المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر, 2019

240: " أنا زنخة؟! "

كيف   للحبّ   أن   يكون   لغة   رسميّة   إلى   هذا   الحدّ؟ !  وكيف   يتشارك   البسطاء   في   حيواتهم   مهما   ابتعدت   أراضيهم   وتوزّعت   بيوتهم   ما   بين   الأزقّة و الحارات   ذات   المشاعر   المُولَّهة؟ ! "  أنا   زنخة؟ "  قالتها   بلكنةٍ   غريبة   وهي   تُمسك   هاتفها   الموضوع   على   أذنها،  "  أنا   زنخة؟ !"  عادَتْها   بذات   اللكنة   التي   جعلت   صوت   الخاء   ليس  صافيًا   وممزوجًا   بصوت   حرف   الكاف   فسُمعت  "  أنا   زنكة؟ " هذه   علاقة   حبّ   بين   طرفين   غير   متكافئين   يُمارس   فيها   الرجل   طفولته   المبكَرة   وتكون   فيها   فتاة   قادمة   من   أفريقيا   لا   تُخطط   إلى العودة ...

239: صورة من المتحف.

صورة
هذه تدوينتي لليوم الـ ٢٣٩ والتي تأخرت يومين عن معادها، في هذه التدوينة يُمكن لكم أن تتخيلوا سبب التأخير، فقط تأملوا هاتان الصورتان، سأعود لهما لاحقًا.. الصورة من المتحف الأردن بجبل القلعة amman citadel.

238: كتابين وثُقل

يمكن أن يُعاد إنعاشك من جديد، لَأن تشهد لحظة كانت في خيالك لشهور تتحوّل لدقائق وساعات وأيام تعيشها لهو شعور صافٍ بالحياة. كم كان طويلًا هذا اليوم، وكم انغمستُ في نفسي. لأول مرة من شهور انغمس في نفسي! وأعيش لأنني أريد أن أحيا. في خضمّ هذا اليوم قرأتُ ما بين المترابطتين عنايات الزيات وإيمان مرسال، ولأنني لم أنهِ هذا الكتاب ولا ذاك، قررتُ أن أقرأ كلتاهما على التوازي، أقرأ بعضًا من صفحات " الحب والصمت " ثم أنتقل لما تراه إيمان من مرسال وما تكشفه من حقائق في كتابها البديع ذو الجهد الجليّ " في أثر عنايات الزيات"، ورغم أن في الأمر تشتيتٌ محتمل إلا أنه - لسبب لا أفقهه- يخلق حالةً من الإجتماع بينهما، وكأنّهما روح منبثقة. هذا ما يفعله كتابين متشابهين بكل هذا الإختلاف. الآن، يُثقلني النوم، ورغم أن يومي كان بالفعل طويل  لكنّه كان جميلًا ورائقًا ومُفعمًا، وهذا ما يندر حدوثه هذه الأيام، فهل ستفعلها ٢٠٢٠؟ أعني هل ستنقذني من غياهب انتظار الأيام الجميلة لعيش البعض منها؟! - 238/365

237: هو إنتَ مين اللي عمل كده فيك؟!

هناك الكثير ليُكتب، لكن لا شيء للنشر. ولا أعلم هل الكتابُة جناحين أم كلبشٌ حزين؟ لن أراهن على حريَتي، لأنني أنا التي أكتبُ في مساء كل ليلة لا أستطيع أن أتحرر من نفسي، ومن قيودي ومشاعري ورغباتي. لا يمكنني أن أعبّر بشكل بدائي بسيط عن حقيقتي. أحاول في كل ليلة إدّعاء اللاشيء كأنني أنزف نزيفًا داخليّاً لا يعرفُ عنه أحد ولا حتّى نفسي. لكنني أعرف. أعرفُ جيّدًا عن حريّتي التي لم أهدِها لنفسي وعن نزيفي. أسير الآن في طريق طويل، وكم أحبّ الطرق الطويلة! وقد يبدو هذا ساذجًا نظرًا لأنني أحب البيوت كذلك، أحبّ البيت أحيانًا أكثر من اللازم، لكن شيئًا ما في داخلي يحبّ هذه الطرق، ويحبّها أكثر في الشتاء مع عواميد الإضاءة الصفراء -إن وُجدت-  وقطرات الماء التي تبدو وكأنها تتساقط منها. أعتقدُ أن طريقًا طويلةً مع شخص تحبّه هي رحلة في حد ذاتها إلى ديزني لاند. الآن تذكّرت تدوينة كتبتها عن  أشهى فطور تناولته في حياتي ، كانت على طريق طويلة كالتي أنا فيها الآن، وكنتُ حينها أثقل، لأنّني لم أكن أكتب كثيرًا رغم  أنني كنت ممتلئة بالضياع، ومثقلة بأشياء تلثّم أفكاري، لكنني لم أكن أكتب. اعتقدت أ...

236: يوميّات ٢٠١٧

لا يمكنني النوم، فقررتُ الكتابة.. أحبّ متابعة شاشة هاتف محمول قديم وهو يعود إلى الحياة، كأنك تعيد إنعاش جسد تائه وغائب عن الوعي. قررتُ أن أفتح هاتفي القديم، رغم أن خطوة كهذه قد تكون خطيرة في الوقت الذي لابد فيه للبدايات أن تستغلّ جزءًا كبيرًا من تفكيرنا في بداية العام الجديد. لستُ عالقة في أي ماضي، لأننى أنسى. أنسى للحدّ الذي يجعلني أشكّ في ذاكرتي من الأساس.  ما دفعني لكتابة يوميّاتي في ٢٠١٧ كان إدراكي لمدى سوء ذاكرتي، وأنّه لولا التوثيق والتدوين لما تذكّرت ما عايشته. لذا، أعتقد أنّه خلال الأيام القادمة وحتّى بدايات عام ٢٠٢٠ سيكون هناك الكثير من التدوين، ربّما لأنّ أحداثًا جديدة ستدقّ الأبواب وربما العكس.. أحبّ البدايات، مهما بدت ساذجة ومفعمة بالأمل، لكنني أحبّها.. - 236/365

