المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, 2019

120: لا أريدُ، لا أريدْ..

لا أريد أن أصطدم يومياً بصور أجسام نساء وأطفال مليئة بالكدمات والكسور فقط لأنّ العالم لا يريد لهذه الأمور أن تنتهي. لا أريد أن أرى دماءً ولا أن تصلني رائحة البارود المحترق من شاشة الهاتف المحمول. لا أريد أن يحيطني العالم الإفتراضي بنقيضين، عالم وردي يطير دائماً على جناح طائرة، وآخر مليء بالصراخ والكسور والخسارات. أحاول أن أتخيل كيف كانت الحياة قبل أن يخترعوا اختراعاتٍ غيرت وجه البشرية إلى الأبد. أعلم بالمعلومات والورقة والقلم كيف كانت الحياة، لكن تفاصيل اليوم، كيف تمرّ الساعات والدقائق، هل كانت السنين بطيئة أم تركب لامبورجيني، كيف كان الصباح والفطور، العشاء والتلفاز، طعم الشاي، كيف كان العيد والأعراس والمناسبات. كيف كان كل هذا. ورغم الكتب والسير الذاتيّة والتاريخ، لن تعرف تماماً ما بدى عليه زمنُ ما قبل الإنترنت، وانفتاح العوالم جميعها. لكن يمكنني أن أتخيل أن ما نعيشه الآن، هو تمام عكس ما كان سابقاً. صورة مقلوبة لا أكثر ولا أقل. أعني، الناس هم الناس مع اختلافات بسيطة لكن الظروف تغيرت فتغير معها بالتبعية كل ما يحدث حولنا، وحتى تفاعلنا مع ما يحدث حولنا. أتذكّر أن أول حساب فيسبوكيّ ...

119: إسراء الغريب ليست مجرد قصة..

إنّ الإرهاق الجسدي هو أكثر ما يستنزفني. كأنّ طاقة تسحبني للأسفل، حيث لا أستطيع أن أستقيم بظهري، ولا تُسعفني عيناي فتنغلق تلقائياً، ويزداد عدد ضربات قلبي بشكل ملحوظ، وأتعرّق بكل توتر، كإنني أشهد معجزة! لا أحبّ كل ما قد يوصلني لهذا الشعور، ولا أحب كل ما يجعلني أفقد السيطرة على ثبات تنفسي وتركيزي إلا أنه أحياناً بعد أن ينتهي، أنسى كم من التعب عايشت وأتذكر اللحظة. البارحة، أصابني إرهاقٌ مشابه. عندما قرأت قصة فتاة اسمها إسراء غريب، وهي فتاة في الـ ٢١ من عمرها قتلها إخوانها وزوج أختها فقط لأنها نشرت مقطاً صغيراً لها مع من سيصبح خطيبها مستقبلاً. قتلوها لإنّهم رؤوا في الأمر التافه هذا خدشاً لشرفهم، شرفهم نعم، ألا لعنة الله عليهم وعلى شرفهم وشرف شرفائهم حتّى! هذا الهراء، إن كان قد حدث يوماً منذ سنين فلمَ يحدث الآن ونحن أولاد الألفية الثانية! لمَ تقتل فتاة في مجتمع عاهر بالأساس لأنها -ولو خطئاً -كادت تمسّ خطوطاً طولية بعيدة مع فكرة الشرف! لمَ نجلب بناتٍ لهذا العالم إن كنا سنعاملهم كالبهائم فقط لأنهم لا يملكون قضيباً ذكورياً يمنحهم السلطة الفارغة هذه!  إن لحظات كتلك، وأخبار كتلك، تتر...

118: صورةٌ صادقةٌ للمرآة

عندما وقفت أمام المرآة، ونظرتُ عميقاً لعيني، خفت. رأيتُ هذا الضياع الذي أدّعي دائماً أنني أعرف كيف أهرب منه، واكتشفتُ أنني على ما يبدو لم أنجح في ذلك. أخبرتني صديقةٌ بعد أن غيرتُ صورتي الشخصية على الفيسبوك مرة أنّ : "عيناي تُحدثانِ بهجة لكن بهما ضياعٌ جليّ، كإنّه حزنٌ مختبىء!". ولم أفهم تماماً لمَ قد يبدو في عيناي هذا الضياع؟ لكن بقدر ما يكونه أخفيه، لا لكي يتداعى تحت الأيام فيُنسى، بل لأنني لا أحبّ أن يراه أحد فيشكّ أن الضياع أمرٌ رومانسيّ أو أشعر أنا أنني لا أتذكّر طريقة العودة لنفسي. يبدو أنّ المرآة أحياناً هي أقسى صورة من نفسك لنفسك، هي صفعةٌ تجعلك تُدرك كم تحمل من الحزن وكم تكبت من السعادة المفرطة! ولسبب غريب ظللتُ أدندن البارحة أغنية من أجمل ما غنت شيرين: " هتعمل إيه لو نمت يوم وصحيت، بصّيت، وشفت نفسك في المراية بكيت"، لم أبكِ. ورغم أن ملاحظة صديقتي كانت دقيقة وصادقة، إلا أنني لم أستوعبها إلا لاحقاً، نعم يا صديقتي، عيناي مخضّبتان بالضياع، لأنّ القلب كذلك ضائع، وهذان كل ما أتكّىء عليه في هذه الحياة القاسية. عين صادقة لقلب صادق. - 118/365

117: تدوينة الجملة الواحدة.

تدوينة اليوم -لأسباب كثيرة- جملة واحدة، والتي أعتبرها من أروع وأصدق وأشهى ما كتب عماد أبو صالح: "كنت أودُّ أن أقبِّلك فتتوقف الطلقاتُ في حلوقِ البنادق، أن أحضنِك، فيتعرقل جنزيرُ الدبابةِ في وردة"  - 117/365

