المشاركات

عرض المشاركات من نوفمبر, 2019

211: ماذا بعد السماء

صورة
وماذا بعد السماء؟! تبدو الأرض كروية للغاية من هذا المكان. اللون الداكن في المركز والذي يبدأ منه بالتدريج حتى يصل إلى المدى الذي أمامي. كأنّ أحدًا ما صبّ برميل طلاء على الكرة الأرضية فبدأ ينسال وينسحب إلى خطّ المنتصف، بينما نقطة البداية مركّزة وغامقة بما يكفي. البحر كان مجيدًا، زُرقته تناغمت مع الحَمَار الدموي للغروب. لا يمكن أن تندمج الألوان منفصلة، ورغم الإندماج تحافظ على استقلاليتها كذلك. أفكار فلسفية وجوديّة تمتدّ في العظام منذ الطفولة. ليست محاولة للإلحاد لكنّها تساؤلات لم تجد أجوبة. علاقتي بالله خاصَة لكنّها ليست منزّهة. أتساءُل للمرة المليون أين الجنة والنار؟ ولمَ لا يموت أولاد الظالمة! وأين تذهب أرواحنا؟ فيمَ تخزّن؟ وهل تُخزّن؟ الآن يغالبني نومٌ شديد سأستسلم له، لكن لأترككم مع صورة للسماء، حتى يتسنّى لكم تكوين جسر مع أفكاري.. تصبحون على خير، سأُحدّثكم عن البحر كاملًا وحواديته  . - 211/365

210: محاطون بهنّ..

تحديث: تطوّر علاقتي بإيمان مِرسال وحبّي لها بشكل ملحوظ بدأ يثيرُ قلقي تجاه ما ضاع من السنين دون قراءتها والركض وراء أعمالها بلهثةٍ وشراهة. اليوم لازمتُ البيت لأشاهد ساعتين متواصلتين من لقائها البديع باستضافة بلال فضل في عصير الكتب. ثلاثة أجزاء من الجمال والرقيّ والصدق لا مثيل لهم. انتهى التحديث. ... " عزيزتي شعلة، علمتُ اليوم أنّه قد جاء دوري للقصاص "  ترنّ في أذني منذ ساعات. لماذا تطاردني رسالة ريحانة جبّاري الآن؟ وإن كان لابدّ لشيء أن يطاردني فهو صوت رضوى عاشور؛ لأنّ اليوم ذكرى وفاة السيّدة، هذه السيّدة الأيقونة. في الثلاثين من نوڤمبر كان يوم ميلاد حزن جديد وتيتّمٌ أدبيّ فقدتُ فيه أمّاً أدبيّة لم أقابلها قطّ سوى من خلال كتبها، والتي بالمناسبة لم تترك صُحبتي طوال تنقلاتي من وإلى المنصورة في سنوات الجامعة، بل وتنقلاتي من المدينة للشقة التي استأجرناها ثم لشقّة جدّتي أحيانًا ثم مرة أخرى للإمارات ثم أعود بها لشقة المنصورة حتّى تستمر في دورانها حول مركزية حياتي المُغتربة الغريبة. لكن، كل ما أسمعه كصوتٍ ينادي من أسفل رأسي هي جملة ريحانة، التي تنادي فيها شعلة لتخبرها، ها هو ا...

209: نعومة مضطربة

أتحفّز لمن أحبّهم، وأقفُ لهم في مواجهة الحياة، أبرّر لمن يتقافزون حولهم كالسباع سرّ نزيفهم، ثم أتواقح فيمن يتبجّحون في وجوههم، وأركلهم بين أرجلهم - إناثًا كانوا أم ذكورًا- ليبتعدوا عنهم لأن لا مجال للنعومة الآن. في الطفولة كان لي شعر قصير وناعم وأسود، وفي نهاياته أمواج خفيفةٌ تُنبّؤ عن شعرٍ له شخصية. كنتُ أحبّ كرة القدم، وكانت في ذلك الحين تمتاز بذكوريّتها المعهودة، لم تكن النسوية ذات صوتٍ مسموع كالآن ولم أكن أنا أفهم ما النسوية أصلًا. كان لأبي صديقٌ جميل، طويل وأسمرٌ وله ضحكة خاطفة. بيني وبين السمر ذوي الضحكات الخاطفة قصة حبّ بسبب أبي، المهم أنّه كان صديق أبي المفضّل لي، وكنتُ أنا طفلته المفضّلة كذلك، جمعتنا كرة القدم وذكورتي المبكّرة في الأفعال. هكذا ظننتُ في نفسي، أنني أتعامل كالأولاد، لكن كل ما كان في الأمر أنني أتعامل كالفتيات أصلًا، وهو أنني أتعامل كما أريد، ولذا اعتقدها الجميع ذكورة. لي صورٌ كثيرةٌ معه، نمسك الكرة، نلعب بالكرة، نُراوغ بالكرة. المهم أنّه والكرة وأنا في إطار واحد. في تلك الأثناء من طفولتي، لم أكنْ أتقن التعامل مع عنجهية الذكور، حتى وهم أطفال يملكون عنجهيّة عج...

208: القراءةُ تُنقذك..

سأجتمع قوايَ وكلماتي لأكتبُ عن مدى براعة إيمان مرسال وعن عمق الدفء والشجن اللذان يتخللان كتاباتها، بشكل يجعل وصف هذا القدر من التفرّدِ أمرًا ليس سهلًا على الإطلاق، لكن ليس اليوم. أستمتع بالقراءة هذه الأيام أكثر من المعتاد، قلّ كلامي واندماجي في العالم بطبيعة الحال، أبحثُ بخيالي عن حلّ للأزمة العالقة فيها، أتلهّف للقراءة وأشتاقُ أحيانًا للعودة للمنزل حتّى تتسنّى لي فرصة أن ألتفّ بغطائي البارد الذي تدفّؤه حرارة جسمي، شعري يتدلى على كتفي، أمسك بكتابي دون عناء أو تفكير. عندنا يتحدّث أحدٌ عن الكتب وكيف أنقذت حياته، أشعرُ بارتباط نفسيّ معه كأنني أعلمُ تحديدًا ما يتكلم عنه. وإنّ زخم القراءات السنويّة ليس مقياسًا ليقيّم حبّك للكتب، بل هو مقياسٌ لمدى صبرك على الكتب، وكم احتاجت منك حالتك النفسية من معافرة لكي تستمرّ في إمساك كتابك. تقول ندى الشبراوي - صاحبة قناة دودة كتب على اليوتيوب- بما معناه أن القراءة ليست فعلًا مرتبطًا بحالتك النفسيّة، وهذا ما بتّ أشعر به. لا يهمّ ما هي حالتي النفسية، فأنا أقرأ على كل الأحوال، لكن يهمّني أحبانًا أين أكون. أحبّ البيت وأحبّ القراءة فيه، وعندما أكون ف...