235: الباسبور الأخضر

من أين تأتي الطاقة لإنجاز كل تلك المهام في ثلاثة أيام بينما تملك عامًا كاملًا ولكن دون جدوى؟ ثمة أشياء تدفعك كأنّها يدّ أمّك. عندما يجلس باسبورك الأخضر في مواجهتك، يُحفّزك على الرحيل لمكانٍ بعيد ليس بموحش، وقريب لا يقرُب لنفسك القديمة. أتعجّب فعلًا من قدرته على ضخّ الدم في شراييني! أفضّل أحيانًا لو أملك واحدًا قُرمزيّاً له لونٌ قاتم كدمّ الغزال، و ملمس مخمليّ ناعم.  لا شيء قادر على تحويلي لبعوضة نشطة سوى مشهد لجناحي طائرة وبابٌ مفتوح تستقبلني على مشارفه مُضيفة مُنمقة أو مضيف أنيق وركّاب لهم وجوهٌ مميزة قد لا تتلاقى خطوطهم مرة ثانية إلى الأبد. هذا هو الأدرينالين خاصّتي.. - 235/365

234: يا شمس يا شمّوسة..

"د.نتريك" مُلصق على تكييف الغرفة. حاولتُ أن أقرأ اسم الطبيب لكنّني استصعبته، فتركتُ المحاولة في فهمه أو نطقه سوى أنني داومتُ على السرّ به بداخلي لأنّ لا مجال آخر لتشتيت ذهني عن الألم الذي يطنّ في رأسي. لم أكن مستعدة للإستلقاء على هذا الكرسي تحديدًا، مرّت سنونٌ  دون أن ألمسه، واستحثّت الرائحة فيّ ذكريات غير مُحببة في مُجملها. لكنني كنتُ شجّاعة جدًا في سنّ العاشرة مثلًا، لما أكن أتألم عادةً وكنت شديدة التحمّل، حتّى أنني كنتُ أتلقى حقنة التخدير المرعبة تلك بكل هدوء وطمأنينة، لا أعلم ما كان سرّ كل هذا السكون لكنّه -بالتأكيد- اختفى! هذه الحياة العجيبة كانت بُعبعباً مُتوحّشًا للدرجة التي تمّكنت فيها من إرهاب فتاةٍ صغيرة لم تكن ترهبُ شيئًا سوى الأحلام السيئة وفكرة الموت. لطالما شعرتُ أن الموت فكرة رديئة، بعد أن مات جدّي أمين، لم أأمن الدنيا، ولم يُمحَ من ذاكرتي مشهد وقع الخبر على ماما، لم أرَ في حياتي جبَلًا ينهار حتى رأيتُ ماما. كان بابا مُحبّاً وعاشقًا قبل أن يكون ابنًا، فكّر في زوجته ولم يفكّر في أنّها ابنة هذا الرجل الذي مات دون أن تراه. حاول أن يُعادل الكفتين فغلبه الحبّ ...

233: القائمة: ما بين التحقيق والنسيان

لكم هو شعورٌ مريحٌ أن تصل، أن تحوّل قائمة من الأشياء العالقة ما بين التمنّي والتحقيق، إلى قائمة مُظللة بالقلم الفسفوري، نعم لقد أنهيتُ القائمة! باقي أسبوع واحد على نهاية هذا العام الحافل، قوائم كثيرة كُتبت، قوائم كثيرة مُسحت، قوائم كثيرة قُطّعت، قوائم كثيرة فتحت الأبواب لقوائم أكثر. في بداية هذا العام منذ ما يقرب من اثنتا عشرة شهرًا، رغم كل ما كان يزمجر في الفؤاد، اشتعلت أنانيّتي الحميدة، وقلتُ: "هذا العام لنفسي. سأضع نفسي أولًا". أعرف أنّها الجملة الكليشيه الأشهر، لكنّها الأقل فعاليّة في الحقيقة لأنّ لا أحد يعطيها ما هو أبعد من القول، ثمّة فعلٌ حازم عازم يجب أن يرتبط بتلك الجملة، " أنا أولًا". أحيانًا أفكّر في الأحلام البعيدة المدى، أو البعيدة الصدى، أو حتّى البعيدة بذاتها، ويفاجئُني صوت خفيت للأمل: يُمكن للأشياء البعيدة أن تقترب أحياناً، يمكن للأشياء أن تحدث. قبل ولادة "آية"، كانت عمّتي تزور أخصائيّين ودكاترة واستشاريين، وأجمع الجميع على استحالة الحمل، قالوا لها: "احمدي ربنا معاكِ اتنين، إنسي الموضوع". لكنّها لم تنسه. لا طالما تمنّت أن تلد بنت...