116: قضبان حديدية أم سجل ذكريات؟

كتبتُ اليوم قصتي القصيرة الأولى، لم أكن يوماً من عشاقها، ولم أعرف يوماً كيف أكتبها، لكنّها كانت محاولتي الأولى، فأردتُ أن أسجّلها. قرأتُ كتاباُ لرشاد رشدي اسمه " فنّ القصة القصيرة" وأنصح به بشدّة، لا لإنك ستخرجُ منه كاتباً مخضرماً، بل لأنّ الكتاب بالفعل ممتع ومعلوماته منظمة ومرتّبة، وأمثلته بديعة واقتباسات بحدّ ذاتها. وبعيداً عن القصة القصيرة، اليوم، وقفت على جانب قضبان القطار، وأمعنت النظر فيهم، وحاولت أن أتخيل عدد من انهالوا تحته، من اندمجوا به باختيارهم، ومن لم يختاروا. كيف لكل جزء حولنا على هذه الأرض أن يعجّ بالموت؟ كيف لكل زاوية أن تحمل ذكرى أحد، رفاته أو بيته. شعرتُ فجأة أننا نسيرُ فوق مقبرة عريضة وهائلة، مقبرة شهدت على المليارات. وعلى الأغلب ستشهد على الملايين أو الآلاف، حسب ما تبقى من عمر الأرض. قطع القطار هذه الخاطرة وهو يمرّ أمامي كالقدر السريع ، تراجعت خطوتين للوراء رغم أنني كنت أقف على مبعدة منه أصلاً. لم يكن يوماً وسيلتي المفضّلة، خصيصاً في مصر، يمكن لمصر ان تطبع صبغة الموت على من أرادت، والقطار واحد منهم. إنّ المرة الوحيدة التي عايشتُ فيها هذه التجرب...

115: الكلمةُ المعجزة، أما بعد؟!

ساعتي البيولوجية تحت اضطهادٍ ممنهج، كما كانت في رمضان. فمحاولة التملّص من النوم باكرًا قد باءت بفشلٍ ذريع، لأنّ الإستيقاظ مبكراً لم يعد اختياراً ولا مزحة، ففي تمام السابعة صباحاً أكون قد فركت عيني وأزلت عنها النعاس الثقيل، وفي خلال خمس دقائق لا أكثر أكون قد بدأت بالفعل طريقي نحو الحمام. لذا، أتمنى ألّا يصيب التعبُ تدويناتي تباعاً. -  في الفيلم الجميل " you've got a mail " كانت الكلمات زهو الكيمياء بينهم، ظلّوا يتراسلون ويتراسلون، حتى وإن كان لكبريائهم رأي آخر في الواقع، لكنّ الكلام استرسل وانساب كلبن مسكوب، ولم يكن للكلام سياج كما للوجه والعينين، لم يكن في الأمر سوى اثنين عبرا بوابة زمنية من المعرفة وشعرا أنهما روحان وانقسمت. هذا هو الكلام فعلاً. ثمة كلام هباء، يُسدّ بيه خانة الوقت. كلامٌ للهروب من لحظة الصمت الغريبة بين الغرباء، أو لحظة الصمت الحميمية بين العشّاق الذين لم يعترفوا بعد أنّهم عشاق. ثمّة كلام لا مكان له، نثبّت راحتينا في ظهره لندفعه باتجاه الخارج، " هيّا هيّا "، فقط لأننا نجهل ما الكلام الذي يجب أن يقال الآن، كأننا نسينا الكلام بأكمله. الكل...

114: كلمةٌ واحدةٌ قد تغيّر حياتك إلى الأبد

كلمةٌ واحدة، قد تغيّر حياتك إلى الأبدّ. قالت لي صديقتي اليوم: " منذ آخر مرة تحادثنا، كلّ ما احتلّ تفكيري كان كيف لكلمةٍ واحدة أن تقلب الدنيا عاليها سافلها!"، وأنا والله لا أعرف. إنّ الأسرار المُخبأة المظللة بأشجار الليمون والمحماة بالصبّار، يمكن أن تختصرها كلمة واحدة، كلمةٌ إذا نُطقت سينتهى أمر كونها سرّاً، فتُفتح أسياج الصبّار وتتهاوى غصون الليمون مُتعبة على الأرض. الحبّ، الموت، الحمل، الزواج، الطلاق، الفراق، النجاح في الإمتحان، القبول في الجامعة، المرض، الإستمرار، الإنهيار، كلها تُعرف بكلمة، وكلها بكلمة واحدة لا تغدو سهلة التناسي كمشاهدة نورس على شاطىء دمياط. قد لا تستطيع الأفعال أن تُكمل طريق الكلمات الغامرة المجنونة، لكنّها تزيّن هذا الطريق بأنوارٍ صغيرة فسيفسائية وبضع منضدات وورد، وتحاول به أن تتحول لفكرة أكثر واقعية. تحاول. لكنّ الكلمات أحياناً تبقى مجرد كلمات غيّرت الحياة إلى الأبد. أعتقدُ أن تدوينةً عن الكلمة المفصلية في عامود الحياة، لا يجبُ أن تكتب في خضمّ حرب ضارية مع النعاس، وصراع حقيقيّ مع الإرهاق الذي ينقضّ على الأفكار الحيّة. لذا أود أن أحدّثكم عن ال...

113: حدوتة أغسطس ..

ماذا أقول؟ لديّ الكثير لأقوله، لكن لا كلام يُسعفني. فماذا نكتبُ في تلك الليالي الجافّة بربّكم؟ أغسطس هذا، ثقيل. وأغسطس الماضي، وأغسطس الذي قبله، أنا وأغسطس لا نتفاهم جيّداً على ما يبدو. بيننا قسوة غيرُ متبادلة، هو مطرقة تدقّ فوق رأسي المسماريّ العنيد، لكن ما نفع العند والحديد، فالمطرقة تهوي، أمّا أنا فأُحاول كل عام أن أستدعي طاقة المحبة والسلام تجاهه لكنّه يأبى إلّا أن يترك المطرقة تنهال فوق رأسي. سأعتبر نفسي صديقتكم نظراً لعدد الأيام التي بيننا، وسأجد في نفسي شجاعةً لأخبركمْ، أنني مُتعبة، مُتعبة بشكلٍ أعرفه، بل أتقنه. أن ابنة هذا التعب وهو منّي، وعندما يزورني ما اعتدّتْه، ألجأ لكفوف أعلم أنها ستربّت عليها، وتلاعب شعري وتطمئنني كأنّني هرّةٌ وديعة أو قنفذ شديد الصغير لا ضرر منه ولا من أشواكه الباردة. أغسطس. حرارته ليست من قيظ الجوّ، وإنما من احتراق القلوب كذلك. لذا أكرهه، بحرارته واحتراقاته، ولا أتذكّر في محاسنه إلّا أياماً معدودات على طول ثلاث سنوات! فهيّا يا عزيزي مُرّ. مُرّ بربّك. - 113/365

112: سياسيٌّ، فماذا بعد؟!