207: "رحلةٌ إلى العدم"

قال: " الحياة رحلة مُرهِقة إلى العدم " وأنا اعتمدتُها الوصف الأكثر دقّةً للحياة في قاموسيَ الشخصي. أولًا: رحلة. باص  مواصلات عامة يتنقّل على سطح المريخ، مكدّس بالناس لكن لا أحد في الخارج. الزحمة خانقة حتّى تنغرس الرؤوس في الآباط. الخارج عالم مرعبٌ لا لأنّ أشباح تسكنه ولا فضائيون، بل لأنّه مجهول لا يعرف عنه أحد سوى العلماء والحكماء، أما البُسطاء أمثالنا، فيركبون باص المواصلات العامّة، يتأبطّون رأس أحدهم. ثانيًا: مُرهِقة. " لقد خلقنا الإنسان في كَبَد "*. ثمّ   " طوبى للرجلِ الذي يحتملُ التجربة "**.  ثالثًا: إلى العدم: النهاية المُضحكة لكل هذا العناء. العدم. وقد تحتملُ النهاية أشكالاً مخبأة وأسراراً لم يشمّ أحد عنها خبر، أسرارٌ قد تغيّر قواعد اللعبة إلى الأبد، ورأساً على عقب تتحول النهاية من الصورة التّي هُيأت لها لصورة جديدة تمامًا لا يُميّزها أحد. هل العدم مرادف الراحة؟ كيف سنشعر بالراحة إذا انتيهنا أصلاً إلى اللا شيء، لا كيان ولا شعور. وإن انتهى بنا العدم إلى شئ؛ لهيئةٍ جديدة من الهيئات وحياة جديدة من الحيوات، لن نكون نحن نحن، ولن يصيبنا سكون ...

206: حليبٌ منزوع الدسم

ما هذا الحزن يا الله! حتّى أنني صرت أبحث عن اللحظات التي قد أُصاب فيها بالسعادة علّني أصدّقها، لكنّ شيئًا غريبًا في ذرات الغرفة والهواء المحيط بي يقبض على صدري. أحاول ألا أخاف، أحاول. ممَ أخاف؟ لا أدري. ولذا لا يمكنني التوقف عن الشعور به. صوتُ ماجدة الرومي يحضر من بعيد، " وأنا متعبةٌ، أنا متعبةٌ "، تقولها بمدّ طويل في الألف مشبّع بنَفَس عميق للداخل، ثم تقطفه بسرعةٍ وهي تعترف بما تشعر به ، متعبةٌ. وأنا أيضّا يا سيّدة ماجدة، وأنا أيضًا. متعبةٌ إلى الحدّ الذي يجعل استكمال هذه المدوّنة الآن عبئًا ثقيلاً أسعى لأن أزيحه عن كاهليّ. أريدُ أن أتكوّر في سريري، وسط ظلام دامس سوى الضوء الهارب من شفرات الشباك الخشبيّ، أريدُ أن أستيقظ غداً في الساعة الحادية عشر أو الحادية عشر والنصف، أملؤ كوبًا من القهوة الممزوجة بالحليب، والتي تكون دافئة بالمناسبة، أشاهد خطو الناس الصباحيّ الذي أحبّه. أريدُ أن أبكي، لكن دون أن يعرف أحد، أو أن أُدخل معه في تحقيق مستمر حول الأسباب ومسببينهها، أريدُ أن أبكي دون أن يبكي أحد. وأريدُ أن أعرف ما السرّ وراء هذا الحزن! في الرابع والعشرين من نوفمبر لعام 2017 كتبت:...

205: اطرق الباب بقوّة

كمن صفقَ في وجهي الباب وأنا ممزقّة القوى في عزّ ظهيرة شهر أغسطس، كانَ اليوم. ولأنّ عقارب الساعة في صراعٍ دائمٍ معك، لن تُدرك قسوة الأحداث إلا عندما يهدأ الطنين الذي في رأسك، وتسكن أضلاعك لمرتبة سريرك الدافئة وتستقرّ بصيلات شعرك للمخدّة التي تحفظك جيّداً حتّى أنّها تقوّست للداخل بحجم رأسك. في طريقنا نحو الخيارات العديدة، يتخلل إلينا الضعف، ثم التشكك، فالخوف. ثم تصيبنا خيبة التراجع أو حتّى مصيبة اللا إقدام. نقف وما بين أيدينا اختيارات لكننا نتغاضى عنها عمدًا مخافة القرار. ثم تستجمع قواك، كامل قواك، لكيلا تخاف، لكي يخاف الخوف لا أنت، ثم تتأمل، نعم، أنا أتفدّم، هاذي خطواتي، أنا أسير نحو البداية، كل هذا السير نحو البداية فقط، لم نقترب حتّى من النهاية ولا من بداية النهاية، تستجمع قواك، تكمل المسير، تحاول أن تتمّ مهامك، تحاول أن تنجح ولو للمرّة الأولى في رفع قناعك والحديث دون أسوار، ثمّ، الرفض. قنبلة تنفجّر في روح سوقٍ شعبي في كركوك. بوم. تتحدث إليزابيث جيلبيرت في كتابها " طعام، صلاة، حب " والذي ذكرته في مدونة سابقة من يومين تقريبًا- عن مرورها بتجربة زواج انتهت بأقسى أنواع الطلاق: ...

204: يا للحرج!