232: لطالما أحببتُ النجوم

ثقبتني اليوم لحظة. كنتُ أسير بين المساكن المُرتبة في مكعّبات متراصة ، حتى سَرَت في جسدي قشعريرة لمجرّد تداخل مشهدين بتناغم مثير. كأنّ لحظة من عالم آخر تنزّلت على نفسي. كان الشارع هادئاً إلا من الأصوات الهاربة من شباك مطبخ أو عتبة سلم أو حتى من بابٍ موارب. إنّ لحظة سكونٍ كتلك لا تتكرر كثيرًا في مِصر، فمتى ما زارتك وجب عليك الإحتفاء بها وحُسن ضيافتها. ظلّت الأصوات تتدفّق مع النسيم البارد لشهر ديسمبر، صوت أخ صغير يحادث أخته أو أمّه، يُخبرها أن تترك له شيئًا ما لم أتبيّنه، وصوت تليفزيون يأتي من زاوية أخرى وكذا صوت قزقزة لبّ، كان خليطاً ناعمًا من الأصوات التي تنتقل كأنّها تتهادى إليك على موج البحر.  بالنجوم كانت السماء تُعطي انطباعًا أكثر عُمقًا، كأنّها الفضاء الواسع. نظرتُ إلى أعلى، ولا أعرف كيف انتبهتُ لسلّمة مكسورة فتفاديتها، عاودتُ النظر ولفتني صفاء النجوم، رغم أن في السماء غيومٌ إلا أنها لم تتمكن من حجب كل هذا البريق الدقيق! عددهم كان هائلًا وكأنني لم أنظر للسماء منذ زمن وفاجئني ما آلت إليه. آلمتني رقبتي لشدة انحنائها للوراء، واصلت المسيرُ وأنا أنظر إلى الأعلى.. فجأةً تذ...

231: يوم السبت..

انعدامُ الرغبةِ في الإستيقاظ مبكرًا لحضور البصمة الصباحية في عملٍ متكرر لكنّه نبيل بشكلٍ ما، والدخول لذات الغرقة الضيقة التي تإزّ بالبرد الذي يحفظه البلاط أكثر من الثلاجة المُهملة هناك، هو أمرٌ مشروع تمامًا. في كل ليلة جمعة، أفكّر في صباح السبت كأنّه بعبع، لأنّ السبت دونًا عن الأيام جميعها مزدحم ومكتظّ ومثير للحنق. وأظلّ أفكّر، حتّى أنني أكتب المدونة في الثانية صباحًا بينما يجبُ أن أستيقظ إبتداءً من السابعة.  لا أحبّ الأيام التي أشعر تجاهها بتأهّب يشبه تأهّب الحرب، ففي الصباح أستيقظ مُسلّحة بوجه جدّي وثبات انفعالي واستعداد صادق على الدخول في جدالاتٍ لا تُسمن ولا تُغني من جوع وترقّب دائم لهذا الذي يأتيك جاهزًا للخناق والزعيق، هو متحفّز ومتحمّس وعلى أتمّ استعداد، فما عنّك؟! ورغم حنق الجميع على الجمعة، أجدني أحبّه. فإنّ الراحة التي يجلبها الإستيقاظ في العاشرة دون فزع المنبهات في انتظار تحضير فطار ساخن على أنغام صوت تحبّه لا توجد في سواه.  - 231/365

230: وكل بدايةٍ، نهايةٌ أخرى.

لم أعتد على تخيّل هذا الغياب لكنّه حدث، وهذا ما جعلني أكثر رضا، لأنني عرفت أنّ للأمر نقطة نهاية حينما كنتُ أهلوس ببداياتِ وهمية ومحتملة. لم يعد شيئاً محتَملاً، هذه على ما تبدو، النهاية. النهاية. التي تبدو البدايات بعدها غريبة ومُحرّفة وغير مستوية، إنّها بدايةٌ منبثقة من نهاية أخرى، كأنّها تحمل جيناتها عبر الزمن، وكأن كل بداية هي موروث جيني آخر. أما موروثي فمليء بالندبات، وكل ندبة اقتنصت جزءًا من هشاشتي كانت ندبة لجرح غائر لا يسهل الحديث عنه ولا الفضفضة فيه. وإن كل من استسهل الفضفضة يسبح في نعمة لا يعرف عنها الكثير. هذه الأيام أشعر أنني أفقد تركيزي، وعندما أخبر ماما تقول ساخرةً: "إيه؟ بتحبّي؟ " أقول في نفسي :" من الكأس المرّة لا نشربُ مرّتين يا ماما". لكننا نشرب. شرابٌ لاذعٌ مُذهبٌ للعقل وله مريدونه فما العمل؟! لا أملك الكثير من السلاسة ولا اللغة ولا البراعة في الحديث أكثر عما أصابني، لكنني أزحت ثَقلًا عن كتفي ووضعته في قلبي، كمن أخبر مريضًا على مشارف الموت بأنه يحتضر. لذا سأتوقف عن الكتابة هنا. يجب لي أن أرتاح. - 230/365

229: لم يحتمل البكاء

كان يصرخُ قلبه لشدة الألم، ثمّ يسمع صوتًا غليظًا يخترق بكاءه: "ما أسمعش نَفَسك" ثم يُتبعها بنفاذ صبر:" ما تعيّطش ". لا طالما أثارت حفيظتي جملة " لو شفتك بتعيّط هضربك "، وكأن البكاء فعل تحكمّي وليس انفلاتًا للمشاعر. لماذا يُضرب أحدهم على شيء لا يملك التحكّم فيه؟ ولماذا عندما ترى دموعًا بدلًا من أن تُطيّبها تًعاقِب عليها؟ الفكرة نفسها تحمل من الخلل والإهتراء ما يكفي لإسقاطها من ارتفاع ألف كيلو متر من برج العقل. رحتُ أسير باتجاه عيادة العِظام، أردتُ أن أشاهد المشهد القاسي لكن دون قسوته، وارتطمت نظرتي بوجه الأمّ التي كانت تحيد بعينيها عن المشهد، أنا أعلم أنها تكره هذا الدكتور الآن وتحبّه في الوقت ذاته. كان الطبيب يُمسك قدم الطفل والممرض يثبّته، ووالده يقوم بالدور نفسه، والطفل يصرخ بشكل هيستيري حتى شعرتُ أن صدعًا ما انشقّ في قلبي من شدّة تألمه. الأم التي كانت تختلس النظر بين الحين والآخر وسط سيل من الدموع لم تكن تملك وجهًا للحبّ غير هذا، بينما الأبّ العفيّ، الذي على ما يبدو كان فلّاحًا مُشقى، لم يكن يجد من الحبّ في قلبه سوى الجملة ذاتها " ما أسمعش نَ...

