذا النصّ لا يعنيهم، وعلى الأغلب تعتريهم رغبة في إغلاقه في الحال. إن وصلت إلى هذا السطر على الأغلب فأنتَ ستكمل قراءة هذا النصّ ولن تتراجع.  كفتاة في منتصف العشرينات أو أكاد، أقابل الكثير من المنشورات والنصوص والسطور التي تتحدث عن عِظم دور الكلام في حياة المرأة، وكيف أنه باستطاعتك أن " تاكل رأسها" بكلامك المعسول ورأيكَ المتحيّز لجمالها. أتحدثُ عن نفسي ولا شيء غير نفسي لأتحدث عنه على كل الأحوال، في الأمر حقيقةٌ لا يُمكن إنكارها، نحنُ - وأتحدث بصيغة الجمع لأخفي فيها زهو صيغة المفرد- رؤوسنا مصنوعة من غزل البنات، يؤكل بالكلام ويذوب معه في دقائق، أنتَ محقّ عزيزي، فقُل لنا كلاماً ناعماً، قُل وتغزّل إن سُمح لك ولا بأس عليك. لكن هل يجعل ذلك من عقولنا مصانعاً للّهو مثلاً؟ نحنُ نعلم تماماً في أي فمٍ يذوب غزل بناتنا. ثم من اقتصر الأمر على الإناث! يستحقّ الرجال كذلك كلمةً رقيقة و إطراءً لطيفاً، ألا تذوب رؤوسهم الصخرية تحت وطأة الكلمات فتغدو كلافا مشتعلة؟ ألا تنغمس قلوبهم الصلدة في نهرٍ من الشوكولات...

56: طريقٌ طويلة ويومٌ حافل

لتأخير مدونة الليلة أسباب، أولها عُرس صديقتي العزيزة وثانيها طريقٌ طويلةٌ للوصول. وفي هذا اليوم تجربتان فريدتان، بدايتهما أنْ شهدت فرحة صديقتي اللي تنال من اسمها حظّاً، وهي چود. وهي في الجود العطاءِ، سيّدة. أكتب هذا عنها لأنني أعرف أنها لن تقرؤه وأنّ العربية عندها ليست لغتها السلسة، لكن، أحبّ أن تبدو لكم چود كما تراها عيناي، كأنها نعمةٌ سماوية أو محبّة مُهداة. ورؤيتها اليوم، تطلّ بفستانها الأبيض، ذكّرني بذلك الجزء الكلاسيكي الذي لم أتخلص منه بعد والذي ينكز قلبي سعادةً كلما رأيت صديقةً في فستانها. رؤيتها وهي تدخل القاعة كملاك رقيق نزل على الحاضرين من السماء، وراح ينشر البهاء على الجميع، أنساني طول الطريق وأخذني لهذه اللحظة تماماً حتى دمعت عيناي. أما تجربتي الثانية، فلتشهدوا أنّ رحلة اليوم للعرس كانت مرّتي الأولى لسياقة مسافات طويلة المدى -أو ما يسمّى بـ long road trip - هكذا يبدو وقع الكلمة بالإنجليزية أكثر متعةً على الأغلب. ناولتني أختي الشاي وأخذنا الحديث في الحياة، نقرمش الشيبسي ونبلع أحزاننا ونتشارك ضحكنا سويّة. وانتهت الساعتان في الإياب إلى دقائق تماماً كما انتهت في الذهاب. ...

55: يتبع: الغريبُ والـ جميلة

ج1:  https://365dayswriting.blogspot.com/2019/06/blog-post_25.html ج2:  https://365dayswriting.blogspot.com/2019/06/blog-post_26.html > يتبع بصوتٍ يكاد يُسمع:  " مارلين. وصلتِ؟ " ردّت مارلين بصوتها الجهور بالفطرة:  " ها أنا ذا، أموت جوعاً، هيا بنا " تساءلت: " إلى أين؟ " " بيتزا ؟ " " بيتزا. " تجاورا وأخذا طريقاً أطول لأنّ مارلين رشّحت أن تطول المدة حتى تحكي - كما تدعي - حكاية مسليّة للغاية. حيث قفزت قفزة صغيرة وهي تمسك بكتفها صائحة: قابلتُ شابّاً اليوم. في المكتبة. اسمه سيد، تخيلي؟ لم أتخيّل أنني سأقابل عربيّاً غيرك، أعني، كان لطيفاً للغاية. لم نتحدّث كثيراً إلا خارج المكتبة عندما خرجتُ لاستنشاق بعض الهواء وشرب قهوتي، كنت قد لمحته في المكتبة وهو يبحث في قسم الكيمياء.  " لماذا تطاردني الكيمياء اليوم! " تعجّبت بصوتٍ داخلي كيلا تقطع حماس مارلين المفرط. " الجامعة وذكراه المؤلمة والآن مارلين! " سألني وأنا أرتشف القهوة عن قسم الآداب الذي كنت أجلس بجواره في المكتبة، وإن كنت وجدت ضالتي فيه. تحدثنا لدقائق قبل أ...

54: يتبع: "هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة "

> يتبع .. في طريق العودة لشقّتها الصغيرة، فكّرت:" ماذا يمكّن الإنسان من الفوز؟ أعني، لا بأس بالخسارة، لكن ماذا يمكّن الإنسان من الوصول؟" وطرقت جملة رضوى عاشور بوابّة هذا التساؤل حتى كادت تسمعها بصوت السيّدة: " هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا ". كم غريبٌ هذا العالم، يطرأُ على بالها مقولتين يفصل بينهما دقائق، واحدةٌ لمها أحمد وآخرى لرضوى عاشور، تباين الحياة العادل. مقولةٌ يملؤها الإحباط ومقولةٌ أخرى فيها من العزاء ما يكفي للطبطبة على الفؤاد. أما " ورد " فتركتها في المكان الذي قابلتها فيه، حادثت نفسها في أن تصطحبها معها للشقة، لكنّها خافت من ردّ فعل مارلين التي تشاركها الغرفة، لسبب مجهولٍ شعرت أن مارلين تخاف القطط، على الأغلب لأنها لم تظهر تعاطفاً أو شغفاً تجاه القطط ولا تجاه أي مقطع مصوّر أرتها إياه لتلك الكائنات المحببة.  تركت "ورد" تحت الشجرة مُطمئنةً إياها: " سأعود، للذرة مدارات لا تحيد عنها، اطمئني ". جلبت عليها هذه الجملة شيئاً من سوء الحظّ عندما تذكرت وجهه وهو يقول...