في كلّ مرّة رغبتُ فيها بالبكاء خلال العشرة شهور الأخيرة، انتابني فيضٌ من الخجل. أخجل لأنني في الخامسة والعشرين من عمري ويعتبريني البكاء أمام شبّاك الصيدلية الخارجيّة في المستشفى عندما يدعو لي أحدهم بالستر والصحّة، أوّ يثني عليّ فيما يبدو لي شكوى من مستوى موظفي الصحّة في الحكومة عندما يقول: " هو إنتٍ بتكتبي على الدوا؟ الله يباركلك." أصبحت الكتابة على الدواء رفاهية يسعى لها المريض! رفاهيةٌ لا يُقدمها له الجميع. في الحقوق، لا يتحدّث أحدٌ بصوتٍ عالٍ، وأعلمُ الأسباب -ولندبةٍ في القلب- أفهمها كذلك. وكل طرف نزاع قد يحمل الذنب وقد يُحمّل الذنب. لكنني أحاول. أحاول أن أستفتِ قلبي وأفعل ما يُمليه عليّ. إنني أتذكّر جيّداً المرة الأولى التي سمعت فيها جملة " استفتِ قلبك ". كانت في مسلسل بنت من شبرا، حيثُ كانت ليلى علوي ترقد في سريرها تصارع الموت وأطلّ عليها حفيدها الذي اعتقدت أنّه ضاع منها في غياهبٍ من الفكر والتوجهات السياسية إلى اللاعودة. ثمّ ألقت عليه خطاباً طويلاً مخضّباً بالبكاء لا أتذكّر منه سوى جملةٍ واحدة، " استفتِ قلبك ". بالكاد لم أكن تجاوزت الثانية عشر م...

203: ملاذنا..

أصدقاؤنا هم جزء من سلامنا النفسي، المساحة المستغلّة في عالمنا في بناء دور عبادة لا مصحّاتٍ نفسيّة ولا معقلٍ للشياطين. في كل مرة يُمكنهم المسح عن جرحك بنظرة أو تربيتة أو حتى ابتسامة لا يفهمها سواكم. وإنّ من لم يجد الصداقة يومًا قاسى كمن لم يجب الحبّ. في كل مرة تنتهي بنا السبل وتتقطع أواصرنا مع الناس، نجدهم، هم ما زالوا في ذات الزوايا في قلوبنا، تتغيّر حياتهم لكن لا تتغيّر مقادير المعزّة في القلوب لهم. أصدقاؤنا هم كل ما نملك إن سارت بنا الحياة عكس التيار، إن بكينا في حمام العمل، وإن انهالت علينا خسارة الدرجات في الجامعة من كل صوب، هم وقود الأحلام المشتركة وسرّ استمرار مزاحنا الثقيل، هم المأمن والبيت كل شعور عكسيّ للفراغ. هم كلّ ما نحاول وكل ما لا نحاول، هم الذين رأونا حتى ونحن في حرب وهميّة مع حلم أو في انبطاح تامّ لنومةٍ مفاجئة. هم الذين نحكي معهم عن حبٍّ قديم دون أن نخشى تكشّف حزننا أو عن حبٍّ جديد دون خجلٍ من اندفاعة البدايات الهوجاء وتلعثم القلب الذائب. هؤلاء هم ملاذنا، هكذا دون مقدّمات أو إضافات. - 203/365

202: تدوينة لم تكتب..

أتساءَل أحيانًا عن هؤلاء الذين قرؤوا المدوّنة من أول تدوينةٍ فيها، ماذا وجدوا حتّى الآن؟ وكيف تلوّنت حياتهم مع تتابع الفصول والتدوينات؟ - لم تكتمل تلك التدوينة وأعتذر عن عدم إكمالها.

201: شاكوش الكبرياء.

الحياة بتكمّل بعدنا عادي، ودي أكتر حاجة تكسر كبريائنا الوهميّ. مش لإننا عرفنا مقامنا الحقيقي في الكون الواسع، بس لإننا شهِدنا الأمر بأم أعيننا، وشفنا الكبرياء وهو بيتهاوى على الأرض لفتافيت صغيرة جدًا، ومعرفناش نلمّه أو حتى نمنع نفسنا نتفرّج عليه وهو في طريقه للهاوية. في كل مرة بنفتكر إننا لا نُقهر وإنّ محدش ممكن يملى الفراغ اللي بنستغله في الكوكب وإنّ ولا حد في العالم ممكن يستبدلنا، بنكتشف إنّ ده كلام مش دقيق خالص، على الإطلاق. العالم خسر عُلماء كتير وعُظام الكام سنة اللي فاتوا والعالم مكمّل اكتشافات مُذهلة كُل يوم. أنا شايفة إنّ مهما كنت عامود من عواميد العالم بتاعك أو بتاع اللي حواليك أو حتّى العالم الواسع وكنت مُدرك فكرة الموت، هتتعامل معاها بردو على إنّها " شاكوش" لكبرياء وجودك وحضورك في العالم. في كل مرة بسمع فيها حد بيقول " أنا غضبانة جدًا من العالم "، بعتبرها الجزء الأول بس لجملة " أنا غضبانة جدًا من العالم عشان كسر كبريائي بدون حول منّي ولا قوّة". كنت بقرأ كتاب " طعام.. صلاة.. حبّ " وخلّصت التلت الأول منه، وحسيت بالفضول تجاه الكات...