228: مُفاجئة غير سارّة..

فجأة، تهاوى جسدي، وأصبحت غير قادرة على الحركة بنشاطِ كما كنت منذ نصف ساعة فقط. ولا أعلم تحديداً ما الذي أصابني لكنّ بي إعياء شديد، وغريب. من أسبوعين، حادثني جسدي أن ثمّة خطب ما، وكالعادة لا أعيره اهتماماً، رغم أنني محاطة بالدواء طوال اليوم لمدة سنتين متتابعتين، إلا أنني أهرب منه كقطّ خائف. أحاول أن أكتب هذه التدوينة رغم الرجفة التي تسري في جسدي، يبدو أن الجوّ قد أصابعني بلعنة " برد في العظم "، وما زلت أتذكّر كم كانت تهابه جدّتي. كانت تقول أنّه خفيّ وقاسي ويهزّ أركان الكيان كاملًا. شربتُ شاياً ثقيلاً ولففت نفسي كساندويتش شاورما سوري، لكن لا شيء، ما زال البرد بداخلي، لذا أظنّ أنّه يجب عليّ أن أتوقّف عن الكتابة الآن، لأشاهد فيلمًا دافئًا وأنام. ربّما ألحقُ تدوينة الليلة ولا يصيبها التأجيل كتدوينة البارحة، والتي -بالطبع- تقرؤونها الآن. - 228/365

227: قصّ أطراف..

مرّ وقت طويل دون أن أشعر أن شعري يُمثّلني. نعم شعري بفتح الشين لا بكسرها. وفي كل ليلة أفكّر في قصِّه لكنّني أجدها حجة واهية للتعبير عن ذاتي، أو عن حزني، لا أعرف.. يدّعي الآخرون أنّ قصَّ الشعر يساعدك على نسيان حبّ قديم، نفسٍ قديمة. يحوّلك من خرقة بالية لفستانٍ مخمليّ له أكمام من الدانتيل. بينما -وعن تجربة شخصية- تتحوّل لفستان لو أمعنت فيه النظر لوجدته ما زال ذات الخرقة المهترئة. لم أكن يومًا مهووسة بشَعري. وكنتُ أحبّه قصيرًا طوال الوقت. ماما كانت تُفضّل عليّ قصة " الكاريه" لأنّها -كما آمنت- تزيد من كثافة شعري. كان شعر ماما في الثلاثينات من عمرها رائعًا، مع تمويجة كبيرة ومتراقصة ولون أسود غامق كثيف. وكان شعري -على رغم خلافاتنا المُبكّرة- يشبه شعرها. ولمّا بدأتُ في حبّ كرة القدم، قصصته أكثر لأجعل شكلي ذكوريّاً بما يكفي ليضمن لي الحصانة من الإستهزاء كلما رغبتُ في اللعب مع الأولاد. ثمّ فجأة فقدتُ حماستي تجاه لعب الكرة بمجرد أن انقطعت لقاءاتي بعمّو عبدالله الذي بالمناسبة يملك سُمرة شيكابالا التي أحبّها، والتي ظلّت حتى يومنا تُمثّل الوسامة بالنسبة لي. ولا أتذكّر كيف اختفى ع...

226: لا راحة إلّا...

هل من شيء قادر على موازاة إحساس البيوت؟ ظللتُ طوال الطريق من مكتبة الكُتب خان القاطنة في دجلة المعادي حتّى وصلت لشقّة صديقتي الموجودة في شارعٍ متفرّع من كورنيش المعادي، لا أتذّكر الأسماء والعناوين بدقة من شدّة انغماسي في القلق، لكنّها باتت أماكن أأتلفها على الأقل، ولم يفلت من أفكاري القلقة شعورٌ متضطرب بالرغبة للعودة إلى المنزل الآن، حتّى أنام على سريري الذي اعتدته واعتادني، أزيل مكياجي وأغسل وجهي في حوض حمامي الذي توطّدت فيما بيننا أواصر عميقة من انعدام الحرج ومشاركة كل الأفكار الجنونية. أنا أتذّكر جيّداً كيف تعلّمت الإذاعة، بل وكنت أُمسك بعلبة شامبو أو حتى مسحوق غسيت لأقرأ مكوناته على جمهوري الوهمّي وأنتظرُ منهم سقفة. عندما وطئت الشقة انتابني إحساس بالنقص، ظللت أنظر حولي وأقول دون أن أنطق: " في حاجة ناقصة، يا ترى إيه هي؟"، ولم يكن لذلك علاقةٌ بشكل الشقّة أو مدى نظافتها في اللحظة آنذاك أو حتّى عدد ساكنيها، لكنّ روحًا ما، التماعة شهابٌ مسافر اُفتقدت في تلك الليلة. عندما وصلتُ السرير، وتراءى لجسدي التعب الذي كنتُ أتغاضاه، كِدت أنام وأنا أمسك الموبايل أطمئن أمي أني وصلت....

225: مهما كلفني الأمر..