عندما أفكّر في السياسة، لا يُسعفني عقلي. أعني، كيف لعاقلٍ أن يُفني عمره غارقاً في كتلة من القاذورات مع مجموعة من المجانين الديكتاتوريّين ليُسمّي نفسه في نهاية الأمر: سياسيّاً! بالنسبة لي، السياسةُ هي اللعبة الأقذر على الإطلاق، ليس لأنها تتعفّن في الظلم والجور فقط، بل لأنّها منذ فجر التاريخ، لم تشهد إلّا على المجانين الساديين أو المتسلطين المتطرفين. ثمّة احتمالية ضئيلة لأن يكون رجلٌ عادل أو امرأة مُنصفة قد قطعا سلسلة التاريخ الظالمة تلك، لكن هذا القطع قد التأم سريعاً كأنّه جرح سطحيّ في الجلد. ولأنّ السياسة جزء من التاريخ، والتاريخ كما نعلم له ذاكرةٌ مُشوّهة ومتغيّرة على ذوق من كتبه، فلم يكن يوماً حياديّاً ولا موضوعيّاً، فإن السياسة تِباعاً لها ذاكرة مشوّهة ومتغيّرة ولم تكن يوماً حياديّةً أو موضوعية. ومن الغريب كيف يبدو وقع كلمة سياسة قريباً من كلمة إنسانيّة، رغم أن كلّ منهما عالم مختلفٌ تماماً عن الآخر، بل معاكسٌ للآخر. لا أعلم لم تذكّرتوأنا أكتبُ الآن اللحظة التي علمتُ فيها بموت المحامي أحمد سيف، الذي أفنى حياته في كلتاهما، فوقف في وجه السياسة الظالمة ويداً بيد مع الإنسان...

111: ما الرمل دون الساعة؟!

الوقت أمرٌ مُذهل، وما كانت ساعة الرمل ستتجاوز الصورة النمطية من مجرد رمل محبوس في إطار زجاجي لولا أنّها مثالٌ بسيط وثاقب عن فكرة الوقت. نعم، هكذا يسير الوقت، انظر لحبّات الرمل تتسارع خلف بعضها لتلحظ جيّداً كيف يمرّ. في العام الماضي، كانت مقولة قد ارتطمت بجدار فؤادي الكائد على السقوط لتسنده :" كل مُرّ سيمرّ "، ولا بدّ لكَ عزيزي القارئ أن تكون قد مررتها في منشور فيسبوكيّ أو تغريدة زرقاء، أو شاركها معك أحد الأصدقاء على واتساب، وقد يجعل هذا منها جملة مكررة ومستنزفة أعي ذلك، لكنّها ليست مُستنزفة وإن كانت بالفعل مُكررة. إنّ أحلك الأيام التي تظلل على سقف غرفتك وتبيت على الباب في انتظار خروجك لتهجم على قلبك وتردّك بداخلها، هي أيام، وقت، رمال هادرة. وما للرمالٍ تلك إلا أن تمرّ. لو أدركنا كل العمليات السلسة الغير ماديّة التي تدور حولنا، في كل لحظة، وفي كل يوم، وطوال ساعات العمل والإنشغال، لأُصبنا حتماً بتخمة في التفكير ستعطّل إدراكنا لشدّةٍ في الإدراك لا في نقصه. وإننا نلحظ الوقت على فترات كبيرة، تكاد تُحسب بالسنين، فالسنة تمرّ كأنها مضغة تمر، أما خمس سنين مثلاً فتبدو كحِزمة هائلة...

110: من المشفى..

ثمّة قطّة في المستشفى، لونها أبيض وملامحها حادّة للغاية، على جسدها قرح مختلفة وصغيرة، ولا أعلم تحديداً كيف لي أن أساعدها، لكنني كلما مررتُ بها سرت في جسدي قشعريرة ورغبت في احتضانها، فكّرت أن أبحث عن مكانٍ لإنقاذ قطط الشارع لكنني لم أجد في مدينتي، حتى البارحة. أظن أنني سأحاول الإتّصال بهم. ثمة رجل كهلٌ، جسده هزيلٌ له نظرةٌ باهتة، ينام على كرسي الإنتظار أمام بوابة دخول جانبية، الذباب يمارس كل أنواع التسلية حوله، الشمس ترتد على نفسها بعد أن تطرق في صاج ساخن فوق رأسه، هذا الرجل ينتظر أحداً، ابنة او أحد الأقارب، وربّما لا ينتظر أحداً، لكنّه بدا مُرهقاً للغاية، كان الجوّ حاراً. ثمّة طالبة تمريض، تُمسك كرتونة فارغة وأوراقاً كثيرة تبحث عن توقيع المدير عليها لتغدو قابلة للصرف، تهرول بين الممرات وتجتاز الناس كحاجّ في ازدحام مِنى، تقول لزميلتها: الجوّ حرّ أوي يا أميرة. تدخل كلتاهما الصيدلية، فلا يعرض عليهما أحد الكرسيّ ولا يبتسم في وجهيهما أحد، ولست أعلم السبب. ثمّة دكتور مُقيم، له لحية ونظارة جميلة، يجلس كل يوم ليتناول غداءه بمفرده، يُسهم كأنه جالس بمفرده تماماً بينما تحيطه زحمة حا...

109: سلامٌ ورضا..

إنّ العلاقات الإنسانية الإنسيابية الجميلة هي أكثر صورةٍ ماديةٍ من لحم ودمّ يمكن أن تعبّر عن السلام. السلامُ الذي يجعل الكون حتى وإن كان غارقاً في الحروب، طفلاً وديعاً. عندما سُئلت في إحدى جمعاتنا الرمضانية القليلة: " إمتى هتكوني راضية عن حياتك؟" فقلتُ بعد تفكير ومحاولاتٍ لكبت الكبرياء الجامح: " لمّا أستقرّ عاطفيّاً". وإن إدراكي واحترامي لدور الثبات العاطفي في حياتي لا يعني بالضرورة سهولة التصريح به، إلا أنني شعرتُ يومها أن تلك أصدق إجابة يُمكن أن تُقال وما دونها كذبٌ باهت. وإنّ جملةً كـ " لمّا أستقرّ عاطفيّاً" تحتمل معانٍ جمّة، كأن أشعر أنني جيّدةٌ بما يكفي وأنني أكفي لشخص واحد في هذه الحياة، بل وأنّ شعوري أو اطمئناني بأنني سأعود كل ليلةٍ لأتشارك اليوم والمخدّة مع شخص يحبّه كياني هو أمرٌ يبعث على الرضا، كأنّك تملك من الحياة مخزوناً لتواجه منها الأحزان والشقاء.  وليست العاطفة استقراراً كاملاً متكاملاً، وليست تعبيراً شاملاً عن الرضا، لكن هذا ما شعرتُ به حينها. وإنّ أكثر أيامي دفئاً كانت تلك التي شعرتُ فيها في نهاية كل نهار أن لي كتفاً يسند رأسي...