53: أكثر من صديقة وأقلّ من حبيبة: حكاية

في السماء لونٌ أزرقٌ زاهي، وفي الغيوم تتابعاتٌ خفيفة وحركة متدفّقةٌ كأنها دخانٌ سجائرٌ ينفثه مدخّن متمزّجٌ في الصباح، أما الأرض، فمدّ أخضرٌ واسع، وشجرة ٌ لها أزهارٌ أرجوانيةٌ وزهريةٌ تظلل المحبّين السكارى في أحضانها. في الجوّ رائحةٌ كأنّ باباً لمقهى قريبٍ قد فتح على مصراعيه، وراحت الدنيا تتنفسّ من النسائم المنبعثة منه، في كفّيها " ورد " تربّت على فرائها الناعم لتسمع خريرها المُطمئن. أما عن قلبها، فنارٌ مستعرةٌ. *** خرجت اليوم من حصّة الكيمياء في الجامعة تركضُ نحو أقرب أرضٍ خلاء، لم تكن الكيمياء مزعجة، لكنّ المُعيد رمى سهماً أحيى في الفؤاد جرحاً قديماً حيث قال ببرود: " ما يحدث في علم الكيمياء بين الذرات فيما هو أصغر من قدرة الإنسان على الرؤية يحدث بين الأشخاص على الواقع وفي عالمٍ مرأيّ تماماً، يُقال باللغة الدارجة أنّ كيميا ما نشأت بين قلبين وكذا بين جسدين، هل بالضرورة أن تنجح المعادلة الكيميائية دائماً؟ لا. لكنّ العالِم لا يتعب، سيحاول حتى تنجح المعادلة يوماً ما." رمى قنبلة موقوتة في الفؤاد وذهب، سلمَ لسانه. سيلٌ غامرٌ اجتاح الكينونة، سيلٌ حَمل كل الكيمياء ...

52: " بوابة الحلواني ": كبسولة زمنية

أخشى -إن لم تكن تعرف هذا الأغنية مسبقاً- ألّا تستشعر تدوينة اليوم، لذا عزيزي القارىء رجاءً اضغط الرابط التالي واستمع لها أثناء قراءتك لهذا النَصّ، أتمنى أن تستشعر معي رقّة هذه الأغنية، وإن لم تستشعرها فهذا على الأغلب لعدم ارتباطها معك بالطفولة. https://soundcloud.com/hussamsus/tpcn2x47utyv سأحكي لكم ما الذي حدث في بدايات فجر اليوم عندما كنت أغسل الصحون على صوت علي الحجّار، وهو من الأقربين لقلبي، حين بدأت أغنية " بوابة الحلوني " التي اعتدت أن أتجاوزها دون أن أسمعها لفترة طويلة، حتى أنني لا أتذكر متى سمعتها للمرة الأخيرة أنا التي أسمع علي الحجار بشكل دوريّ! ولحسن حظّي كانت يدايَ مشغولةً بالصحون فلم أستطع تجاوزها كالعادة، فسمعتها، كأنني أسمعها للمرة الأولى! فاجئتني الموسيقى. كيف لها أن تتحول لكبسولة زمنية! لأنني صدقاً سافرتُ عبر الزمن، تحديداً من الثانية الثامنة والأربعون. سافرتُ لصباح اليوم الذي سنعود فيه إلى مصر لقضاء الأجازة الصيفية، كان ذلك في بداية الألفينات، عندما كنتُ ابنة الستّ سنوات تقريباً، لم أكن قادرة على النوم من شدّة الحماس، كان الحماس يقيم حروباً في أمعائ...

51: عملة معدنية: " الجرأة "

" جريئة ". هكذا كان يتمّ شتمي دون شتيمة. وكنتُ أشعرُ بالمهانة عندما يقول لي أحد الأقارب " أنتِ جريئة " مع ضحكة سمجة، أو عُندما يصفُ أحدٌ من العائلةِ شخصيّتي فيكرر الكلمة ذاتها . حتى بتّ أشعر أن الكلمة مُعيبةً وليست مُهيبةً على الإطلاق. لمَ انتابني حينها هذا الشعور بالإستصغار لكوني أنا! في البداية، كانت الصفة تربكني، ثم تبلورت الصفة، و وتبلورت معها شخصيّتي، وفي المدرسة كانت الجرأة صفةٌ جيّدة، كانت مكسباً حقيقيّاً، بها حصلتُ على كل امتيازاتي التافهة في المدرسة، أما في الجامعة، كان تلك الصفة تبدو بذات الهيئة التي كنت أستشعرها  في الصغر من الأقارب، كانت بذات الصوت مدموجةً بتلك النظرة، أنا أعرف تلك النظرة، نظرة الشتم دون شتيمة. وأدركتُ حينها، أو للدقة أدركتُ قبلها ببضع سنوات، أنّ الجرأة غالباً ليست صفةً حميدة على الإطلاق. في معاجم الشارع العربيّ هي مرادفٌ لـ : لسانها طويل، تردّ الصاع صاعين، تنفّذ أفكار مجنونة، وفي معاجم أكثر قدماً : قليلة الأدب. أتذكّر أنني في فترةٍ ما من حياتي كلما لقّبني أحد بهذا اللقب شيّدتُ نظاماً دفاعياً فقط للدفاع عن نفسي وردّ الأفكار - ال...