200: الوجه الحسن

كلّما واجهتني صورةٌ من حرب أو انتفاضة أو حركة سياسيّة لا أجدُ إلا نساءً حسناوات ورجال شديدو الوسامة، تتكتّل أجسامهم بالعضلات ولهم طلّة جذّابة. دائمًا ثمة صورةٌ لطفلٍ أشقرٍ غجريّ - كصورةٍ نمطيةٍ للتمرّد- بعينين سماويتيّن أو لوزيّتين بلون الزيتون - لأنّ ذلك أيضًا له إسقاطات على حقّ الأرض في شجرة الزيتون- وجمالٌ ثاقبٌ لا تُخطؤه العين. عندما انتشرت صورةٌ لفتاةٍ فلسطينية منذ بضعة أشهر والتي بالمناسبة لا داعي لذكر اسمها لأنه لا دخل لها في كونها تطابق معايير الجمال " الثوريّة " في العالم- قام العالم ولم يقعد، ويثير ذلك في نفسي حفيظةً أعلمُ أنها على الأغلب أثيرت بداخلك كذلك: لمَ هي دونًا عن الجميع؟ أو للدقة لمَ الجميلات دونًا عن الجميع؟ وبعيدًا عن كون القوّة منبعٌ متفجّر للكينونة والفكر فتصوّره العيون، وأنّ الإنسان بالطبع لن يُخطىء عروق المتمردين التي تقفز من تحت جلودهم كلما هتفوا أو صرخوا في وجه الظلم، إلا أن الجمال دائمًا ما يأخذ النضال إلى منحنىً آخر، وكأنّه يُكرّمه، يضع على رأسه تاجًا من النضال المضاعف، لا لإنّ شجاعته ضُربت في اثنين بل لأنّه اكتسب السلاح الأقوى على الإطلاق: ...

199: مقتطفات ومُفضّلات

٢٢ " أكتب كتابي الذي وعدتك به، أنتَ شخصيته الرئيسة، لكنّك لست رئيسياً فيه، أحاول أن أتملص من تدفقّك الدائم في كتاباتي، لا يجب أن يكون القلم فضّاحاً لهذا الحدّ! ولأنّ كل الأمور تمرّ عداك، كتبت كتابي الأول وعندي أرق دائم من تواجدك حوله أو فيه أو حتى أن تمرّ به عيناك، لكنني أريده أن يمرّ بداخلك وألا ينفلت منك أبداً. يبدو أنني مجنونة أحيانا! لا، عندما تكون لي غرفتي الخاصة أريدك ألا تكون جزءاً منها، يجب أن أتخلى عن خفّة هذا الثقل في أوكسيجيني المحيط، يصبح التنفس جميلاً بك لكنه مؤلم على حد سواء. يجب أن يكون كتابي حراً منك، وأن تكون كاتبته متخمةٌ بوحدتها عنك، لأن في الأمر إعجاز محزن، لكن الحمدلله كل الإعجازات لا تستوجب التفسير." ١٣١ " يقف الكتاب ممسكاً بيدي في كل الأوقات، لا يهمه كيف تبدو يدي ولا يهمه كيف تكون حالتي، يمكنني أن أؤرق سلامه اليوميّ وأحركه من الرفّ لأي مكانٍ أريده، قد أنساه أحياناً في حقيبتي لأنني أردتُ أن أحمله معي في الصباح لأشعر بالطمأنينة فحسب، قد أركنه على كومودينو غرفة النوم بالأيام دون أن يفقد الأمل فيّ، يمكنني الإحتماء به من وجوه الناس في الشارع...

198: ما وراء الكتابة، بقليل

إنّ علاقتي بالكتابة علاقة شخصيّة وإنْ شاركني فيها آخرون، ورغم أنّ الكتابة فعل جماعيّ يدمج عالمان أحدهما وهميّ والآخرُ يسبح في محيط الواقع، إلا أنها تمتاز بخصوصية ما وراء الكتابة لصاحبها نفسه. ولذلك دائمًا ما تأسرني السير الذاتيّة دون غيرها، غموضٌ تكشّف فجأةً، سِيتار شُدَّ وانجلى عنه مشهدٌ صغير يدورُ في الكواليس لا يعرفُ أصحابه أنّهم على المسرح على مرأى الجميع بكامل صدقهم وبقصّة كاملة. أتذكّر القصيدة الأولى التي كتبتها في الصفّ الرابع الإبتدائي، وهو زمانٌ عجيب للتذكّر، بل وفعل الكتابة ذاته في هذه الفترة كانت له أبعادٌ أخرى، المهم أنني كنت أكتب الشعر. عندما فكرت في إلقاء القصيدة كنتُ شديدة الإحتفاء بها، ولم أهتزّ لا خوفًا ولا قلقًا قُبيل إلقائه، بدأتُ القصيدة بثقة تمامًا كتلك التي أنهيتها بها. ولأُدخلكم عقلي حينها، كنتُ أنتظر التصفيق. منذُ يومين، كنت بصحبة بعض الأصدقاء، وقالت إحداهنّ في سياق الحديث: " أنا معتزّة جدًا بنفسي ". وبينما كنت أنا في فترة ما بعد الثانوية وصولاً لهذا العام، تلاقفتني التوهة والشكوك والظنون حول نفسي، ثمّ، فجأة، شعرتُ بذات البريق والثقة والإحتفاء لمّ...

197: قاطعها السُلطان

" لقد تطوّرت علاقتي بالكتابة بعد أن قدّمتُ لها قرابين الوفاء، حادثتها بما تُحب، وحادثتني هي الأخرى بلغة أحبّها وتشبهني. لم تكن العلاقة بيننا بالتراضي، ولا بالإجبار، بل كانت علاقةً دائمة، كالحبّ الأول، باهتٌ لشهور ومتوهجٌ لأيام. ورغم عدم دقّة التشبيه إلى أنّه كان دقيقًا بيننا، أنا والكتابة. وهذا الحبّ الأول قد يُنسى في دوشة الأيام، لكنّه كلما طرَفَ رمش الذكريات، اشتعل في القلب شغفٌ لا يموت. إنّها تلازمني، أو باتت تُلازمني بعد أن أثبتُّ لها صِدق مشاعري. " هذا كان آخر ما كتبته البارحة قبل أنا يغالبني النوم. ولم تسنح لي الفرصة بسبب اكتظاظ العمل بالنقر على زرّ " نشر". لذا دونما أي إضافات. سأترك لكم هذه المدوّنة كما انتهت. لكّنني أعلمُ أنني سأعود لأمر الكتابة ثانية. ربّما في التدوينة القادمة. رُبّما.. - 197/365

196: إما الذهول وإما الخيبة..

