89: عشوائيّة: " أغمض عينيك وتخيّل"
صوتٌ طفولي يرتّل قرآناً أو يدندن أغنيّة، لم أتبيّنه تماماً من ارتطام الهواء بزجاج شبّاك الميكروباص، لكنّه كان جميلاً وناعماً وهادئاً. ظلامٌ يتخلل مصانع الخشب، ونيرانٌ وليدةٌ تبدو كشعلة أولمبية تحملها أيادٍ منهكة ومتعبة، تُشعلها وتصنع القهوة في آنٍ واحد. وقفٌ خيريّ لمبرّد مياه، صنبوره مكسور، والماء تسري منه إلى الأرض كأنها دموع الحجّاج. باص كبير وازدحام، وجوهٌ كثيرةٌ ووجوهٌ مُنيرة تلبس الأبيض تصعد الباص وسط زغاريدٍ وقبلاتٍ وسلاماتٍ، تلتفّ حول رقابهم أسماؤهم وأسماء حمَلاتهم. زغاريد زغاريد. على حين بغتةٍ، في الإتجاه المقابل، رجلٌ فتح النافذة وبصق في الشارع. المناديل مُهددةٌ بالإنقراض كالزراف كما نعلم! أغمض عينيكَ وتخيّل.. الآن وقد وتّرتْك الظلمة لثوانٍ. ثمةً يدٌ، تمتدّ على الكرسيّ المجاور لي، هل يستند أم يمارس نقصاً ما في آدميته؟ أمهليه ثواني. السماءُ تعلم جيّداً كيف يمكن لها أن تحطّم الإنسان وتحييه، لأنّها تُذكّره بحلمٍ ما، وأرقٍ ما. رجالٌ كثيرون يجلسون على القهوة يلعبون الدومينو ويتحدثون حتى الصباح لأنّ نساءً بائسات تنتظرهنّ على السرائر، ليناموا بمفردهنّ كل ليلة. طفلٌ ...