50: "العائشُ في الحقيقة" وارتباطي بالكتب

غافلني النوم ليلة البارحة وأنا أقرأُ لنجيب محفوظ روايته "العائشُ في الحقيقة". وهي روايةٌ مطعّمةٌ بالتاريخ الفرعونيّ القديم يحاول من خلالها أن يفهم طبيعة الملك أخناتون وحقيقته، هل كان ملكاً مُحباً ومُسالماً أم خادعاً متمرداً مخنّثاً. تستعرضُ الرواية شخصياتٌ ارتبطت بشكل مباشر بالملك أخناتون، ولكل شخصيّةٍ فصلٌ ورأيٌ منفرد. لم أدرس تاريخ مصر الفرعونية ولم آخذ عنها إلا ما قرأتُ في الكتب والروايات، ولا أعلم تماماً دقّة التاريخ في " العائش في الحقيقة" لكن سيكفيني من التاريخ منها الأسماء الفرعونية وسيكولوجية العبادة حينذاك، آمون وآتون والإلـه الواحد.  ولم أحبّ يوماً دراسة التاريخ نظراً لقلّة مصداقيته التي قاربت على العدم، لكنّ أحبّ أن أتخيّله حين يتلوه عليّ أحدهم أو أن أقرؤه ضمنيّاً في الكتب. وبالحديث عن الكتب -التي أحبّها والتي لا أحبّها كذلك- أتساءلُ كيف يستطيع الآخرون تسليف كتبهم! أظنُّ أنني لم أكن قادرةً يوماً على التخلّي عن كتابٍ لي، باستثناء " قلوب صغيرة " لأنيس منصور الذي أهديته لصديقة العمر والذي أحنّ إليه بين الحين والآخر.  وأحياناً أتخيلُ أنّ أحد...

49: إستادٌ منزلي: لمثل هذا نحبّ كرة القدم

صورة
في مباريات كرة القدم الوطنيّة، ينتفض العِرق المصريّ الذي لا ينتفض حقاً إلّا في مناسبتين - أظنُّ أننا نعرفهما جيداً- واحدةٌ منهما في يناير والأخرى كرة القدم، وتتأهبّ الحماسة في عروقنا ويمكننا فعل أيّ شيء، أيّ شيء، فقط لكي نتمكّن من مشاهدة مباراةٍ تلعب فيها مصر في بطولة ما. أنت تتعرف على مصريّتك في مباريات كرة القدم لا محالة. ولا طالما أحببتُ خلقَ إستاد منزليّ خاصّ، لا أحبّ الإزدحام الذي يصعّب عليّ تباعاً أخذ نفسي ويجعل حركتي محسوبةً بخطط ومناهجَ طويلة، كأنني محتجزةٌ في مصعد ضيّق، أفضّل أن أفتح كيس دوريتوس بالجبنة وأغمّسه في صلصة الزبادي الباردة بينما أضمّ كل ذلك إلى صدري وأنا متكئةٌ على أريكتنا المريحة في بيجامتي الدافئة، أستنشق هواءً بارداً، وأملكُ من الرفاهية ما يكفيني لكي أزور بيت الراحة متى أردت. وهذه كانت خطتي لليلة، حتى صفعتني قناة تايم سبورتس على حين غفلة، واكتشفتُ أن المباراة لن تُعرض كما خططت للأمر. لم تهدأ مصريّتي الكرويّة، حاولتُ صدقاً أن أتجاهلها لكنّها راحت تصرخ. كان ذلك في تمام الثانية عشر بتوقيت مدينة الشارقة. وفي تمام الثانية عشر والنصف كنْتُ أجلسُ ...

48: جُملتان.

تدوينة اليوم هي جملتان لعماد أبو صالح: " كنتُ أودُّ أن أقبّلك فتتوقف الطلقاتُ في حلوقِ البنادق أن أحضُنكَ فيتعرقلَ جنزيرُ الدبابة في وردة " فحسبْ. - 48/365

47: خطوط عرضية: " الحمدلله "

مُداخلاتٌ يوميّة، هذا ما يحمله لك القدر، وفي القصة ما يكفي من السخرية للحدّ الذي سميت به تلك المفاجئات: سخرية القدر. بإمكانك أن تخطط وتضع قواعدك ومواقيتك، سأخرج في تمام الرابعة، سأصل في السادسة والنصف، سأدفع عشر جنيهات هنا، سأدفع عشروناً هناك، سأعود في العاشرة، سأمر قبلها على البقال لأشتري حاجات ضرورية بكذا، وسأميّل على الصيدلية لأشتري دواء أختي بكذا، سأكون في الشقة في تمام الحادية عشر تماماً. ماذا يحدث لتلك الخطة عادةً؟ لا شيء يحدثُ في تمام الساعة التي قررتها. خطوط عرضية -على الأغلب سوداء - تقسم صفحة يومك في المنتصف، فما منك إلا أن تقول الجملة التي تعلمتها إمّا بالتوجيه أو بالمماثلة: الحمدلله. والحقيقة أنها تزيح من ثقل سخرية القدر قليلاً، فتشعر أنه لا بدّ لك أن تستصغر المأساة، وأن تتمالك نفسك لتعيد ترتيب الخطة المهدرة، وأن تتجاوز ما سقط منك دون أن تختلجك الحسرة والأسى. الحمدلله. الحمدلله ولكن على مستوىً من الواقعية والضعف الإنسانيّ فإنّها لا تكفي أحياناً لمساعدتك على إدراك ما يجود به القدر، الذي -لحسن الحظّ ولسوئه- تمتلئ جُعبته بكل ما يخطر وما لا يخطر على بال. أحياناً لا تُسعفك ...

46: النفس ونفسها: حوار

- ليسَ جُرماً أن تنتحي بنفسك عن التعليق عمّا يدور حولك. أحداثٌ كبيرة قد تصيبك بالخرس لا خوفاً بل عجزاً. --  العجز على كل الأحوال نوعٌ من الخوف. - العجز هو قلة الحيلة، أن " يُغلب حِمارك ". -- من " غُلب حماره " مرةً خاف من أن يُغلب باقي حميره. - من " غُلب حماره " سيحمي باقي حميره. -- وممّ تنبع الحماية؟ - من الحب. -- وماذا يفعل الحبّ بالإنسان؟ - يصيبه بالجنون. -- ممَّ؟ - من أن يخسر محبّه. -- أليست الخسارةُ خوف؟ - بل خوف، أعظم خوف! -- ومن ذُعر من خسارة خليله، حماه. - كأنه ضلعُه. -- حماه واحتمى به لأنّه منه. - وإن لم يستطع حمايته؟ -- سيكون أسير العجز. - ستقضمه المخاوف واحدةً تلو الأخرى. -- سيذوب كالثلج في كأس الخوف الممتلئة. - سيكون العجز خوفه. -- سينتحي بنفسه عن التعليق عمّا يدور حوله. - خوفاً وعجزاً. - 46/365