قابلتُ إيمان مِرسال. ورغبتُ في مشاركتكم هذه اللحظة القيّمة. عندما يكون اليوم زاخمًا تتوانى رغبتك في التوثيق لكل تعيش اليوم حتّى آخر قطرة فيه. البارحة، نسيتُ الموبايل رغم أنه في يدي، حصلتُ على صورة واحدة أبدو فيها مُرهقة ومتهالكة لكن سعيدة، تناولتُ غداءً سيئًا لكن لم أشعر بسوئه لأنني تشاركته مع صديق صادق وجميل وقريبٌ من القلب. كلّ ما كان يُحركني باتجاه البارحة هو رغبتي في اللحاق، اللحاقُ بالزمن، هذا الماراثونيّ الذي لا ينتظر أحد. منذ خمس سنوات غرقتُ في ندم بالغ لم ينساني حتى البارحة، منذ خمس سنوات رغبتُ في أن يعاد الزمن للوراء حتى لا يأتي عليّ هذا الحاضر الذي يُخزيني فيه شعور هائل بالندم. منذ خمس سنوات، ورغم أننا تشاركنا البلاد والكتب، حتى أنني أحتفظ بأجزاء قيّمة منها -كُتبها- في غرفتي، إلا أن أيدينا لم تتصافح يومًا، وللأسف لن نتصافح يومًا. منذ خمس سنوات ماتت كاتبتي المُفضلّة. تخيّل أن تكون على بعد كيلومترات من شخص تحبّه -رغم انعدام اللقا-، وتحترمه فقط لأنّ أفكاره كانت أقوى من كل وأي مسافة، وتسعى إليه لأنّه مثّل لك الكيان والإنسان والمرأة والقوة والشجاعة العمياء! كان حزني كبيرًا....

224: الأنوثة ما بين هذه وتلك..

" لا أريد تحطيمك ". قالها وهو يُلقي بكأسه بعيدًا ليتهشّم في زجاج النافذة. " لم أؤمن بالألوان الأحادية. رغبتُ دومًا في المزج فيما بينها، لم يستهويني الأبيض ولا الأسود. أحببت الرمادي". هذا مشهد أيرونيكيّ مرّ في كل الروايات النسوية وغير النسوية، الشراب والإنفعالية الزائدة والأنثى التي أضعفها الحبّ. أتذكّر أن أحلام مُستغانمي كان لها تأثير كبير في تكوين فكرتي النسوية عن الحبّ. لا طالما أطّرت المرأة في إطار متكرر مهما بلغت درجة اختلاف الحدّوتة والحبكة. المرأة التي يجعلها الحبّ منبطحة تحت رجل ما فقط لأنها لا تستطيع التوقف عن حبّه، هي امرأة لا تُعنى بالأنوثة بل تُعنى بالضعف ولم أعرف هذا إلا عندما تفتحت براعم اسم رضوى عاشور في صباحاتي على أنغام أم كلثوم. هذه المرأة التي أعرفها وأراها وأحبّها، المرأة التي لا تتحدّث فقط عن شهوانية المشاعر ولا عن قدرتها في السيطرة عليك، لكنّها تتحدث عن العالم من حولها، تتحدث عن التدريس والتاريخ والمرض والحبّ والثورة. إن مواجهة الإنسان لهذين الوجهين الأنثويين يصبّ له إدراكًا مختلفًا في كل مرّة. خُيّرت الأنثى التي بداخلي فاختارت كلتاهما. ...

223: صنعتُ صحراءَ لا أعرفها

كيف وصلتُ لهُنا؟ أنظرُ لنفسي في مرآة السيارة، بعد أن أطفىء مُحركها، وأثبّت فرامل اليد على وضع السكون، وأجلس لثوانٍ معدودة مُغلقة زجاج النوافذ دونما أي مصدر للصوت. هذه اللحظة التي يهدأ فيها العالم من حولي فأسمع -بوضوح بالغ- صوت من بداخلي، صوت ما بداخلي، إنّها الصراحات والمخاوف والهلاوس والقصص المركونة تتشاور وتتوشوش فيما بينها، ولولا الصمت المطبق لما سمعت لها حِسًّا. في كل مرة أرجع فيها بذاكرتي بضع سنين للوراء يصيبني الذهول. رغم أن الحياة لم تكن مُشرّدة ولا قاسية بشكل لا يحتمل إلا أنّها كانت مُكدّسة ومكتظّة بشتّى أنواع التجارب. والذهول الحقيقي ليس في مرورها بل في كيفية حدوثها، كيف مررت من خلال كل هذه اللحظات وكيف مررت بها ثمّ نسيتها؟ وكيف سأصبح عندما أصل للأ ربعين من عمري؟ بالطبع سيتلاشى زخم العشرينات من مخيلتي. إنّ ما أعيشه الآن هو شكل من أشكال الذكرى المُهترئة في المستقبل. إنَ كل ما شارك في تكوين وجداني قد شارك بدون وعي مني، وإن رغبتي في تحويل نفسي لنفس أخرى أكثر سعادةً هو الضغط الذي أورط نفسي فيه بكامل إرادتي. أنا أبحث عن سعادةٍ لا تبحث عني. في المرآة يمكنني أن أرى نفسي فحسب، ...

222: النُبل وأشياءٌ أخرى..

إلى الآن -ورغم امتناني لمن حمل جسد القطة الميّتة- أتعجب كيف فعلها! ولأنني لا أملك هكذا قدرة فإنني بطبيعة الحال لا أفهمها ولا أفهم من يملكها. من أين تأتي القوّة أو اللامبالاة لفعل شيء كهذا؟! إن طبيب الإستقبال الذي كان يستند إلى الحائط، يواجه يوميًا ما لا نحبّ أن نتخيله نحنُ حتّى في المنام، هو شخصٌ نبيلٌ لكنّه مُتألم، وذلك أنّ كل ما نعتقده فعلٌ شُجاع وشهم ونبيل هو في الوجه الحقيقيّ له فعلٌ مقاومٌ للألم، ومقاومٌ للطبيعة الرقيقة في دواخلنا التي تجعلنا ننبطح أمام مشهد دهس قطّة كالمكلومين، أو فعلٌ لامبالي باختراق الألم قدر ما هو مبالي للزوم الشفاء وضرورته. الرجل الذي يعمل في مشرحة المستشفى، بغيضٌ للغاية. لهُ طول مُزعج يؤرق تركيزك، ولحية بيضاء تنمّ عن إيمانٍ هادىء لكنّها في حقيقة الأمر تلبية لرغبته في إتقان "كيف يجب أن يبدو من يعملون في المشرحة"، وكأنّها صورة لازمة لكل من يعمل في أي مشرحة في العالم أن يتعظ بدروس الله ثمّ تبدو على هيئته الحكمة والبصيرة النافذة. حتّى قابلتُ هذا الرجل، والذي -ببلاهةً- ظنّ أنّ بإمكانه تهديد وترهيب البشر بدعائه. ورغم أنه آخر ما يلمس الجسد قبل الدف...