108: ثمة دائماً مرّة أولى..

تعالوا لنتحدّث عن المرّاتِ الأولى، عن المرّة الأولى التي تعيشها وتنتهي منها لأنّها ستكون هي ذاتها المرّة الأخيرة، أو المرّة الأولى من الأمور التي تجثو على أنفاسك، أو المرّة الأولى التي تطير بك على بساطٍ من الهناء التام حيث تكاد تؤمن أن لا شقاء بعده. المرّات الأولى التي لا تعلم أنتَ إن كنت ستُعيشها ثانية أم ستتمنّى لها أن تنتهي في صورتها الأولى. كمّ مرّةً ستعايش فقد الوالدين مثلاً؟ مرة واحدة، وهي المرة الأولى والأخيرة. كم مرّة ستعايش اللحظة الأولى للقاء من تحبّهم؟ كثيراً، كل مرة تملك تفصيلاً مميزاً وشكلاً يتناسب معهم، وستظلّ تلك المرة في حديثكم الذي لا يُملّ منه والذي سيبقى ما بقيتم مليئاً بالمفاجئات. كمّ مرةً ستحبّ حبّك الأول حيث يتعرّف فيه فؤادك على أنّه فؤاد في الأساس كجنين يحاول الإمساك بثديّ أمه؟ مرة واحدة، مرةً واحدة ستحبّ فيها حبّك الأول، مرة واحدة قد تكون وصمة وقد تكون وساماً. كمّ مرّةً ستتخرّج من المدرسة الثانوية والبكالريوس والدكتوراة؟ مرة، أو مرّتان أو ثلاث أو أكثر إنْ كنت لا تفضل الدراسة كثيراً، لكنّ لابدّ لها من مرة أولى.  إنّ للمرة الأولى قدسية، ومكانةٌ كما ي...

107: خاطرة ليلية..

النوم أقوى من السُكر، خمرٌ فلا سلطان عليه ولا حكم. ولأنّ اليوم كان طويلاً وحافلاً بل متكدّساً، أشعر أنني واقعة تحتُ تأثير هذا السُكر المرهِق، لدرجة أن الكتابة الآن بعينين مفتوحتين وتركيز شبه كاملٍ أمرٌ شِبه مستحيل. إنّ ما يجعل تجربة الكتابة هذه أمراً استثنائياً بالنسبة لي، هي هذه الليالي، التي أتواجه فيها وجهاً لوجه مع قدرتي على الإلتزام والإستمرار، واستكمال مسيرة بدأتها أنا بلا رقيبٍ ولا والي، مجرّد رغبة في شيء أحبّه مذ عرفت الحبّ.  و مهما كان الظرف والمكان ومهما كان مقدار التعب وانعدام الطاقة وشحّ الفكرة، إلّا أن طاقةً تدبّ في الإنسان عندما يرى خطّ النهاية أمامه، ويُدرك أن الإلتزام هو أعظم ما قد يقدّمه لموهبته أو أيّاً كان ما يمتلكه، هو المسطرة التي تنظّم وتُؤطّر وتحدد وتطوّر الموهبة. إنّ الممارسة تجعل التفاصيل أكثر انسيابية، والوصول محتملاً بدلاً من أن يكون شديد البعد أو مستحيلاً. لا أعلم تحديداً إنْ كانت الحروف اليوم مترابطة ومتشابكةً بما يكفي، والأفكار متآخية ومتساندة، نظراً لما سبقت ذكره، لكنني أردت أن أتمنّى لكم ليلةً هانئة، وغداً جديداً فارقاً في حيواتكم. تصبحون عل...

106: هل للحاضر أصالة؟!

لماذا ونحن أولاد القرن الواحد والعشرون، نلجأُ لحلول قديمة ومفاتيح صَدأة؟! هل يسير بنا الزمان لنظلّ واقفين في البقعة ذاتها التي انزلقت فيها رؤوسنا للمرة الأولى وكأننا نسير عبثاً؟! وهل يجب أن نلجأ للمسابير ذاتها بينما أوجد العالم طرقاً مُختصرة وأكثر فعّالية للوصول للبّ الحياة والحبّ؟! لمَ، ويثير هذا التساؤل حفيظتي بحقّ، نُعامل عقولنا بكل هذا القِدَم، ونفترض مجازاً أنّ الآخرين ما زالوا هناك، في ذاك العالم القديم، لمَ لا يتجرأُ أحدٌ على خرق هذه القواعد المهترئة بصوتٍ ثابت، ولم إن تجرّأ أحدهم يخافُ ألا يسمعه أحد؟! ورغم عشقي لكل ما يحمل عبق التاريخ والأبيض والأسود والفساتين القصيرة المنقّطة بقبّعاتها الملكية ذي الأوشحة التي تشبه الشبك، نقاشات الناس ما بين " يا هانم" و" أفندينا"، الرسائل البريدية وأصوات شرائط الكاسيت التي كانت تحاول بكامل دفئها أن تتحدى الضوضاء والشوشرة، العائلة والجدّات والزغاريد والحكاوي، إلا أنني لا أجد مواكبة العالم شئ خادشٌ للأصالة ولا مهينٌ لكل هذا الماضي الجميل. ثمّة أصالة في الحاضر والجديد كذلك. - 106/365

105: طفلٌ انفلتَ من التعداد السكّاني..

عندما كتبتُ تدوينة " نقطة تفتيش جديدة:  لغة برايل  " والتي كانت تدوينتي السادسة بالمناسبة، أي منذ ما يقرب من مئة يومٍ مضى! كنتُ أشعرُ بضيقٍ حقيقيّ في الشرايين، والله كأنّ الشعب المؤدية للرئة قد انكمشت وصغر حجمها، فبات مرور الهواء أصعب من مرور السيارات على كوبري أكتوبر في الثانية ظهراً. ولذلك عندما وددت في  تسجيل إحدى تدويناتي وجدتُ في روحي انجذاباً خفيّاً لها، رغم أنني بالفعل قد تناسيت ما جعلتني أشعر به وأنا أكتبها، لكنّ أموراً كتلك حتى وإن نُسيت، تتأرشف.  لماذا أكتب عن تدوينتي السادسة؟! أعتقد لأن شعوراً ما مُشابهاً دقّ صناديق حزني البارحة، ورغم كامل إدراكي لكل ما يدور حولي، ثمّة جزءٌ حقيقيّ يبهتُ بالتناسي، وأنا على الأغلب تناسيته. لكنني البارحة فقط، أيقظته، بكل عنف وأرق، أمسكت ياقة بيجامته "الكستور" وهززته بكامل قوّتي كإبنٍ يأبى أن يصدق أن من مات بين ذراعيه هو أباه، فيحاول مُستميتاً أن يوقظه ويناديه: " قوم معايا إحنا لازم نروّح، قوم ". إنّ جسدي، أعني، عظامي ولحمي وجلدي ودمي الساخن الثائر هذا، أمورٌ يمكن أن يراها أو يشعر بها من حولي، أما بعيداً في ...