في اللحظة التي تكتشفُ فيها من هو الإنسان الذي أمامك حقًّا، ما هي صورته المُختبئة خلف ملامحه وما هي طبيعته الحقّة، ستصاب إما بالذهول وإما بخيبة الأمل. وأعلمُ أنّك ستفكر في الآتي: ألا يجبُ أن يكون ثمّة احتمال ثالث، وهو أن تصاب باللاشيء، وكأنّك في المنتصف بين الذهول وخيبة الأمل! في كلّ مرة نواجه فيها قلوبًا أو وجوهاً جديدة، يستحيل علينا ألا نقيم سقفًا للتوقعات حتى وإن كانت ذا سقف واطٍ، المهم أنها توقعات، وأنّها على حدّ اعتقادنا ستُنقذنا في لحظةٍ ما، لأننا سنتطرق لها في نهاية الأمر في مواجهتنا لذات القلوب والوجوه ثانية، كأن تساعدنا في أن نعرف بمَ نشعر تجاههم مثلاً أو من هم أصلًا وهل تتوافق مع حقيقة الواقع. وهذه التوقعات إما أن تتجاوز الواقع في حلاوتها، وإمّا أن تهوي بك لقاعٍ سحيق من الإحباطات المتتالية. الذهول ليس في تجاوز الواقع لما تخيلته واقعاً، وليس في لقطة الحظّ التي يريها لك القدر ليُأكدّ أنّه ساحر مليء الجُعبة، بل الذهول أحياناً في تقديرك الصحيح، وعيك الكامل بكل الأحداث وكيفية التعامل معها وما مدى صلاح هؤلاء أو فسادهم. إنّ شعوراً كهذا لا يجوز أن نُسمّيه اللاشيء فقط لإنّك زاحم...

195: مُعضلة: "ده كتير عليّا"

هل يُمكنني البدء في رُوايتي الآن؟ هل يجب عليّ ذلك؟ هل فاتني الميعاد؟ ماذا لو اكتشفتُ في نهاية الأمر أنّني غير قادرة على كتابة رواية، وأنّ ما أكتبه هنا وما أدوّنه هناك، مجرد هراء، آثارُ بعضُ طيور تحطّ على الأرض لثوانِ ثم تعود إلى السماء، حيث لا يراها أحد! لا أعلم. يا لها من مُعضلة دائمة للإستحقاق. ماذا نفعل لأنفسنا كي نرضى عنها؟ وكم يجب علينا البذل حتّى نقنع أنّ المرّة القادمة هي للأخذ، المرة القادمة لنا، وأننا - دون ذرّة شكّ - نستحقّها! ولكم من السنين سنتعلّم الدروس حتى نصل للحظة التي نكفّ فيها عن الهرولة، ونقول بملئ أفئدتنا: هذا ما ارتضيناه لأنفسنا. في الأعوام القادمة، لا أريد أن أزداد تشككاً، أريد أن أرتاح أكثر، أريد أن أنظر إلى نفسي في المرآة وكلّي يقين بما أنا عليه، حتّى وإن كنتُ أجهل الكثير، لا بأس، أريد أن أتقيّن من جهلي هذا، أريد أن أدرك أين أقف ومن يقف كتفًا بكتفٍ معي. أريدُ أن يكون أحدٌ معي. أريدُ أن أكون أنا بكامل هدوئي وانعزالي وأحدٌ معي. أريدُ أن أعرف نفسي، أن أئتلف شعري ووجهي وعيناي وشفتاي وأنفي، أريدُ ألّا يُغضبني جسدي، أريدُ أن أحبّ هالاتي السوداء، منحنيات جسدي، جلدي ...

194: متّسع ومُنقذ

في الكتب، متّسعٌ غريب. قوةٌ لا مصدر لها سوى الحروف المطبوعة على ورق. أصابُ بالقشعريرة أحياناً كلما تخيّلت أن الفُكرة يُمكن لها أن تترجم على هيئة حروف. وأتعجب من عِظم هذا الفعل! أنا أقرأُ أفكار هذا الكاتب فقط لأنّه قررَ أن يُحررها من عقله إلى قلمه، بترجمةٍ تصيب في القلب الألق والأرق على حدٍّ سواء. أخبرني أحدهم مرّة: " أنقذتني الكتب " وأنا أُأَمّن. بل أنقذتنا الكُتب. تخيّل أن تتوالى عليك الأحزان ولا مفرّ لك من نفسك، كأنّك حبيسُ كهفٍ ولا تجدُ أي أثر لآدميّ يحفر باتجاهك أو يسعى للوصول إليك، أنتَ فقط محاطٌ بأحزانك وهلاكك المُنتظر. ثم فجأة، بعضُ صفحات تدندن أنغاماً بجانبك، تعزف على آلات أغنية البقاء، فتنقذك، أو على الأقل تحاول. الكتبُ لا تبكي لأنَ لها من للكرامة ما لك، لكنّها تبكي معك إذا تورّطت في دواخلك. الكُتب أعظم مُنقذ وأمتن حبل نجاة رمته باتجاهي الحياة. - 194/365

193: متى تنتهي الحرب؟!

- لمَ تزوجتَ امرأتين؟ — لأن الثانية كانت وما زالت حبّ عمري. قالها دون لحظة تفكير. رغم أنها كانت تستحقّ التفكير! منذ سنتين، كان من الممكن أن أكتبّ نصّ هجاء في أشخاصٍ مثله. لكن، اليوم، وبكامل الأسف، يمكنني القول أن حدود المنطقة الرمادية لأفكاري اتسعت، وأصبحت تضمّ مساحات شاسعة من كلا الطرفين، الأبيض والأسود. بتّ لا أميل للوم طرف، ولا أزيح الذنب عن كاهلي طرف. أصبحت أسبح في مناطق شاسعة من الرمادية والحدود الغير حادة. - حبَ عمرك؟ وما الأولى إذًا؟ — أمّ البنات.. اللهم إديها الصحّة.. هكذا وصفها فقط. واكتفى. ثم راح يحكي حكاية حبّ عمره -كما وصفها- وأنه أحبّها رغم فارق السنّ الكبير بينهما، ورغم القرابة ورغم زواجها. أحبّها وظلّ يحبّها حتى مات زوجها فأخبرها بما يُسرّ طوال عمره. " أنا بحبك " فقالت " تزوّجني لأعوّضك ". فتزوّجها. - والأولى؟ — تزوّجنا دون معرفة أحد.. همهمت.. وسكت كلانا.. في العالم المتشرذم العواطف كعالمنا، ستجدُ بقايا أفئدة كُثر، ستجد أوصالاً واهية وهيّنة ورغم ذلك ما زالت تتصلّ، ستجدُ الحبّ الذي فجره لغم الزمن أو حتى التقاليد، ثم ستجد علاقاتٍ بري...