221: الوجه الآخر..

البارحة، رأيتُ مشهدًا أمقُته، بإمكانه تحطيم يومي إلى أجزاء صغيرة مُفتفتة. يقفُ دكتور الطوارىء الذي أعرفه، مُستندًا إلى الحائط وفي عينيه إنهزامةٌ كالغروب وفي وجهه تيه. لم يكن حتى يقف مع أيٍّ من  الحالات و المرضى، بدا و كأنّه يختلي بنفسه على حائط المشفى وتختلي الهموم به على الطرف الآخر. ثمّ دخلت حالة على سرير الإستقبال، الوقت لا ينتظر أحد، وانتفضت الممرضات والدكاترة النوّاب، وحملوه سريعًا باتجاه العمليّات. في محاولة لتخيّل فظاعة المشهد لمريض خرج لتوّه من حادث مروّع، وما يواجهه أطباء الإستقبال والطاقم الطبيّ في مجمله يثير في قلبي الشفقة وفي عقلي تشويش بسيط، قطع تفكيري هاجس الآن. لكم من القلب عطاء لكل هؤلاء؟! لكم من الطمأنينة قسط لكل هؤلاء؟! ولكم من الراحة شبرٌ في غيط التعب الواسع هذا؟! النُبل في الأخلاق والمشاعر ليس فطريًا، وهو على قدر روعته يقسم الظهر، وكأنّ ذلك الوجه الآخر للعملة. لكن بدايةً سأحكي لكم حكاية سريعة.. إن دهس القطط تحت عجلات السيارات هو الوجه المثالي لفعلٍ قاسٍ ويومٌ ثقيل الظلّ. فلا أتحمّل المشهد ولا أحبّ التدقيق فيه، إلا أنني أجده أمامي بشكلٍ يوميّ كافٍ ليغلق...

220: يومًا ما

سأحكي لكم عن قصة انهزامي للنوم واليوم الطويل.. لكن دعوني أكتب تدوينتي الجديدة بدايةً، ولنُأجّل هذه الحكاية يومًا ما.. - 220/365

219: ملاحظةٌ من الملعب..

صوتُ المعلّق يعلو كلما اقترب اللاعب من الجول، وأنا أحضّر الغداء، أقطّع شرائح البطاطس بعرض متوسط، لا أحبّها أن تُقرمش كالشيبسي، فأحرص على أن تحافظ على طعم البطاطس المُحمّرة المعتادة التي لاطالما أكلتها خلسة واحدة تلو الأخرى من الطبق المغطّى تحت البوتجاز في مطبخ تيتة. وكانت عادةً إذا لم تقطّعهم على هيئة شرائح قطعتهم كأصابع طويلة، وفي الحالتين كان الطعم حقيقيّاً ومميزًا، كأنّه يخصّ مطبخ تيتة وحسب. الآن، فريق أسوان يلاعب فريقًا آخر -قد نسيت اسمه بالفعل ريثما بدأت الكتابة-. كانت هذه هي المرّة الأولى التي أسمع فيها بفريق أسوان، أنا التي ما كان يقفز لي فؤاد إلا للكرة، فقدت اليوم اهتمامي بها والولع وبات قلبي لا يقفز لشيء. ولا أتذكر تماماً متى بهتت كرة القدم في عيني إلى هذا الحدّ، أَبَعد حادثة بورسعيد (والتي وقعت في فبراير لعام 2012 في مباراة لكرة القدم بين الأهلي والمصري البورسعيدي)؟ أم بعدما فقدت الكرة المصرية ذائقتها ولم تعد مشاهدتها بالمشاركة والقزقزة والحماسة ذاتها؟ لا أعلم.. لكن الإجابة حتمًا ستحوم حول زمان ما بعد الثورة، حيث بهتت أشياء أخرى كثيرةىبالطبيعة، ولم نعد -منذ تلك اللحظة- كم...

218: لكيّ تجرّب الموت يجب أن تعيش أولًا

في رحلة اكتشاف الذات، لا شيء أكثر تكلفةً من التجربة. ودون التجربة لما عرفنا من نحنُ فعلًا وإلى أين نريدُ لها أن تتجه. حتى وإن أردنا لها التوّجه إلى الهاوية، فهذا ما آلت إيه تجاربنا. يقفُ الدين والأهل والمجتمع ضدّ الفرصة التي تجعلك مخوّلًا لأنّ تُجرّب، ولا يحبّ أحدٌ أن يترك لك رحلة استكشافية في الذات، بل يأطّرونك بالخطوط والنقاط والزوايا وبعضهم يرسم لك اللوحة كاملة. إنّ الحياة في مخزونها تحمل القسوة التي تخطط الهروب منها، لكنّك ستفشل في ذلك لأنّ التجربة ستلاحقك، ستلاحقك كيفما هربت وأينما احتميت. لا شيء، ولا أحد سيمنع عنك اللحظة الأولى التي ستجرّب فيها خسارة والديك، ولا أحد سيرفع عنك تجربة خلع ضرس أو حتى خلع قلب، ولن يرأف بك العدل إن كُتب عليك الظلم. لن يطبطب على كتفك أحد عندما تفشل قصة حبّك الأول، ولن تلتئم جروحك بخيوط أحد، ستكون أنتَ جرّاحك الأعظم. لمَ لا نعيش الحياة إذًا كما يجب إن كان لا بدّ للقسوة أن تشقّ مسلكًا إلينا، على الأقل، سنكون قابلنا الوجه الآخر للحياة في خضمَ كل هذا، وجهٌ فيه لحظاتٌ دافئة وسعيدة أو حتّى جديدة، إلى أن نقابل الموت، نحمل على أكتافنا خلاصة ما جمعنا وواجه...