104: احملني معك أيّها الزمن ..

أُفضّل أن أعايش التجارب بدلاً من مشاهدتها عن بعد، وأن أنغمس فيها حتى وإن كانت وحلاً مدقعاً طالما رأيتُ فيها وردة واحدة مُزهرة. أُفضّل أن أُخطئ وأتعلّم، أنكسر وأترمم، على أن يُلقنني أحدٌ الصواب والخطأ وكيف يجب أن يُفعل هذا ويُقال ذاك. أندم، أندم نادراً، لكنني أندم عندما أتذّكر كل المراتِ التي كان يجب عليّ أن أستسلم فيها للتجربة  وأن أخوضها، بل وأن أتحدى كل الرفض والتعنّت لكي أطوّع الوقت، ولكي تتوقف عقارب الساعة قليلاً على عتبة داري لتحملني على أكتافها قبل أن تدور في حركات دائرية سريعة ومجنونة بدلاً من أن أكون خارجها، أعي دورانها فقط عندما تتوقف بينما يكون الزمن كان سار وطار بالفعل. أقول كمواساةٍ للنفس، أنّ الندم خدعةٌ لأنّ كل شيء بمقدار، وهذا المقدار كان مقداري، كان يجب أن يتأخرّ زمني، كان يجب أن يعترض طريقي ما اعترضه، وكان يجب أن أخنع له. أقول هذا أحياناً فأصدقه، وأحياناً، لا أصدّقه، كإنّه تربيتة مُفاجئة من كفّ صغير أراد طمأنتك لا لاحتمالية أمل في نجاح الأمور بل كمحاولةٍ لتخفيف حزن فشلها. كان لزاماً عليّ أن استمع لصوت قلبي، وأن انحاز لصفّ التجربة، وألّا أخاف، وأن أبدأ، قبل ه...

103: " سكّر بنات" وحياةٌ جديدة..

القمر مُكتمل، والصيف مجتهدٌ هذا العام، والقراءةُ أجمل ما حدث وأجمل ما سيحدث، واليوجا في ظهورها الأول في حياتي، تجربة مُسالمةٌ ومثيرة للإسترخاء والإمتزاج بالكون المحيط. أشعرُ أن كل تجربة، هي صرخةٌ لحياة جديدة، وأنا غداً، على موعد، مع حياةٍ جديدة. وقبل كلّ حياةٍ تبدأُ لابدّ للإنسان بنومٍ هادىء. وأنا أحاول الآن أن أتخلّص من كل أرقي وتوتري وارتباكي الزائد، وأن أنتظر حتى الصباح، حيث تبدأ شمسٌ جديدة، وتبدأ تجربتي. إنّ اليومَ كان أنثويّاً بامتياز، جلسةٌ وسمرٌ وغناء وبيتزا، وفيلم " سكّر بنات". وأعتقد أن مراسماً كتلك قد تؤهل الإنسان لأنْ يُقابل غداه بكل حنيّةٍ وأنثوية وغنج، لذا سأحاول أن أتصدى بهم لإزعاج الناس في المواصلات، وصوت الرجال العالي وسبابهم العنجهيّ الفارغ، ولأي سخافةٍ قد أتلقاها من هنا أو هناك. لأنّ غداً تجربةً جديدةً، ولأنّ غداً حياةً جديدة. أو هكذا أحاول أن أُقنع نفسي.. تصبحون على خير - 103/365

102: على قيد " المحاولة "..

" إنّ الإنسان إن لم يكن على قيد الحياة أو على قيد الموت، فهو على قيد مشنقة، كالحبّ بائس. أنا على قيد حبّ بائس " قالتها وهي تنظر بعيداً، لأبعد نقطة يمكن أن تتلاقى فيها عينانا، "أنا على قيد حبّ بائس يا عزيزتي ". وإنّ الحياة اللعينة التي تلعب بمحاولات الإنسان المستميتة للشفاء لعبة أفعوانية غير متوقعّة، تجعله مهدّداً، أو تحديداً، تجعل محاولاته للشفاء أو قلع شظايا حبّ قديم، مهمّة عصيبة تحتاج لصبر أيوب أو صمود يسوع المسيح على الصليب.  نحاول. هذه الكلمة التي نكررها دائماً كلما مشينا خطوةً أو باعاً أو حتى أميالَ في هذه الحياة. نحاول. وكأن الحياة مجموعة متتابعة من المحاولات ليس إلا. نحاول، لكي نصل للحلم. نحاول، لكي نتشارك المخدّة مع من نحبّ. نحاول، لكي نبني مساحةً تشبهنا. نحاول، ألّا ينتصر علينا الإكتئاب. نحاول، ألّا نتعرض للمهانة أو كشف الستر. نحاول، أن نُحَب كما نحن ومع ذلك نظلّ نحنُ نسخةً أجمل عن أنفسنا. نحاول، ألّا تبلعنا الرذيلة. نحاول، أن نضمّ الفضيلة. نحاول، ونحاول ونحاول ونحاول. حتى النهاية. لكن، كيف تحاول هي مع حبّ -بائس-؟! هي لا تملك أملاً تعول عليه، ولا ت...

101: في صحّة سعادة الأصدقاء..