192: اتسّع الكون..

فجأة، يتسع حولك العالم. أكثر مما تخيّلت لنفسك. ورغم أنك تريد للعالم أن يتسع، إلا أنه يُضائل وجودك. وبدلاً من أن تفتح ذراعيك على مصراعيهما لتحتضن اتساعه، سيبتلعك هو حتى تختفي كنقطة بيضاء في سماء حالكة شديدة السواد. ستغدو نجمة. يَقول علماء الفيزياء والفلك أن الكون يتسع، بالقوانين والأرقام. وذلك يعني أن الأرض منذ ملايين السنين كانت ذات شأنٍ في الكوكب و" بيتعمل لها ألف حساب"، وتحتلّ مساحةً من المجرة أكبر مما هي عليه الآن. تخيّل، أنه بمرور الزمن يتضاءل حجم الإنسان باتساع حجم كل ما حوله. فبالأرقام يزنُ وزناً محدداً ويحتلّ مساحةً محددة، وبالأرقام كذلك تتمدد أطراف عالمه حتى تغدو قيمة وزنه وما يحتله من مساحة أقل شأناً. الإنسانُ وقيمته يتضاءلان نعم. " الحدوتة دي كبيرة عليّا"، تقولها بأملٍ وهِنٍ أنّها لن تكون كبيرة "ولا حاجة"! ذرّاتك تعلم ما يحدث. وأنتَ لم تقتنع بعد بضآلة الإنسان، لأنّك تقتنع بحركة المُتحركين والتفافهم حول الحقّ والفضيلة والنبل مثلاً. أليس هذا ظلماً بيّناً للإنسان أن يُكابد كل هذا الأذى بمفرده! لمَ لا تهدأُ وتعلم أن الكون هو المطاط، وأنت لست من...

191: وهذا يكفي..

أنتَ كياني الذي يتحرك خارج جسدي، أنتَ مكاني الذي لا أجلس فيه الآن، وأنتَ البلاد التي تكون فيها ولا أكون. أنتَ فكرتي التي تدور في خاطري وأنتَ فكري وإليك تعود كل الأفكار بشكلٍ متسلل وخفيّ. أنتَ ما أنا عليه، وأنا ما أنتَ عليه دائماً. وفي نقطة تواصلنا في الكون الوسيع أعرف كل ما بي من خلالك، وأعرف كل ما بك من خلالي. توجد بصمة سريّة لكفّ الحبّ التي بيننا. لطالِعنا الذي لا يُقرَؤ من فنجانٍ ولا من جانٍ، طالعنا الذي يُطالعنا من عمق سحيق في قلوبنا يُشبه الكون، حيث نجومنا المتضامّة تُفسّر كل ما نحن عليه، إلا أننا لا نهتم بتفسيرها. نحنُ هنا وفقط، وهذا يكفي.  ما أنتَ وما أنا؟ مرآةٌ ؟ تلك كلمة ساذجة. نحنُ روحان أكثر التصاقاً والتحاماً من وجهي المرآة. أنا لا أعرف ما أنتَ وما أنا لكننا كما نحنُ الآن، مُذهلان معاً. وهذا يكفي. - 191/365

190: قعدة صُحاب..

أ: إمتى حسيتِ إنك خايفة؟ م:   قصدِك إمتى محسيتش إن أنا خايفة!   تنفّست بعمق رئتيها أنا -أحياناً- مبحسش إن أنا خايفة بس أنا أصلاً النسخة الأصلية بتاعتي إن أنا خايفة وخايفة على المستويين الصغير والكبير. إمتى مببقاش خايفة ؟ لما أحياناً بعرف أعمل حاجة من الإتنين : أبقى بستمتع باللحظة اللي أنا فيها بكل حاجة فيّا. والحاجة التانية لما أعمل الحاجة ودماغي مبتفكّرش كتير، خلاص بقى اللي يحصل يحصل ، مش في دماغي حاجة، وبسيبها على ربنا. وده مبعرفش أعمله كتير، مبعرفش أوصل للمرحلة الكبيرة دي من التسليم بصراحة. محدش بيعرف. بس فكرة إن كل حاجة مش مضمونة، والخوف كده كده لا هيودي ولا بيجيب مبدأتش تظهر في حياتي غير من  ر  يعني.. بس.. فأحياناً مببقاش خايفة، بسببه. أ:   ر .. همم.. إيه أكتر مزيكا بتريّحك..؟ يفكّر ويفكّر، فوددتُ أن أنكزُ ذاكرته.. أ : ممكن تكون صوت بني آدمين على فكرة .. ر: أنا بحب المزيكا اللي بحسّها حكاية، زي مثلاُ أغاني عبد الحليم، أو مقدمات أغاني عبد الحليم والأغاني القديمة، زي مقدمات أغاني عبدالحليم وأم كلثوم ووردة، دي نوع المزيكا اللي بتريّحني. نظرتُ م...