45: من " ذكريات الفيسبوك ": الكتابة

" عندما أمسك القلم، أشعر أنني أسير نحو حزني أسرع! كأنّ البيبان المغلقة بيني وبين المآساة تُفتح فجأةً ولا أستطيع غلقها! إنّها جرة قلم وحيدة فأشعر أن النهاية أقرب من المعتاد.أحاول جاهدة النهوض من إغماءات حياتي المدوّية، أسقط فيُسمع لسقوطي وقع رنّان، أحاول أن أستجيب لأجهزة الإنعاش وأتحسس دفء الأيدي على خدي لتوقظني، أحاول “ ظهرت لي تلك السطور قبل دقائق من كتابة تدوينة اليوم في الصفحة الرئيسية للفيسبوك كـ memories - ذكريات. وأتذكّر تماماً تلك السطور عندما كتبتها في فبراير من عام 2018، أتذكّر ما دفعني لها، وأتذّكر مكانها في مُذكّراتي؛ أعلى يسار الصفحة. كان خطّي مرتبكاً. ولم تكن تلك الفترة على أي شيء من اللين والهوان، بل كانت ضيقة وخانقة ومصيرية، وشعرتُ فعلاً أنّ في الكتابة تصريح دقيقٌ بكل ما أحاول ضمره في قلبي، ولم أرغبُ في التطرّق لنفسي ولا لقلمي الذي بدا لي ككلمة الحقّ التي زجّت بماشطة فرعون وأولادها للفناء التام. ولم أكن مستعدة للفناء الآن. ولن أخفيكم، الكتابة - على رغم رقّتها- كانت المسدس الذي وُجّه لقلبي، تحديداً نحو البقعة التي آلمته فترة، سحبت الكتابة الزناد وأفلتته. لم أ...

44: وشمٌ باسمك: نظرةٌ شخصيّة

مِصرُ بلد حافل بالأحداث والدراما، مزعجةٌ ومضَطهَدةٌ ومضطَهِدةٌ وكثيرة الكلام واللغو وقليلة الأفعال والعفو، وتنسى، تَنسَى وتُنسى، وفيها الخوف والجبروت وكلُّ كلّ أنواع الحياة. خارجها، هدوءٌ غريب، وتتساءل: أين "كلاكسات" السيارات؟ ولمَ في الجوّ رائحةٌ غير رائحة التراب؟ وأين المشاوير التي تُقضى على قدمين لا على إطاريين وهيكل حديدي! وتبحث في ذهنك عن بديل لكوب الشاي بالنعناع أمام شباك المطبخ المطلّ  على مشهد الغروب الدافيء فلا تجد له بديلاً! إنّ ارتباطي بمصر هو ارتباطٌ عاطفي في المستوى الأول، ارتباطٌ دفينٌ كارتباط درويش بفلسطين، سافر وهاجر وابتعد لكنّه ظلّ يكتب لها وظلّ يكتب عنها. وفي قراءةٍ قريبةٍ لمقال أحدث ضجّةً - أعتقد لارتباط فكرته بشريحة كبيرة من الشعب لا لجودة كتابته- كانت تتحدثُ فيه كاتبته عن السبب الذي منعها من محاولة السفر من مصر مجدداً، وأنّها ستظلّ ابنة هذه العشوائية المحببة إلى الأبد. ويمكنني أن أتفهّم مقاصدها ومبرراتها حتى وإن اضطرّها الوقت أن تخالف مكنون عاطفتها، أما وأنّ المكنون ذا لا يختفي ولا يختلف مهما تبدّلت الديّار. سيبدو كلامي هذا إما وطنيّاً لمن يؤمنون ...

43: ما بين الأرض والسماء

صورة
في قاعة الإنتظار ما زلتُ أكتشفُ أماكن جديدة وعاداتٍ جديدة ومشاهد جديدة كلما سار بي الطريق نحو مطار برج العرب في الأسكندرية، لا طالما فضّلته عن مطار القاهرة إما لصغر حجمه أو لنسمة الهواء العليلة التي تلفح وجهي عندما تقف على عتبة بوابته الإنتظارُ في كلّ المحافل يمتصّ الحياة من شرايينك، إلا انتظار الطائرة، يشعل في القلب الحماس. وإن تجاوزنا قسوة القلق الذي يكتفّ أطرافك كلما قارب ميعاد السفر، فإنّ في الطيران وسيلة الهروب التي أفضّلها. أنا أهربُ دونما أي هرب، هكذا أجد في الأمر متعته الخفيّة. وإنْ كنتَ من محبّي التدقيق في وجوه الناس طوال الوقت، فإن المطار فرصتك العظيمة لكي تشاهد كل أنواع الغرباء، أخّان يلعبان بعنفوان، أمٌّ تحلم بلحظة نعيم في بلكونة بيتها بعيداً عن بكاء الأطفال وأرق المسؤولية التي كما يبدو تتحملها بمفردها، رجلُ أعمال ينعطف لردهة " خاص: رجال أعمال" يُمسك زجاجة مياة إيڤيان وفي اليد الأخرى حقيبةٌ مأنّقةٌ لحاسوبه المحمول، يخترقُ هذا الهدوء صوتُ آلة تنضيف السيراميك وناداءات الضباط وعُمال النظافة. صوتُ طفل يبكي بحشرجةٍ يستنجدُ بالجميع بينما الجميع يريدُ أ...