إن كوب الشاي الذي يتدلل إليك بعد يوم طويل وحارّ وممتلىء، أرقّ من قبلة الجبين. وإنّ رؤية الأخلّاء القريبين من الفؤاد، يتغنّجون ويرقصون بفستانٍ أبيضٍ وبدلة سوداء راقية، يبعثُ في القلب الأمل كأنْ لا يأس يُعشش في النفس منذ سنين. تغرورق عينايَ لكنني عادةً ما أحاول أن أداريها، لحظة الضعف الناعمة تلك لا يجب أن تشبهني، لكنني أحياناً أستسلمُ لها، لأنّ الحبّ يبدو قوّياً في أثواب الآخرين، ويبدو ناعماً ويشبهني. ما هي المسافة التي يمكن تُقطع من أجل الأصدقاء؟ كبيرةٌ، خصيصاً إن كانت لرؤية ابتساماتهم العريضة الصادقة، رقصاتهم وعنفوانهم وسعادتهم الحقيقية، بهاؤهم الكامل التامّ، وهم يتمخترون على السلالم، تحمل هي طرف فستانها ويحمل هو قلبه على كفيّه. ما السعادة التي يمكن أن يجلبها الأصدقاء؟ هائلة، كأنّك قد دسست يدكَ في مياه الدوش المحبوسة فغدت كأنها مياه المحيط الهادرة. ما الدموع التي يمكن أن تُفدى لعيون الأصدقاء؟ أمطار، في الفرح قبل الحزن، وفي المؤازرة قبل المؤانسة. إنّ من قال " دي دموع الفرح" لم يكذب، لأنّه عرف أن الدموع وسيلةٌ لتقديم السعادة كما هي في الحزن. لأجل الأصدقاء ...

100: العيد: " كلمتين بس وأقفل"

قدرة ماما العجائبية على مهاتفة الأقارب والأصدقاء في العيد تدهشني، بينما أجلس بجانبها أقرأ كتاباً أو أتناول الكعك وأحتسي النيسكافيه بكل هدوء لأنأى عن الناس. ماما تمتازُ بإنخراطها الغير مفهوم في العالم، يُمكنها أن تكون سيدة المهام جميعها، يمكنها أن تهاتف إحداهنّ لساعات بينما كانت تستهل المكالمة على عُجالة بجملة: " مش هطول عليك، كلمتين وأقفل علطول"، ثم تتسلسل الكلمات وتترابط كالخيوط في السجاد، وتستمر ال" كلمتين" حتى ينتهي المعجم ويجفّ نبعه، ويمكنها ألا تفعل كل هذا وتستند على سريرها لتشدّ أطراف الحديث معي ولو مشاكسةً. والله تصيبني الدهشة من أمي مروراً بجدتي وحماة أختي وخالاتي، اللواتي يضاعفن عمري ضعفاً أو ضعفين، ومع ذلك ما زلن يملكن طاقة للحديث في الهاتف وللزيارات المنزلية والعزاءات المتكررة والأفراح المنبثقة من رحم الصيف، وأنا، ابنة العشرين النشطة المُقبلة على الحياة، والتي تملك رغبةً عظمى تجاه البشر والعالم- أو هكذا يُملي عليّ عمري- تنزوي في العيد، وتركض لاهثةً خلف البقع الهادئة في المطاعم والمقاهي وحتى في أركان المنزل. وإن آفتي هذه لا تعني بأنني لا أحبكم، أنا ...

99: ليلةٌ صفاقسيةٌ: ذكرى من العيد

أحبّ مراقبة النجوم، رغم كرهي الشديد للفيزياء، لكنني أجد في النجوم سلاماً عميقاً وحقيقياً. أنا لستُ فقط أكره الفيزياء، بل أخاف الفضاء، ورغم انبهاري الشديد بكلاهما، لكنني لم أشعر يوماً أن هذا الفضاء الواسع الممتد إلى اللانهاية شيء مُسالم ويمكنني إهداؤه مشاعر حبّ أو طمأنينة. يمكنني فقط أن انبهر به كما ينبهر رجلٌ شرقيّ بالأفخاذ لكنّه لا يتزوج امرأة تكشفهما. ظلّ القمر جسمي المعتم المفضل، حتى عندما لم أكن أعرف هذا عنه وكنت أظنه كوكباً، فلم لا أحبّه! كان مُراعياً،يسير معي وأنا أسير، لا يهم بأي وسيلة أسير، لكنّه يرافقني، ينيرُ عتمة الليل ليؤنس هذا الظلام الحزين، يلفّ حوله النجوم حتى وإن لم يكن ذلك كلاماً دقيقاً، لكنه من شرفة منزلي يبدو كجدّ يجمع النجوم حوله على مائدة العشاء. ولأنّ نوره ليس ساطعاً حتى يستحيل عليك التحديق به كالشمس، فيمكن لك أن تراه وتصادقه وتأتنس به في كل بقعة ستطؤها قدماك.  منذ عامين، في ليلة عيد الأضحى، كنا نتشارك أنا والأصدقاء ذكرى أجمل عيد عايشته، كنا في باحة منزل تونسيّ جميل، له الألوان التونسيّة المميزة، الأزرق والأبيض، نجلس أمام مائدة فارغة لأننا لم نكن جو...

98:ما بين ليلةٍ وضحاها: "غيّر عتبة"

إنّ الأمور قيّمة للغاية في اللحظة التالية لانفلاتها من بين أصابعك، وعاديّة، بل أقلّ من العاديّة، إن كنتَ تقبض عليها كحمامة مسكينة تسللت لغرفتك. استيقظت هذا الصباح على مفاجئتين، أولّهما: احتقانٌ شديد في اللوزتين الّلتين احتفظتُ بهما لشدة خوفي من غرفة العمليات، والتي ما لبثتُ أن دخلتها لاحقاً فلا فادني خوفي ولا فادتني اللوزتين. ثانيهما على قبلة وضمّة أبي العائد أخيراً من السفر. نقول نحنُ المصريين " غيّرلك عتبة" عندما تتعقد الأمور كثيراً، أو عندما يصيبنا الملل، نحتاج أن نغير "العتبة" لكي يعود ألقها الذي زهدناه. وعندما نعود، يبدو كل شئ مختلفاً وجديداً ونظيفاً للغاية، كأننا نراه للمرة الأولى بينما قد أذابه دوام استخدامه واستدامة وجوده. وإنّ أقسى معلّم صادق ستعرفه في حياتك هو هذا الذي يغيّر عليك الأعتاب دون أن تملك يوماً رفاهية العودة. البارحة فقط، كنت أقفز في الشارع، آكل بشهيّة وأتسامر مع الأصدقاء، كنت نشيطةً لا أشتكي من أية آلام سوى آلام الجيم. البارحة فقط، كنتُ أتخيل متى سيعود بابا لأنني اشتقته، ولأنّ العالم أكثر طيبةً وحنّية فقط لأنّه فيه، حتى وإن اختلفنا ...