189: أنت والعطاء والأنانية

كان من المفترض أن تكون تدوينة اليوم، تدوينة مُختلفةٌ تماماً، وهي بطبيعة الحال ليست التدوينة التي ستقرؤونها الآن. لكنني سأُفكّر معكم، حتى تأتي تدوينة الغد سالمة، وكما تقول جدتي: " مِين يعيش؟!" ما سرّ محاولاتنا لجعل العالم مكاناً أفضل؟! هل لكي نشعر بالرضى عن أنفسنا أم ليشعر بالرضا عنّا العالم؟! أؤمن أن أنانية ما ترافق شعور العطاء، رغم أن كلاهما في الدافع متضادان؛ أنا أعطي لأنّني أحبّ البذل وأنا أنانيّ لأنني أحبّ الأخذ، إلا أنهما مرتبطان ومتداخلان في بوتقعة واحدة أو تصنيف عاطفي مشترك. فمع كل عطاء، تشعرُ شعورَ الرضا تجاه نفسك، فمع كل عطاء تنزاح عن قلبك غصّة، فمع كل عطاء يتسلل إليك نورٌ جديد وطاقة حانية، ومع كل عطاء أنتَ من يرتاح قلبك. إذاً هي الأنانية. شعورٌ جيّد غامر يجتاحك أنتَ، ويستمرّ، مهما تلاشى لدى الآخرين الذين تقبّلوا عطاءَك، فسيمتدّ من خلالك حتّى زمن بعيد. وجعلني ذلك أتساءَل عن العطاء، هل هو فعلٌ جماعيّ أم شخصيّ، وبتّ أتشكك في عطاءاتي، بتّ أخاف من دافعي أن يكون بحثاً عن شعوري بالرضا بدلاً من بحثي عن شعورهم بالرضا مهما انتهى بي حال شعوري أنا. فكيفَ يمكن حلّ كيفما ...

188: مات وحيداً..

مات رجلٌ بمفرده، لا يهمنّي اسمه، لا يهمني ابن من ولا ما عمله المهم أن إنساناً مات بمفرده في شقّته. لا أحد يستحق موتةً كهذه. لا أحد. ولا أحبّ أن أعترف بخوفي للموت فيستغلّه، أحبّ أن أدّعي الثقة والقوّة والكبرياء حتى وإن لم أكن ذلك، لأنني أشعر أن الموت يشتمّ رائحة الخوف بدقةِ حاسمة كشمّ الكلاب له. وكأنه قادر على قنص المنتظرين والمترقّبين والقلقين والهلعين في أيّ وقتٍ شاء. إن معايشة الوحدة، وأعلم أنه تعبير غريب ومتضاد إلا أنّه واقعيّ، نُعايش الوحدة فتُصبح هي الشريك الوحيد لنا. وتعايشنا هي الأخرى، حتى تقضي علينا. أعرف أن هذا الشعور أعظم خوفٍ لدى هذا الجيل، الوحدة. لأن أحداً لا يملك من وقت يومه ثلث ساعةٍ لنفسه، فما بالك بنفس الآخرين! العجلة مُسرعة بشكلٍ جنونيّ، فيغدو كل واحد بمفرده في نهاية كل يوم، تتكالب عليه أحزانه ولحظات الونس خلال اليوم لتُذكّره بواقعه، الونس طوال اليوم لا يعني الونس في الليل. عزيزي، هذا واقعك، هذا سريرك، تتقلّب فيه كيفما تشاء لأن لا أحد يتصارع معك على مساحته فيه. في الغربة تسمع جملة " مات في شقته لوحده" كثيراً، كثيراً لدرجة تجعلك تعتاد الأمر كأنّه جزء م...

187: نباطشيّة

بعد كل نباطشية في المستشفى، وهي كما يسمّيها طاقم الأطباء والممرضين هناك أحياناً بالنُبتجية بدلاً من النباطشية، أفكر صدقاً في جدوى وجودي هنا الآن! ماذا أفعل أنا؟! ولمَ يضيع الوقت هنا بين هذه الجدران؟! الآن مثلاً، تنهار قواي وتخور مفاصلي، بعد اثنتا عشرة ساعة من العمل، تحولّت لشِبه إنسان، الطرحة ملاصقة لفروة رأسي، وكأنّها تُحكم قبضتها على شعري، عيناي بالكاد تنفتحان وتتباعد الجفون، عظامي تطقطق بين الحين الآخر، منبه صباح الغد ينظرُ إليّ بشماتةٍ غير مفهومة، كل هذا يتزامن مع خبرٍ جديد قرأته عن بلاد الوقواق والريبوتات التي قللت ساعات العمل لأربع ساعات يومية فزادت الإنتاجية بنسبة ٤٠٪؜! ماذا نفعلُ هنا بحقّ السماء! يتمّ التعامل معنا كأننا بقرٌ يُحلب. نعم. هات كل ما عندك، كلّ كلّ كلّ ما عندك، ثم مُت، إمّا لشدّة العطاء وإما لانتهاء المخزون. في كلتا الحالتين، لا نهتم، غيرك الملايين. حرفيّاّ. المجال الطبّي صعب في العموم، لم يكن يوماً مجالاً سهلاً ولن يكون، نعلمُ هذا جيّداً عندما نصبح جزءًا منه وحتى قبل أن نكون، لكن في بلادنا أمورٌ أشدّ بشاعة من كل ما عرفناه، وفي القوانين نخرٌ عمقُ الأثر، و...

186: جسدٌ ممطر

ابتلّ سريري للمرة الأولى. وكلّ ما فكّرت فيه حينها: كيف يمكن لي أن أختفي؟ أن أختفي الآن وللأبد؟              -   " فعلت َ ها ثانية؟ " أعرفُ هذا الصوت، أشعر أنني أعرفه جيّداً، لا يمكنني تحديده تماماً، لكن له نبرة حنونة وهادئة أعرفها.                    -    " لا بأس، سنغيّر الملاءة وملابسك يا صغيري، لا تنزعج. سأغسل غطاءك الخفيف هذا سريعاً لكيلا تشعر بالوحدة. حسناً؟"                    -            " حسناً". بكل شرودٍ، بكل ضياعٍ، قلت "حسناً". الشبّاك الزجاجيّ خلفي يستنجد من شدة المطر الهاطل عليه، وقطرات المطر قويةٌ وحادة ومتتابعة، كأنّه واقع تحت تهديد وابل من الرصاص. هل من الممكن أن يكون هذا البلل الذي تحتي قد تسلل من الشبّاك وليس من مثانتي، أعني، لابدّ لهذا البلل ألّا ...