217: أستاذ أم إله؟

إنّ أكثر ما يدهشني في اليومين الماضيين، الأخبار التي تُترجم لفكرة ليست بجديدة: اعتقاد الطاقم التدريسي والقائمين على التعليم في مصر أنّهم كادوا يجارون مقام الإله في العظمة، وأنّهم في الفهم لابدّ أن يكونوا جهابذةً لا يُسائلهم أحد ولا يراجعهم أحد، ولا يعلُ على آرائهم الغبية أحد. العجيب، أنّ هؤلاء تخللهم العلم بما يكفي لتنقية صخورهم الفكرية، أو هكذا نظنّ، حتى يتبيّن لنا مع الوقت، أن العلمّ لم يجاورهم حتّى، وأنّ ما يملكونه في عقولهم هو الغرور والتغطرس والضحالة الفكرية المخزية. ما زلت أتذكّر جيّداً علاقتي الرديئة بدكاترة جامعة المنصورة، والذي يملكون شُهرة عريضة على مستوى الجمهورية، شهرةٌ فقيرة ومُخزية بالطبع. يُعرف عن أغلبهم الجنون وعدم إتباع أيًا من ملامح الذوق العام ثم تصديرهم لأمراض نفسيّة حقيقيّة نشأت من أنفسهم لأنفسهم وللطلبة على حدّ سواء. حتّى أنّ شخصّا مثلي لا طالما واجه العالم بالتعريف عن نفسه واسمه، لجأ إلى الإختباء طوال سنين الجامعة حتى لا يعرفهم ولا يعرفونه. في إحدى المرّات التي كنت فيها محظوظة كفاية للإلتقاء بباحثة بريطانية، تحدّثت معنا عن الألوان في مصر القديمة وما اكتشفته م...

216: بطاقة معايدة

في عيد ميلاد ماما، منذ يومين، كتبتُ لها ما رغبتُ في كتابته؛ كلام غير مُزيّن ولا تنبثق منه عاطفةٌ زائدة. وقد يكون لكتاب " عن الأمومة وأشباحهها " دور في هذه الواقعية. الأمومة ليست مثالًا مُنزّهًا، هي جزء من الآدمية كذلك، يمكن لها أن ترتفع ويمكن لها أن تنهار، يمكن لها أن تُحطّمك كذلك فقط لأنك لم تُقابل توقعات العالم منك.  ولأن إيمان مِرسال خاطبتْ صوتًا موجودًا بداخلي، كان يهمهم منذ زمن دون أن يجد آلةً تعزفه ولا إنسانًا يتحدث به حتى كاد أن يتلاشى في الفراغ، حتّى أنّها رمت له الكتاب في متناول يديه، فاختفت وحدته وعلت حِدته وأُحيي من جديد. وكنتُ أريد أن أعايد ماما بذات الحبّ والواقعية، إنها علاقة كرّ وفرّ رغم هالة الحبّ التي تحيط بها، أردتُ لها أن تعرف أننا نحاول، وهذا أكثر صدقًا من أن ندعي أننا مثالييون. لمَ ننكر أن الجيلين يفصلهما فجوة، فجوة زمنيّة  خلقت بالتبعية فجوة فكرية، ورغم كل ما لم نشارك في صناعته بأيدينا، نمد أيدينا باتجاه الآخر لتتلاقى. "ماما عيد ميلادها بكره، ويمكن عشان أنا وهي ناقر ونقير دايمًا مش بتجيلي فرصة أقوللها قد إيه بحبّها وقدّ إيه هي ستّ مُضحيّة، و...

215: فراشةٌ تتعلم الوصول..

اخترتُ تأجيل كتابة تدوينة البارحة حتَى صباح اليوم لأسبابٍ عدّة، أغلبها أنني كنت متعبة بشكل غريب، وأهمها أنني أردتُ الكتابة في الباص، أو السوپرچيت كما نسمّيه في مصر. لا طالما راقت لي فكرة أن تشهد عليّ الأمكنة المختلفة وأنا أكتب. أعتقدُ أن السبب يعود لحبّي العظيم للتوثيق، والذي بالمناسبة لم أعرف له مسمّى واضحًا إلا بعد استماعي لبودكاست الكاتب أحمد خيرالدين. عندما قال "هوسي بالتوثيق" شعرتُ أنّه سمّى أحد الأمراض المُصابة بها. أعني، ما سرّ حبّي الشديد لإمساك الكاميرا وتصوير ڤيديوهات عشوائية وغير عشوائية، ما سرّ بحثي عن النُسخ الأصلية لكل شيء، حتّى المجلّات. ما سرّ تدويني لأفكاري على هامش الكتاب الذي أقرؤه، ولمَ شعرتُ برغبةٍ في كتابة يومياتي وأن ابنة السبع سنوات. " هوسٌ بالتوثيق"! شُخّص مرضي. وذلك يأخذني للصفحة الأخيرة من كتاب خير " بعلم الوصول"، والتي بمجرّد أن أغلقتُها أصابني  شعورٌ شخصيّ بالوصول، لكن الأهم هو شعوري باللهفة المتقدة للمزيد. أريدُ أن أعرف ماذا حدث لكل هؤلاء، ولكل الذين ارتبطتُ معهم دونًا عن الباقيين، وكأنما تشابكت أرواحنا في شبكة حريريّة زمني...