97: يا صاحب الجُعبة الملأى: الحبّ

إنّ ما أريد التفكير فيه الآن هو فيلم " هلأ لوين "، وهو فيلمٌ لبناني لنادين لبكي، لأنني أسعى لما هو أبعدُ من لحظة الهدوء العظيم الذي أمتلكه كلما فتحت باب البيت وانعزلتُ عن ضوضاء العالم. في الضوضاء كنتُ أفكر أن ما هو أدهى من إحساس الحبّ، أن يكون من تحب هو من تحبّ فعلاً، وأن يكون هو اختيارك الأول كلّما مررت بالإختيارات، وأن يكون من تحبّ هو من يحبّك. هذا ليس موّالاً قديماً ولا تفريغٌ كتابيّ لحلقةٍ إذاعية لأسامة منير، وإنما هو بكل بساطة، معجزةٌ قائمةٌ بعمر الأرض، ولا يهترىء الحبّ كلما زاد الحديث عنه، ولا تَقْدُم عملته ولا تنتهي موضته مهما بدا ذلك. ولا أفكر في الحبّ إلا عندما يبدو قريباً جداً أو على النقيض، بعيداً جداً. بدا -اليوم- بعيداً. وإنّ ذروة إيماني بكون الحبّ رزق خام وتامّ ينبع من اللحظة البديعة التي يتحول فيها شخصٌ عاديّ إلى استثنائي. وإن الأرزاق موزعةٌ ونحن ذو الجعَبِ الفارغة، ننتظر كل ليلةٍ لنعرف علامَ حصلنا من الرزق، ونتساءل علامَ سنحصل غداً. يقول صديق لي مقتبساً عن صديق له: الحاجات اللي تعتبر من متع الحياة، يا حرام، يا غالية، يا أكل" فسارعت صديقتي لتقول:...

96: الباب مفتوح، لكننا نبحثُ عن النافذة

في مواجهةٍ صادقة مع الأحلام، انتابني شكٌ غريب في أن أكون أنا التي لا أستحق أن تتحقق الأحلام. أعني ماذا قدمتُ لها أنا؟ قد لا أكون دؤوبة كفاية وقد لا تكون تلك أحلامي وكان هذا مجرد وقع العالم المتسارع على رغباتي. إنّ كنّا سننظر بعدلٍ للأحداث التي تدور حولنا، فلن نجده على الأغلب مهما بحثنا، ولا دخل لذلك باسم الله العدل، لأنّه دائماً ثمّة مظلومٌ في رواية أحدهم، وثمّة ظالم، وإن كنّا سنركز على الأحلام ومدى أحقيّة تحويلها لواقع حقيقيّ، فهي تأتي إما لهؤلاء الذي بلعوا الصخر ولم يلتفتوا لأحدٍ سوى التركيز على أنفسهم وتطويرها والإيمان بها، وهذا عملٌ شاقّ. أو تأتي لهؤلاء الذين مهّدت الحياةُ لهم الأمور من قبل حتّى أن يولدوا، وأكملو همُ المسير، وهذا حظّ جيّد على الأغلب. أنا لستُ من مناصري قواعد الحظّ والمحظوظين صراحةً، ولم أشعرُ يوماً أنّها صولجان التحقيق أو لمسةُ خطّ النهاية في الماراثون، بل هي ملعقة سكرٍ للخميرة، لمسةٌ قد تكون سحرية لكي تكتمل الوصفة، لكنّها ليست الوصفة. العمل الشاق الذكيّ هو الوصفة، والإستماع الأذكى للقدر الذي كلّما اتجهت به يمنةً، صدمك بعنفٍ ليعود بك إلى اليسار، وأن تُدرك ال...

95: عجائبُ القدر في العيش بفعّالية

إن ما نحاول القيام به من محاولاتٍ يومية للعيش بفعّالية وإنتاجية ترقى بالمستوى المطلوب لإستحقاقنا التنفس، لهو أمرٌ هائل. أعني قد يبدو هائلاً بالنسبة لنا، أما بالنسبة لآخرين فهو يبدو شديد التفاهة. البارحة، كان الغروب جميلاً إلى الحدّ الذي جعلني أسمّر عينيّ عليه طوال الطريق إلى المنصورة، وقد تتخيلون صعوبة التصوير في المواصلات العامة في مصر، يتملكك خجل سببه حشريّة الناس لتتوقف عن ممارسة أفعالٍ طبيعية كالتصوير أو مهاتفة أحدهم، لكنني استخرجتُ هاتفي وصورت مقطعاً صغيراً من ثوانٍ، شعرتُ لحظتها أن غروباً كهذا لا يجب أن يمرّ دون توثيق! يُقال أن ظاهرةً كتلك قد نتجت عن حرائق ضخمة في غابات سيبيريا و أن أشعة الشمس اصطدمت وهي تحت الأفق بسحبٍ عالية جداً. بدا الجميع خائفاً منها، لكنها بدت لي كأنها الغروب الأجمل على الإطلاق. إن الحمرة الدموية الممتزجة بالزُرقة، ليتشكّل بينهما لونُ بنفسجيّ متعدد الدرجات، ومُدمجٌ بكل تلك الألوان اللون الأصفر القويّ. كان شيئاً بديعاً. في تلك الأيام، أشعرُ أن الكون يساندنا تجاه الأيام، حيثُ تتحلّى الشمسُ بألوانها لتجعل اليوم مُستحقّاً، فيُهيّىء لك في نهاية اليوم أنّك...

94: الساعةُ ذو السرعة المتفاوتة

لأصدقاء الجامعة ألقٌ لا يموت. بين السنوات، تتلاقى أيدينا، ونقبّل بعضنا بعضاً ونطمئن على الأحوال، بين كل لقاء ولقاءٍ تتغيّر أجسادنا، وبعد أن تكون الأذرعة فارغة حاملةً الحقيبة واليد ممسكةً المروحة اليدوية، أصبحت تحمل طفلاً وتجرّ الآخر. تتغير نظراتنا، تلك التي كانت تشتعل بالحماسة والإنطلاق، لتغدو ساهمةً وهادئة تبحثُ عن ذراع الزوج لكي تلتفّ حوله أو عن أصابع الصغير لتمسكها، وأحياناً تتغير الأعين التي شرذمها حب مراهق وقاسٍ، لتعود لتزهر من جديد وهي حرّة الفؤاد تماماً. تتغير ابتسامتنا، صوت ضحكاتنا حتى، يختلفُ فينا اندفعانا للرقص دون قيود، ويسقط عن أكتافنا ثقلُ الخجل والبرستيج قليلاً، لنميل لكوننا على طبيعتنا. فمن تزوجوا تزوجوا وانتهى الأمر، لم يعد في الأمر داع للتظاهر بالرقة والنعومة، ومن لم يتزوج تصالح مع طبيعته ولجأ لتقبلها فضلاً عن جلدها كل يوم. بين كل حدثٍ وآخر، بين كل خطوبة أو كتب كتاب أو عرس، نلتقي، وكل واحدة يبدو عليها ركض الزمن بها، ونجلس لنتساءل تلك الأسئلة المعتادة، أين تعملين الآن؟ كيف الزواج؟ كم عمر الصغير؟ هل انضمّت الصغيرة للحضانة؟ أين تركت ابنك؟ أين الرومانسية الآن؟ منسيّة؟...