42: حقيبةٌ مغلقة وأرقٌ مفتوح على مصراعيه

إنّ لحظات السفر الأخيرة تلك باتت تؤرقني، أو للدقة لا طالما آرقتني. وكأنّ مشهد الحقائب المصطفة بجانب بعضها البعض بات يحجب عني الرؤية، أو يغلق قفصاً على رئتي، ورغم أنني أحبّ السفر لبلاد لا أعرفها إلا أن السفر الذي أعرفه هو رحلةٌ ما بين مصر والإمارات وهو السفر الذي يأخذني دون إدراك للحظات الوداع. في كل مرة كنت أخشى أن يكون أحدهم وداعٌ أخير، وقد عايشتُ الكثير من الوداعات الأخيرة. وكواحدة من المصريّين يمكنني أن أؤكد لكم أن دراما ما قبل السفر هي شيء يسير في دمائنا كنهر النيل، حالة من البكاء والنواح كأنّك في جنازة، أحضان تغوص في عمق الروح وتكرارٌ متكرر لجملة "توصلوا بالسلامة". هذا واقع. توقف هذا الواقع عندما أصبحتُ أسافر بمفردي، طوال فترة دراستي للصيدلة، سافرتُ ما يفوق العشرين مرة ما بين ذهابٍ وإياب، وما لا يعرفه أحد أنني كنتُ أقيم حالة من الطوارىء لأمنع دموعي من نزول الشارع بينما كنتُ أبكي لوحدي في المطار، وأفهم نظراتِ الناس، يعرفون أنني مجرد طالبةٍ أخرى تكمل دراستها بعيداً عن العائلة. لكن في تجربة السفر وحيداً علاجٌ هائلٌ للنفس، واستثمار حقيقي في استكشاف من أنتَ وما الذي تفعل...

41: "سرقة الأحزان": معرض الفصاعين

صورة
أنا على وشك أن استسلم للنوم الذي لم أذقه مند يومين، أتمنى لو استسلم الآن. بعد طريقٍ -أحفظه -جاوز الأربع ساعاتٍ ونصف، وصلتُ أخيراً، غوغائية القاهرة لا تعزف سيمفونيات، ولكنّ بهاءً غريباً يلبسها. المهم أننا قررنا الإفطار سريعاً والتوجه بعدها لمعرض " سرقة الأحزان " للفنان مجد كردية. ولأنّ المعرض في ساقية الصاوي توّجهنا إلى الزمالك، وأنا أحبّ الزمالك وأحبّ التمشية في شوارعها، حيث الشجر الكبير وفيه أزهار أو ثمار تشبه التوت. لا أعرف اسمها تحديداً لكنها تأسرني. أحبّ في الزمالك ما لها من الشوارع الهادئة والجوّ اللطيف والأشجار الزاهية. بين كل لوحةٍ وأخرى بساتين وعالم جديد ولامع.  ولأنّ المعرض كان يجبر الإنسان على الإبتسام طوال الوقت، دونما حتى أن يدرك ذلك، سأشارككم اللوحات التي سرقتني وسرقت أحزاني: ١. ٢.  ٣. ٤. ٥. ٦. ٧. ٨. ٩. ١٠. ١١. ١٢. سأحدثكم على اللوحاتِ بالتفصيل في تدوينة أخرى، لكن لمن أراد الزيارة، دخول المعرض مجّاني، موقعه ساقية الصاوي-الزمالك، يمتد من ١٢/ يونيو حتى ١٩/يونيو، من العاشرة صب...

40: معادلةٌ بسيطة: فيل دامبو

يتطلّب هذا التساؤل تفسيراً مُرضياً لأنّه ينهش بلا رحمة في تفكيريَ المُرهَق: هل ستستمر صراعتنا للإقناع إلى الأبد؟ هل ثمّة فرصة لأن نصل لمرحلةٍ ما لا نحتاجُ فيها المبررات والتفسيرات والقصص الملفقة فقط لكي ننعم بهدوءٍ نريده؟ هناك دوماً تفسيرٌ ما لما تريد أن تكونه، و مبرر ما لما تريد أن تكونه، وضمانةٌ ما لكيف سينتهي بك ما تريد أن تكونه، التجربة عارٌ والمغامرة مهزلةٌ في حقّ ما نسَجوه بأيديهم. لم كل هذه الدراما؟! ولمَ لا نستحقّ أن تًهدهدنا أياديكم عندما نبكي لا أن نُمنع من البكاء! لمَ لا يمكن لكم أن تهنّؤوا بما آلت إليه طبيعتنا واختياراتنا لا النخرُ فيها ببطءٍ حتى السقوط! لمّ لا يمكننا أن نطيرَ لما هو أبعد من سماء بلادنا! ولمَ إنْ فعلناها وتمرّدنا عوملنا كأننا خرجنا من الرحمة الأبدية للمشقّة السرمدية! لمَ نُعامل بالخطيئة ولا نعامل بالرأفة!  إنّ آدم وحواء خرجوا من الجنّة يوماً، وكانت تلك أول وآخر مرةٍ يمكنني أن أسمّي فيها أي خطأ " بخطأ لا رجعةَ " فيه. إن كنّا قد نزلنا من الجنّة فماذا بعدُ! يمكننا التراجع دائماً، أو هكذا أظن. ها نحنُ ذا، نطير بآذاننا الكبيرة بين أعداد هائلة من...

39: كشّ ملك..

أنتَ في مجابهة الإختيارات، كأنّك قائد المعركة في الصفّ الأول من الكتيبة أو قطعة عسكري في لوح الشطرنج، أنتَ خطّ الدفاع والهجوم. وجُلّ ما تهديه لك الحياة هو أن تعطيك الحرّية لاختيار ما تريد أن تكونه وما تريد أن تنتهي إليه، وهو على السواء الأمرُ الذي يقيم حياتك ولا يُقعدها. طالما أنتَ في مواجهة الإختيارات إذاً أنتَ في مواجهة الإختبارات بشكلٍ دائم. في كل مرة مرةٍ وجدتُ نفسي فيها أمام مفترق طرق شعرتُ بالرغبة في "أن ألتصق بالكبار"، تماماً كما وصفنا أحمد خالد توفيق، "لأجد أنني الكبار" ولابدّ لهذا القرار أن يُنطق الآن، لابدّ أن أتجرأ وأحرك العسكري خطوة أو خطوتين، يجب أن أختار الآن، فمصير لعبةٍ كاملة يعتمد عليّ. مصيري أنا يعتمد عليّ! أمّا عن تاريخي مع الخيارات والقرارات فقد باء الكثير منها بفشلٍ ليس مدوّياً تماماً، بل كان تعثراً. وأحبّ أن أعتقد أنني لم أتعثّر يوماً إلا وصادقت النخل بعدها، ولم أتساقط مع الثمار وإنما اخترتُ أن يحصدني صاحبي من على الشجرة المُثقلة بالخيرات. وهذا اليقين في نفسي علّمني أن أختار دون القلق من النتائج، أن أحرك قطع الشطرنج بوعيّ لا يضمن لي المك...