214: هذه ليست جريدة

على ما يبدو، يتعامل الإعلام مع الأخبار كقوت يومه، بينما أنأى -عن قصد- بمدوّنتي عن الكثير مما يحدث. حتّى أنني كتبتُ السطر الأول في رثاء صالح علماني ثم مسحته ثم كتبته ثانية ثم أعدتُ مسحه. لم أرغب في تحويل المدوّنة لجورنال يومي، هذا وإن ارتقت لأن تكون كذلك، لكنني أرغب في أن أعزّي كامل النفس بفقدان هذا الشخص البديع. وأنني أعرف تمام المعرفة أن اليوم هو خسارة حقيقةٌ للترجمة والأدب العربي على حدّ سواء. اليوم، كان يومًا طائشًا منذ اللحظة الأولى. ماذا تفعل عندما تتورط في الإستيقاظ صباحًا دونما جدوى؟ عن نفسي، أسمع الموسيقى وأتناول فطورًا سريعًا على شمس صباح ديسمبر الخجولة، أتصفّح هاتفي كما أفعل عادةً، أقرأُ مقالًا عن نسب الإنتحار والطبّ النفسي في مصر، ثم أنزعج فأعود بقلبي للموسيقى لأُسلّمها نفسي. ثمّ أفكّر في الإنزواء، لكن كيف لي أن أعتزل الناس ونحن في التجربة معًا! وكأي تجربة وحدانية رغبت في خوضها، خُضتها بالفعل وتعلّمت من مرارة ما تذوّقت لا من مرارة ما تذوّق الآخرين، وأكاد أؤمن أنها وسيلة للعلاج وليست مجرد " رياحة بال والسلام". أمسك بالكتاب، يناديني، يقول هلّمي بِنا، اقترب ا...

213: أين أنتِ يا كتابة؟!

أتساؤل لمَ لا أستطيع الكتابة لهذه الليلة؟ أجلس أمام شاشة اللابتوب، جاوزت الساعة، ولكن لا شيء. لا شيء سوى فتافيت مبعثرة من هنا ومن هناك لا ارتباط بينها. ثمّ أنني أودّ لو أعترف أنني مُشبّعة بالموسيقى الجيّدة اليوم وذلك يساعدني أن أحتفظ بما أخذت من العالم لأستمتع به، الإيقاع الذي يأتلفه قلبي ويرتبط معه كأنّما يعرفه منذ الأزل. أنني -كذلك على جانب آخر- في يوم كهذا لا أحبّ الكلام، ولا أميلُ للتعبير، ولا أميل للشعور. أنا مرهقة. يتحدّث الجميع عن الإكتئاب وعن الحزن وعن الإنتحار، وأنا لا أريد أن أتحدّث عن كل هذا، أريد أن أضمّك في لحظة غروب على شاطئ البحر بكل سلام. أن أُسلم همومي لرمل البحر، فليحملها هو، أنا مرهقة ولا أريد أي أحمال، لا في صدري ولا على لساني ولا حتّى في مخيلتي. تصيبني الأيام هذه بالسؤال المتكرر قصير الذاكرة: من أنا؟ ولمَ قد تغيّر مزاجي من الكلام المغدق للصمت الواثق؟ كم تحتاج لتعرف نفسك؟ سبعة عشر عامًا من المراهقة؟ خمسةٌ وعشرون عامًا من النضج؟ خمسةٌ وثلاثون عامًا من الإستقرار؟ أم أربعون عامًا من الثبات؟ أنا أعرف إلى الآن، أنني أحبّ الكتابة، وأن الموسيقى -التي نشأت من الكون ومنّا...

212: ما كان يجب علينا أن ننظر باتجاه الشمس

كان يجب علي أن أقف لنفسي، وألّا أبالي لأحدٍ سوى هذا الكيان الذي يصارع معي فرص وجوده على أرضٍ قبيحة لا تُدرك الغريب ولا تريد حتى أن تألف المعتاد. كان يجب عليّ ألا أنحاز لأحدٍ سواي، وكان لابدّ أن ينحاز لي القدر كذلك، وهذا غرور مثير، من أنا لينحاز لي العالم! في القاموس الكوني وبالمعادلات والمقارنات هو منحازٌ بالفعل، لكن من نظرة اللارضا التي دائمًا ما تغشيني، لم أرَ انحيازه ولم أرَ حبّه. لمَ انفتح الكون في اللحظة التي لم نكن مستعدّين فيها للرؤية! فجأةً نزع عنّا أحدهم غطاء العين وقال لنا، ها هي الحقيقة مثل الشمس، انظر جيدًا. لكنني لا أستطيع مقاومة الإحتراق في مقلتيّ، هذا البكاء ليس حزنًا وإنمًا هلعًا من ألا أعود للحظة ما قبل الإدراك ثانية، للثانية التي سبقت انعدام الرؤية من سطوع الحقيقة. كل ليلة ينكشف لي جزء من السرّ، وأتبيّن أطراف إجابات تحاول أن تتلصص تحت عقب الباب، كل ليلة ثمة جديد في هذه البلاد، ولأن العالم مفتوح فالمعرفة أصبحت أسرع خطوة باتجاه الهاوية. والجهل مأمنكُ الذي يمنع عنك السُهاد والعذاب السرمديّ. " لما تخاف، فتّح عينيك "، لأنّ لا شيء أكثر وحشية من الخيال. الظل...