93: تساؤلٌ يسعى لإجابة..

لماذا نلجأُ للقسوة المطلقة عندما تنتهي كل حلولنا الحنونة تجاه أنفسنا والآخرين؟ لمَ تكون الغلظة الحلّ الساهل بينما السهولة في التعامل هي الحلّ الغليظ؟  هل لأننا نعلم أن الحلول الحنونة وجهٌ آخر للضعف، أم لأننا نخبّؤ وحوشاً صغيرة بداخلنا تجد فرصةً لها بين شقوق القلب كلّما انكسر؟ والله لا أعلم. أنتم كيف ترون إجابة هذا السؤال؟ شاركوني 🌷 - 93/365

92: رقصةُ الأمعاءِ المجنونة..

لا شيء يثير الدم في عروقي كالسفر، ولا أعني بذلك الرحلة المكررة التي أعايشها كل بضع شهور، والتي كدتُ أبصمُ هضباتها وجبالها ومسطحاتها المائية عن ظهر القلب، بل أعني تلك الرحلاتُ التي تنشأ من المرح وتُفضي إلى الفرح، الرحلاتُ التي نتشاركها مع الأصدقاء لنزور بلداً جديدةً أو حتى مدينةً في مصر سمعنا عنها دائماً وقررنا زيارتها أخيراً. لكلّ إنسان منّا رقصةٌ مميزة لأمعائه وحماسةٌ مضطربة في جوفه تملؤه حيال أمر ما، ولو لأمر واحد فقط! أما أنا فالمراتُ القليلة التي شعرتُ فيها بوخز ناعم في داخلي، كأنّ ريشة تدغدغني، وراقص سالسا يتمايل على قولوني، كان السفر جزءاً منها. في السفر حريّة أطمح لها، وأتخيلها وأنا على سريري، كل ليلة، أتخيّل نفسي أسير في شوارع لندن، أو أسمع موسيقى رائقة في شوارع روما، أتناول طعاماً شهيّا وأرقص كالفراش، أو أجلس في قاربٍ مميز في ڤينيسا، لستُ بمفردي لا، وعلى السواء لا أتخيل أحداً معي كذلك. أتخيّل نفسي أتمشى والرمل الغزِل يداعب قدمي على شاطىء كينيا التي لا يفكّر في زيارتها أحد، وأحياناً أتخيّل نفسي ممَّدةً بكل سلام كأن العالم سينتهي غداً، أعدّ النجوم في المالديڤز. أتخيّل خي...

91: معادلةٌ مجنونة: الحكاياتُ في وجه النسيان

أتذكّر إنسانيّتي عندما أحكي مظاهرها لأحد من المقرّبين. أتذكّر المواقف التي عشتها وعاشتني، أتذكّر حياتي عندما أروح في سردها. وكلما التزمتُ الصمت نسيت. أكثر ما أحاول الهروب منه في هذه الحياة، هو كل ما قد يستدعي شعور أحدٍ تجاهي بالشفقة، وأنا لي كبرياءٌ مُزعج، كبرياءٌ لا يُحبّ أن يستجدي المساعدة، ولا يحبّ أن يتلبّسه الضعف. لكن - ولحظ كبريائي العاثر-  لي قلب.  ولأنّ القلب يحبّ، ولأن القلب إنسانيّ وحميّ، ولأن القلب نقطة ضعف كل نقاط القوة، يتهاوى الكبرياء على عتبات الدور أحياناً. وأحاول، بصدق، أن أحافظ على هذه المعادلة المجنونة، كبرياءٌ، دون استثارة للشفقة، وقلبٌ محبّ. لقد فاجئتُ نفسي منذ فترة عندما نسيتُ أحدهم نسياناً تاماً، وعلى الأغلب - ولأجل النسيان- حافظتُ على كبريائي وتوقفتُ عن السرد، لا أحكِ تفاصيله، لا أقرأ إهداءاته ولا أجد وروده، لاشيء، لا أتذكّر شيئاً منه سوى اسمه. ولم يكن في الأمر حرب، أعني لم أشعر أنّ جاذبية الذكرى أقوى من النسيان، لا، بل كان للنسيان فوهة عميقة غامضة بدت أكثر أماناً من هذه الصحراء الباردة. لهذا اعتزلتُ الحكايات، لأنّها السلاحُ الوحيد الذي يقاو...

90: أربع شهورٍ على الـ٢٠

ماذا ستحمل لي الشهور الأربعة المتبقيّة من هذا العام؟ يطنّ هذا السؤال في رأسي طوال اليوم، تحديداً عندما وقفت تحت دشٍّ من المياه الدافئة التي انسابت وتخللت شعري بهدوء. فكرتُ وأنا مغمضةً عيناي: ماذا يحدثُ الآنَ أصلاً ليحدثُ في الشهور القادمة؟ ولأنني لا أحبّ أغسطس، لأسبابٍ كُثر، أولها قيظه المُرهق وآخرها ذكرياته، حاولتُ أن أتخيل الثلاث شهور الأخيرات، حاولتْ. ووجدتهم كمثيلاتهم، أيام تشبه الموج، تكرر نفسها بلا ملل أو تعب. تتحدثُ التنمية البشرية عن قوتك الداخليّة، وقدرتك الفذّة على تغيير عالمك. وأنا لا أومن بالتنمية البشرية، بل أؤمن بالإنسان، أؤمن بالتغيير الذي يجعل الأيام زاهية ومزهرة حتى وإن كان بعضها قاحلاً ومجحفاً. وتتحدثُ الأبراجُ عن حظّك وماذا ستحملُ لك الأيام، لا ضمانةٌ بوجوب التحقق، بل مجرّد قراءة لاحتمالاتٍ. لكنني لا أؤمن بالأبراج وإن أحببت قصصها وتحمستُ لمن يشاركونني بُرجي، وتحدثتُ مع الصديقات حول صفات أقربائهم أصحاب هذا البرج وذاك. ولم أهتم كيف ستفسّر الأبراج ولا كيف ترى التنمية البشريّة ماذا ستبدو عليه الأيام المتبقية من هذا العام. لأنني على الأغلب سأترك نفسي للتيار كما أفعلُ...