38: تجربة جديدةٌ وأخرى انتكست

اليوم، شهادةٌ لانبعاثةِ طفل المدونة الأول. سأخبركم عنه لاحقاً. - كلّما مرّ أمامي خبرٌ من السودان، وخز في القلب ألمُ ذكريات الخامس والعشرين من يناير. وباتت ثوراتُ الجميع تذكرةٌ - نهرب منها عن عمد- لكل ما كان من المحتمل أن يكون لنا. " قدْ مسّنا الحلم مرّةً " همسَت لنا الحرية لثوانٍ ثم صمتت للأبد فبقيت الحسرة في قلوبنا، نشتهي ألا يذوق مرارتها أحد ويصعبُ علينا تخيّل أن ينتهي بنا الأمر وحيدون فيها في معركة الظلم الأبدية.  هذه المدوّنة لا تتحدث عن أحداث وتفاصيل وأبعاد ما حدث، لقد انزويتُ بنفسي عن كل مسببات الحزن هذي منذ زمن، لكنّها تتحدث عن اللحظة التي تُدرك فيها عذوبة حبيبك الأوليّ بعد أن دُرت الدنيا تجاربَ وأخطاء وخسارات، فأنّى لك أن تعيده؟! خساراتٌ كتلك لا يمكن استردادها بسهولة، تُذكّرك بها نجاحات محيطة تغبط أصحابها لأنّهم نظروا ورائهم لوهلة وحفظوا الأخطاء القديمة لكيلا تُعاد، وفي كل مرةٍ ستنظر لنفسك في المرآة وتقول بذات الحسرة: طب إشمعنى أنا ؟! لا يدوم ذاك التساؤل طويلاً لأنّك تعرف تمام المعرفة " إشمعنى إنتَ "، لا تحتاج الإجابة أن يختلف حولها إثنان حتى. ف...

37: رؤوسٌ أينعتْ بالصمت الطويل..

الصمتُ مقصلة، أما نحن -فبكل رضا- وضعنا رؤوسنا على حافّتها وانتظرنا النهاية.  كان الصمت ثقيل، ثقيلٌ لأنّه اكتظّ بالكلام غير المعلن، ثقيلٌ لأنّه لم يتخلَّ عنّا مرة واحدة ورافقنا حتى نهاية الطريق، ثقيلٌ لأنّه ثقيل. استوجب منّا تمام التخلّي، استوجب منّا أن نتركه يسير في خطىً لا تشبه خطانا، استوجب منّا أن نزيح ثقلاً خادعاً من فوق صدورنا، لكننا استسلمنا. هل تعلم كمْ هو محبطٌ أن يتحوّل حلّك المريح الأمثل لشوكةٍ تغرز سنونها في فؤادك! في بعض الموسيقى التي سمعتها ليلة البارحة -رغم عزف العود ولعب البيانو- صمتٌ أعرفه، لم أنشأ عليه لكنني بتّ أتقنه، أستمع لزوابع الكلمات المتلاطمة، وأتذوقّه في كل ما حولي. أقول أن الموسيقى صوت من لا صوت لهم، وكذا صوت من اختار أنّ الكلام قليلٌ والفؤاد كبير واللسان -على رغم فصاحته- لن يلفظ فؤاده إنمّا يلفظ حروفه. يقول أحمد بخيت: " وحين أحبُّ سيّدةً أحوّلها لموسيقى "، شاعرٌ ترك لغةً أخرى تنوب عنه في التعبير! عندما تنطق حروفك الأولى وأنتَ تحبو نحو الدنيا يحومك حماسٌ شديد، فتقول " بابّا " و " دادّا " من وعيك الإدراكيّ للأصوات ولا وعي...

36: فرصةٌ سعيدةٌ سيئةُ الطالع..

نحبّ - أنا والفتيات- أن نُشاهد فيلماً عندما تسنح لنا الفرصة، فاخترنا فيلماً ليلة البارحة وهممنا بالمشاهدة، عندما فرغنا منه شعرت أنّ ساعتين من حياتي راحوا هباءً منثوراً. لكنّهم على ردائة الفيلم، لم يكونوا كذلك، دعوني أحكي لكم حكاية. في واحدة من إفطاراتنا الجماعية في رمضان مع الأصدقاء الذين - لحسن الحظّ- تتفاوت أعمارهم وأعمالهم- كنا نلعبُ لعبة الأسئلة فسُئل عمرو عرنسة -وهو لمن لا يعرفه شخصيةٌ بديعةٌ متّقدة الذكاء-: ما هي الثلاث أمور التي علّمتك إيّاها التجارب والسنين؟ فردّ بثلاث نقاط لم أتوقع أن أسمعها، لم يخطر ببالي أن يصيغ أحدٌ ثلاثة أفكار كهذي على أنّها بهريز ما توصّل له في الحياة. فكانت إحداها: " لا يوجد فعل غير مهم، لا توجد تجربة غير مفيدة، لا أشخاص تقابلهم ولا وقت تمضيه ولا عمل صغير تشارك به ولا فيلم تشاهده. قد تبدو أمورٌ متكررة ولا مغزى لها، لكنّ ما علمتني الحياة أنّها أمورٌ قيّمة للغاية، خطوات صغيرة وفارقةٌ في مشوار حياتك لكنك لن تعيها الآن، غداً عندما تصل لنهاية المتاهة ظافراً بالوصول ستنظر وراءك لتُدرك كمّ الإمتنان الذي تحمله لكل الأفعال التافهة تلك، لطلعاتك مع ا...

35: صباحٌ آخر: نُواحٌ أم زقزقة؟!