185: رسالةٌ من أب لابنته

صورة
لا عجبَ أن الوظيفة تستهلك أرواحنا. لأن عالماً كعالمنا، غارقٌ في الرأسمالية والركض خلف القرش حتى يتحصّل على قوت يومه وأقل أقل أساسيات الحياة سيغرق في هلاك الروح دون وعي حتّى يتحوّل لمجتمع من الزومبيز. منذ بضعة أيام، قرأتُ كلاماً يحاربُ كل هذا الهلاك والإستنزاف، يقف في وجه التحوّل الجيني من بشر لآلات، رسالةٌ كتبها والدٌ لابنته، وأتى فيها: وهذا من أكثر ما قرأتُ رقّة وحبّاً. وأرجو ألّا يكون في تلك المشاركة اختراصٌ لخصوصيّاتهم أو تعدٍ على حقّهم في الإنفراد بهذا الكلام حتى وإن كان بالفعل منشوراً على الفيسبوك وتويتر. - 185/365

184: التجربة، دين

ممَ يخاف أهل الدّين ولمَ يخافون علينا ونحنُ - ولله الحمد- نملك مفاز أمورنا سواءَ أردنا بها هلاكاً أو أردنا بها نجاةً! يحاولون منعنا من الإنغماس في العالم الخارجي، ويهلعون من تعطّشنا للتجربة، ويسعون بكل حجَة وأيّما برهان أن يحبطوا حماسك للفُرجة على العالم خلف الباب الذي بطبيعة الحال سيتضمن الخطأ والخاطىء، وكذا الجيّد والمثاليّ وشديد الإنسانية، سيتضمّن أشكالاً كثيرة وأهوالاً غامضة، ستمرّ خلالها لا بجانبها. إذا فكّرت الفتاة العربيَة في التعليم خارج حدود مدينتها، أثقلوا رأسها بجملة واحدة: " سيضيع دينك" والذي يختصرونه بطبيعة الحال في الحجاب ونوع الملابس التي ترتديها وتقبّلها للمُختلف حتى دونما الإقتراب منه. وإذا حدثت المعجزة ورضي من رضي عنها وذهبت لبلاد الغرب وعادت دون الحجاب، شجّبوا وعنّفوا: " ضاع الإسلام ". الإسلام كلّه في الحجاب!  لكن، لم يضِع بالطبع عندما لامس رجل ما امرأةً دون رضا منها أو منعها من إكمال دراستها أو حتّى خُيّل له أن بإمكانه أن يُشكّلها كصلصال على هواه. لم يصرخ أحد. لم يُشجّب أحد. بل خُلقت تبريراتٌ من رحم الوهن والإنبطاح. حتى وإن شجّب أحدهم فلا صو...

183: أتنصفني؟!

عزيزي الإنسان، هل يكفيك مئة وثلاثة وثمانون يوماً لكي أُقنعك أنك كائنٌ مظلوم وبائس وتحمل ما أبت الأرض والجيال والسماء أن تحملنه على عاتقها؟ لأنني أشعر أنني أشبعتك بالكثير من البؤس والثقل والأسى. ولا عجب أنّه بإمكانك أن تتخيّل من أيّ زاوية أنظرُ إلى الدنيا من خلال هذه المدوّنة الماكرة! لا أُخفيكم سرّاً، أنا أحاول أن أهرب من ذاتي. ففي كل مرة نظرتُ لها مطوّلاً أدركتُ كمّ الأذى، وعمق الوحل الذي أغرقتها فيه. في كل مرّة أتألم كمرّتي الأولى، وأُفجع من كمّ الجروح النازفة التي غَضّيت عنها الطرف حتى تراءى لي أنها التأمت بمفردها، بيد أنّها ما زالت دافئة وليّنة. هذه نفسي التي تقبع في داخلي، مكوّرة على بعضها، تُصدّر الأشواك كقنفذ بينما لها قلب نابض وكيانٌ ليس بقاسٍ أو مؤذٍ، أو هكذا أحسبها. يمكنني الضحك، ويمكنني قضاء وقتٍ ممتع فعلاً، ويمكنني الإندماج في زحمة الأيام فلا أنظر لما هو أبعد من هيئتي في المرآة، لكن فجأة، تتفتح زهور الشوكران السامّة وتحلّ لعنة عليّ، فلا أعود قادرةً على أيّ من ذلك، وألجأ لنفسي، نعم تلك المّثقبة بالجروح التي لم تبرد وبالطرق المُقفلة مؤقتاً لجُبن صاحبتها من دخولها. وألجأ له...

182: لماذا يعيش معنا؟!

من سمح للأذى أن يكون جزءاً من سُفرتنا، يأكل معنا ما نأكل ويشرب معنا ما نشرب، يتشارك معنا الحياة حتّى أنّه ينام على ذات المخدة كل ليلة كأنّه شريك حياةٍ، هذا إن سمح لنا بالنوم من شدّة الأرق! من سمح للأذى أن يعيش معنا، وأن يستفحل جذوره في تكويننا حتى غدا جزءاً من ذواتنا، فلم نعد نفرّق بين ما يعلي غصوننا نحو السماء وبين ما يُهلك ثمارنا فتسقط وحيدة بالية قبل موسمها. الإجابة ليست مثالية بل ستفوح منها روائح الواقع المتعجرف. لن تكون الظروف واضحة دائماً، ولن تتحوّل متاهاتك لأرضٍ مستقيمة لها إشارات مرور ولوحات إرشاديّة في غضون أيام، وستخاف أحياناً، بل كثيراً، وستتعلقُ كالمجنون، وسيجرّك أمرٌ ما من فؤادك كإنّه يجرّك من رقبتك، ستكون تائهاً وستكون وحيداً وستكون قابلاً للكسر أحياناً كثيرة. ستكون الحياة لعبة بهلوانية لا تعرف فيها رأساً من رجل.  وأعلم أننا نحاول، جميعنا نحاول ألا نترك الدفّة في يدّ قبطان قاسٍ يملك سطوة واسعة على القلب كالأذى. وأعلم كذلك أن محاولاتٍ كتلك ستملك مرارة طويلة الأثر، لا تختفي بالأيام الجميلة ولا السعادات الصغيرة، لكننا رغم كل هذا نحاول. لا بأس أن نتأخر قليلاً، لا ب...