إنّ صوتَ العصافير هذا الصباح لا يشبه الزقزقة، كان أقرب لنواحٍ على غيابك الذي برغم مبرراته الحقيقية لا يُنتقص من قساوته شيئٌ، لأنّه في نهاية الأمر، غياب. ماذا أفعل أنا؟ لا شيء غير أنني أواظب على قراءة آلافٍ من الكلمات التي تبادلناها في محادثاتنا اليومية، فأتذّكر تفاصيل نسيتها، يا للأسف! كنت أفضّل أن أنساها! يمكن لأي شخّص يجلس بجواري الآن أن يشتم رائحة الحزن. لا يمكن لأي شيء عدا رؤيتك أن تستبدل رائحة الحزن تلك بللاڤندر الناعم. لا يمكن لأي شيء عدا عينيك أن يجعلني أنظر للدنيا بقلب سمحٍ وصافي. ولا يمكن لأيّ شيء سوى دعاباتك التي تنساب منك كأنّها أنتَ أن تجعلني أضحك للدنيا كأنّني في نهاري الأول فيها. أجمل ما في الكتابة أنها طريق سفر طويلة، أخوضها لقلبٍ لا يعرف أنه هو المعنيّ بالوصول، وأقيمُ فيها حرباً على نفسي، قد يشهدها الكثيرون لكنّهم لن يستطيعوا كتم فوّهة سلاحي ولا منع انفجار ألغامي ولا إجباري على التراجع عن شحذ سيفي من غمده الساكن، كل هؤلاء سيشهدون حربي التي أصارع فيها عدواً واحداً لا يُقهر: نفسي، لكنّهم لن يستطيعوا إنقاذي من مواجهة الخسارة ولا منعي من الوصول بحربي لأرض هدنة حيث لن...

34: الأحلام: نباتُ الدوم

شاهدت مهرجاناً بوليودياً يسبح في الألوان والرقصات والمبالغة، لكنّ شيئاً خفيّاً في الهنود -على رغم كل ڤنتازيتهم الرديئة- يجعلهم مبهجون ومليئون بالحياة. و خلال الحفل، فاز ممثّل يبدو في أواسط الأربعينيات، بجائزة أفضل ممثل ثانويّ، وعندما اعتلى المسرح قال: " شكراً لقصاصاتِ المجلات وبوسترات الأفلام التي ظللتُ أعلقها على جدران غرفتي طوال حياتي، ها أنا أعيش فيهم الآن. شكراً لأمي وأبي اللذان رفضا أن أبقى مجرد موظّف حكوميّ وتركاني أمارس حلمي كما أردتُ له أن يكون". وتذّكرتُ فجأةً مشهد محمد صلاح وهو يرفع كأس دوري أبطال أوروبا، هذا الشابّ البسيط القويّ يرفع يديه ليقضم من تفاحِ الجنّة. شيءٌ هائل! ورحتُ أتخيّل لحظة التتويج تلك، ولأنّ الأحلام كلها ليست ذات صيتٍ ورفعة ككرة القدم والتمثيل، لكنّها ذات شأن في قلب مريديها، وهذه تماماً لحظة التتويج التي سرحتُ فيها. أقول في نفسي: هل تساعد البوسترات والقصاصات والتذكارات المعلقة على حائط غرفتك على شيء؟ هل يدفعك الحلم بمفرده؟ هل تخبز يدا أهلك عجينة طموحك وأحلامك؟ والأحلام على ما يبدو خدعةٌ بسيطة، أعني لا تقدم أي ضمانات للسعادة ولا لحتميّة الو...

33: صباح يوم العيد: ماضٍ وهويّة

كلّ ما نقوم به في العيد، الأشياء التي مللنا إعادتها، والمسرحيات التي حفظناها عن ظهر قلب حتى بتنا نسمع صوت ضحك الجمهور قبل أن يضحك حتّى، لمّة العائلة بعد صلاة العيد، إحساس الذنب الذي ما يلبث أن يتلاشى سريعاً بعد أن ترتشف رشفتك الأولى من الماء بعد الفجر، كل أفعالك المكررة الساذجة تلك ما هي إلّا عاداتك التي تجعل لك ماضٍ رقيق. نسعى لتجديد أمور حياتنا جميعها لأننا نسعى نحو الأفضل، لكن أحياناً هذا الملل الجميل يكون ملاذنا، إنّه في الحقيقة جزء من كينوتنا، إنّه تماماً ما ننتمي إليه، وستتفاجؤ أنّ بتغييره ستغيّر نفسك دون أن تدري! الأمر يشبه المصادمة المجتمعية التي يقابلها من ترك بلاده وهرب لبلادٍ ما في الغرب، سيجد أن ما اعتاده وائتلفه بينه وبين أسرته وناسه تغيّر تماماً، قد يتغيّر نحو الأفضل، بل نحو المثالي، لكنه لا يجد لهذا التغيير قناعاً في خزانته يمكن أن يضعه بسهولة، فيصبح بلا وجه. ويغدو الأمر صراعاً دائماً، حتى يدركُ أن الملل والتكرار الذي كان في حياته إنما هو حنينه، وأن هواجس جعله " أكثر شياكةً" باءت بالفشل حتى انتقصت من صدقة وجعلته " اللاشيء ". وأفكّر ما المميز في...

32: ساعة الرمل في مواجهة الميزان..

وأنا أتابع البارحة استطلاع هلال العيد، خطرت ببالي فكرة لا علاقة لها بكل هذا: لمَ يعطي الله هؤلاء الذين يزهدون الحياة ويتمنون الموت، حساسية مفرطة للوقت، ويأخذ مِن من يستيقطون على حبّ الحياة نعمة الوقت فتركض الدنيا بهم؟ دعوني أوضح لكم الفكرة أكثر.. هناك أشخاص يتعاملون مع الحياة بشكل يوميّ على أنّها لعبة إلكترونية، وفي نهاية كل يوم، مع كلمة Game over - انتهت اللعبة - يودّون صدقاً لو تكون تلك المرّة الأخيرة، وأن يكون هذا دورهم الأخير، لكنّهم يُفاجؤون كل صباح أن حيواتاً في رصيدهم قد أنقذتهم وجعلتهم مؤهلين لعيش لعبة ثانية، ويوم ثانٍ. ومع كل هذا الرفض للحياة، يكون الوقت ذا أهميّة عظمى لديهم! لماذا تعبؤون بالوقت إن كان لا يعنيكم على كل الأحوال؟! وعلى النقيض من هؤلاء، توجد مجموعة من الناس، نشأت تتنفسّ الحياة كالنعناع الأخضر، لا تميل في العيش إلا لصورته الزاهية وجماله المستتر خلف أسوار ضخمة من الحزن. إنّهم أناس يشبهون الحياة في أوروبا وليسوا بالضرورة من سكّانها، وتجدهم رغم كل هذا السعي والإقبال لا يقدّسون الوقت كسلفائهم! لا طالما أخافتني ساعة الرمل، مشاهدتها كانت تُحيي فيّ إحساساً غ...

31: عوامل التعرية: اختيارات شخصية

كيف يغدو الإنسان شديد الإنغلاق على نفسه للحدّ الذي يجعل إفصاحه عن ما يؤرق نومه ويمنع راحته، بهذا الثقل؟! كيف تحَوْل أمورٌ عاديةٌ تماماً إلى المستحيل؟!  إنها صفاتٌ تخدعك طوال حياتك، فتجعلك تظنّ أن الإتّسام بها غريزيّ يبدأ بولادتك، لكنّها في حقيقة الأمر صفاتك المكتسبة،هي عوامل التعرية التي تشكّل في الصخور هيئاتها، والتي تأكل من جسد الصحراء والجبال حتى تصقلهم لشكلهم الأخير. إنّها صفاتك التي تجعلك قادراً على مواجهة الرياح، فحاول أن تصمد! ما الذي يحدث إذاً؟ إنّها الدنيا التي تستطيع تلقيحك بها، فتغدو المقاومة ضدّ الحديث بسلاسة أو الإنفتاح للآدميين أمراً نادر الحدوث، وغالباً ما تحتاج أن تعالجه سريعاً لأنّه سينتهي بك نحو الهاوية. "شريط أنتي-بني آدميين وهتبقى فلّ " ولأن صاحبة هذه المدوّنة التي تتربع خلف الشاشة على سريرها، تفكّر في مدى مصداقيّة هذي الكلمات على حياتها، فإنّها تريد أن تواجههكم بحقيقة تؤمن بها، إنّ -غالبية- ما نعايشه هو اختيارنا، وإن فكّرنا مليّاً في الكثير من الأحداث والإنكسارات المتتالية سنجد أنّنا واجهنا اختياراً خفيّاً في منعطف ما، رأيناه وعرفناه لكننا أبينا أن ...

30: ثلاثون ليلة: ما بين توتنهام وليڤربول

كنتُ أشاهد مباراة البارحة بين ليڤربول وتوتنهام حتى خطرت ببالي فكرة ما: " كيف يمكنك أن تلعب مباراة وأنتَ تعلم أنّ في نهايتها خسارة؟ " قد تقبل النهاية احتمالين، إما المكسب وإمّا الخسارة. لكن مجرد أن تتخيل أن الخسارة تنتظرك في نهاية الطريق أمر سخيف. وظللت أركّز نظراتي على لاعبي توتنهام، هذه ليست ليلةٌ يحبّ أن يتذكرها أحد منهم. بينما يمرّ لاعبي ليڤربول أمام الكاميرا فتنتابني سعادتهم، وأحتاج صدقاً لهذا الأدرينالين أن يزور حياتي. ثم أدخلني هذا في نوبة من التفكير حول الحياة، التجاربُ مباراةٌ لكرة القدم، ندخلها أحياناً مُحمّلين بالتفاؤل رافعين أنوفنا بكل كبرياء وثقة: هنعملها، وأحياناً يتغلغل الإحباط لداوخلنا، ونشعر أن عظامنا تستنجد بنا، قلوبنا غير جاهزة لتحمّل الوقت الضائع وركلات الترجيح وصوت صفارة الحكم. أحياناً أشعر أن خوض التجربة أقسى من النتيجة، وأن خوضها أعظم من النتيجة وأعظم ما في النتيجة. كيف للإنسان أن يذوق الخسارة بشكل دوريّ ويكمل حياته بهذا الإصرار؟! أتوقع أنني أحتاج أن أصبح لاعبة كرة قدم لأتعلم إجابة هذا السؤال. - قد مرّ شهر كامل على بداية هذه الم...

29: أمّ حبيبة تعود من جديد

هل تتذكرّون أم حبيبة؟ نعم تلك التي كتبت عنها تدوينة سابقة. أم حبيبة عادت من جديد. بعد أن كتبت تدوينة " أم حبيبة وأنا " منذ بضعة أسابيع، اختفت أم حبيبة من عمارتنا. لأسبابٍ مجهولة تماماً لم تعد تظهر أمام عتبة بابنا. وفجأة، ظهرت قطة شيرازي يبدو عليها كبرياءٌ جديد اللون، لا تتسّم بالنونوة المستمرة ولا بمسح فرائها في أطراف ثيابي، كانت هادئة وراكزة وذات عزةٍ لا تشبه طباع القطط. في المرة الأولى، لم أكتشف الفرق، ظننتها أم حبيبة خاصتنا، ونما لها فراء كثيف بسبب طول الفترة التي مكثت فيها في غرفتي، لكن  ما أثار ريبتي صدقاً هي طباعها التي لا تشبه البتّة طباع قططتنا المجنونة. أين ذهبت أم حبيبة إذاً؟ ومن تلك الأميرة النائمة على سور السلّم، التي تنظر لك ولا تطلب الطعام، هي تعلم أنك ستجلبه من تلقاء نفسك! تساءلت أنا وإخوتي هل استردّها أصحابُها؟ لأنّها لا طالما بدت لي كقطة منزلية، هل هربت من عمارتنا لأنّ شخصاً ما آذاها أو طردها بعيداً، لأن كثيراً من سكان العمارة يخافونها وهي لا تتوانى عن إخافتهم. ظللنا نتساءل، ولا إجابة واضحة غير تلك القطّة الشيرازية ال" تنكة "التي سكنت عمارتنا...